كلمة الوزير الأول خلال النقاش العام لمؤتمر ستوكهولم + 50

ألقى الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان كلمة صبيحة هذا الخميس  خلال النقاش العام لمؤتمر ستوكهولم + 50 المنعقد بستوكهولم (مملكة السويد)، 2 -3 جوان 2022، هذا نصها:

– فخامة السيد أوهورو كينياتا، رئيس جمهورية كينيا،
– دولة السيدة مغدالينا أندرسون، الوزيرة الأولى لمملكة السويد،
– معالي السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة،
– أصحاب الفخامة والمعالي والسعادة،
– السيدات والسادة المشاركين،
يطيب لي، بداية، باسم رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، أن أتقدم إلى الرئيسين المشاركين لمؤتمرنا هذا بأحر التهاني وخالص الشكر على تنظيم هذا اللقاء الدولي الهام.

كما أخص بالشكر أيضاً الحكومة السويدية على حسن الضيافة والتنظيم المحكم، بالرغم من الصعوبات التي تفرضها علينا الجائحة.

السادة الرؤساء،

السيدات والسادة الحضور،

منذ نصف قرن من انعقاد المؤتمر الأول للأمم المتحدة حول البيئة، اطلع المجتمع الدولي على تقرير نادي روما، الذي أفصح عن حقائق مثيرة للقلق بخصوص الطابع غير المستدام للنموذج الاقتصادي العالمي السائد آنذاك، والقائم على فكرة تنمية اقتصادية دون أية قيود تخدم مصالح البعض على حساب الكل.

وقد نص هذا التقرير على ضرورة العمل من أجل إيجاد توازن بين مقتضيات التنمية وما يليها من أهداف الحد من الفقر والجوع، والقدرات المحدودة لكوكبنا.

وها نحن اليوم، بعد خمسين عامًا من هذا الحدث الهام، نواجه أوضاعا أكثر صعوبة، ذلك لأننا لم نستفد من الدروس والعبر التي أملتها علينا الأزمات المتعاقبة، بداية من أزمة المديونية التي عرفتها الدول النامية في مطلع ثمانينات القرن الماضي، مرورا بالأزمة الاقتصادية التي أتت على الأخضر واليابس نهاية العقد المنصرم، إلى الأزمة المناخية التي تلحق أضرارا وخيمة بالبشرية جمعاء.

وإننا اليوم نجابه منذ ثلاث سنوات أزمة صحية غير مسبوقة، شلت الاقتصاد العالمي، وساهمت، وبشدة، في إضعاف قدرات البلدان النامية في المضي قدمًا من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة. فهل من برهان أوضح عن عدم نجاعة الأنماط الاقتصادية الحالية؟

السادة الرؤساء،

السيدات والسادة الحضور،

إن بلادي تواجه، منذ عقود، أزمات بيئية متفاقمة على غرار تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والتصحر وتدهور الأراضي، بالإضافة إلى ندرة المياه وحرائق الغابات والسيول الناجمة عن الأمطار الطوفانية، التي تفرض تحديات ضخمة على الدول، بحيث تقوض إمكانياتها في تلبية الحاجيات المتزايدة للسكان من تزويد بالماء الصالح للشرب والغذاء بالإضافة إلى الخدمات الاجتماعية الأخرى كالصحة والتشغيل.

ولمجابهة هذه التحديات، سعت الجزائر، تجسيدا لبرنامج السيد رئيس الجمهورية، إلى تحقيق التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة، إذ قامت بتبني مجموعة من الأطر والاستراتيجيات والبرامج والخطط الحكومية والقطاعية تخص جل القطاعات المعنية، كقطاعات الطاقة – بما في ذلك الطاقات المتجددة – والنقل والزراعة والصناعة والسكن والبيئة والموارد المائية والغابات والنفايات والصيد البحري، بهدف تعزيز القدرات الإنتاجية الوطنية بما يساهم في تلبية حاجيات المواطن الجزائري مع الحرص على البعد البيئي. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تم:

• إطلاق برنامج طموح لتطوير الطاقات المتجددة بغية الوصول إلى طاقة إنتاجية تصل إلى 15 جيجاوات بحلول عام 2035. ويهدف هذا البرنامج إلى تأمين الحاجيات المتزايدة للسكان، وكذا حاجيات القطاعات الاقتصادية المستهلكة للطاقة
• اعتماد استراتيجية وطنية لترشيد استهلاك الطاقة تستند إلى مجموعة من الإجراءات والتدابير الرامية إلى خفض مستويات الاستهلاك في مختلف القطاعات، من خلال الترويج لاستعمال غاز البترول المميع كوقود وبناء منشآت طاقوية تعتمد على الطاقة الشمسية دون الربط بشبكة التوزيع، وإطلاق شراكات لإنتاج الهيدروجين الأخضر،
• اعتماد خطة عمل لإعادة تأهيل السد الأخضر الجزائري، لزيادة الغطاء الغابي إلى 4.7 مليون هكتار وإعادة تأهيل النظم البيئية المتضررة، حيث أن بلادي من خلال هذا المشروع الرائد، الذي تزامن إطلاقه مع مؤتمر ستوكهولم الأول، كانت من الدول السباقة إلى إحاطة إشكالية البيئة والمناخ بالعناية اللازمة، كما أن إعادة تأهيله يُنتظر أن يكون لها إضافة هامة، ليس فقط بالنسبة للجزائر، وإنما في محيطها المباشر أيضا.
• اعتماد خطط واستراتيجيات وطنية للتسيير المستدام للمناطق الساحلية، والموارد المائية، والنفايات بهدف تدوير النفايات المنزلية، وتثمينها بغرض إنتاج الطاقة،
• اعتماد خطة وطنية لترقية أنماط إنتاج واستهلاك مستدامة.
ومن جهة أخرى، واستعدادا للمؤتمر الذي يجمعنا اليوم، عكفت الجزائر، بدعم من الحكومة السويدية ومكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالجزائر، على تنظيم مشاورات وطنية ضمت مشاركين من آفاق شتى، وذلك لمناقشة السبل والمناهج التي من شأنها أن تسمح للجزائر بالمضي قدما في تحقيق البعد البيئي للتنمية المستدامة، بما يتماشى مع أولوياتها وخصوصياتها الوطنية. وقد تمخض عن هذه المشاورات مجموعة من المقترحات والتوصيات، تم تقديمها للأمم المتحدة كمساهمة الجزائر لإثراء مداولات هذا المؤتمر.

السادة الرؤساء،

السيدات والسادة الحضور،

تفرض علينا التحديات التي أسلفت ذكرها السعي من أجل إيجاد حلول تسمح بتخفيف حدة الأزمات البيئية وآثارها السلبية. ولكن، وفي نفس الوقت، يتوجب علينا الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات والحاجيات الوطنية للدول النامية التي تختلف عن تلك السائدة على مستوى نظيراتها المتقدمة.

وقد وجب التذكير في هذا الصدد، أن المسؤولية التاريخية في نشوب هذه الأزمات تقع على عاتق هاته الأخيرة، بالنظر إلى المخلفات السلبية الناجمة عن الثورة الصناعية التي استمرت خلال قرنين ونصف قرن. كما ينبغي على الدول المتقدمة ألا تتملص من التزاماتها في توفير الدعم المالي والفني لشريكاتها النامية بما يسمح لهاته الأخيرة بالمساهمة في الجهود العالمية لأجل حماية البيئة وبلوغ البعد البيئي للتنمية المستدامة.

إن الانتقال إلى أنماط إنتاج واستهلاك مستدامة يقتضي منح الدول النامية فضاءً سياسيًا يسمح لها بمواجهة التحديات التي تفرضها عليها الأزمات البيئية بمختلف أنواعها والاستفادة الكاملة من الفرص التي تتيحها هاته النقلة النوعية.

وفي هذا الصدد، تحتفظ المبادئ التي اعتمدها مؤتمر ريو دي جانيرو، عام 1992، والتي ترتكز عليها الغالبية العظمى للاتفاقيات البيئية المتعددة الأطراف بكل أهميتها وصواب رؤيتها. وعليه فإن كل تعطيل لهذه المبادئ سيؤدي بالضرورة إلى الإخلال بالتوازن الذي تستند إليه هاته الاتفاقيات وكذا الأطر الدولية التي تهدف إلى تحقيق البعد البيئي للتنمية المستدامة.

وأود هنا أن أؤكد مجددا التزام اَلْجَزَائِرُ بالعمل مع شركائها من أجل الإسهام في بلوغ أهداف التنمية المستدامة على النهج الملائم.

كما أغتنم هذه الفرصة لأشير إلى قرار رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي، خلال القمة الاستثنائية المنعقدة في ملابو في 27 ماي الفارط، والذي اعتمد اقتراح رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، بإنشاء قدرة مدنية قارية للتأهب والاستجابة للكوارث الطبيعية في إفريقيا، وهو ما يعد مساهمة لمواجهة التحديات الإنسانية الناجمة عن تغير المناخ والكوارث الطبيعية. إن بلادي التي تعهدت بتمويل أول اجتماع لإنشاء هذه الآلية، تدعو المجموعة الدولية إلى دعم ومساندة هذا المشروع القاري الاستراتيجي.

وشكرا على كرم إصغائكم.

2

زر الذهاب إلى الأعلى