فيما دعا لعمامرة لتثمينها: مقوّمات الدول العربية …العملاق النائم

فايزة سايح

عندما تحدّث وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج رمطان لعمامرة عن تثمين مقوّمات الدول العربية لتحقيق نهضة الأمة العربية خلال أشغال وزراء الخارجية العرب، كلماته كانت تحمل دلالات واضحة، وخلفيات عميقة عن إمكانيات هائلة تملكها الدول العربية لو استغلّت أحسن استغلال لحقّقت اقلاعا اقتصاديا هائلا، وحقّقت مستقبلا أفضل لدول وشعوب المنطقة العربية التي تحتل موقعا استراتيجيا في الخارطة العالمية، ولكن رغم هذه الامكانيات والمقومات وعلى ضخامتها لا تزال المنطقة العربية تعاني من كل النواحي سيما الاقتصادية وهو ما يجعلها بمثابة العملاق النائم …

على مدار تاريخها كان الملف الاقتصاديّ من أبرز اهتمامات جامعة الدول العربية، وشغل التعاون الاقتصادي صدارة اهتماماتها الجامعة منذ تأسيسها ومع هذا لم يتم الوصول اليه كهدف أسمى من بين أهداف انشائها .

التعاون الاقتصادي …هدف أسمى ينتظر آليات التفعيل

وبالعودة إلى نصّ ميثاق المنظمة الإقليمية نجد أنه دعا الى تحقيق تعاون اقتصادي أوثق بين دولها كأحد أهداف إنشائها، وفي هذا السياق أُبرمت معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية عام 1950، ونصّت المادة السابعة منها على “تعاون الدول المُتعاقدة على النهوض باقتصادات بلادها، واستثمار مرافقها الطبيعية، وتسهيل تبادل منتجاتها الزراعية والصناعية، وتنظيم نشاطها الاقتصادي وتنسيقه، وإبرام ما يقتضيه الحال من اتفاقات خاصة لتحقيق هذه الأهداف”.

وبعد مُضيّ 3 سنوات من المعاهدة وقّعت الدول الأعضاء اتفاقية تسهيل التبادل التجاري، ثمّ اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية عام 1957، والنتيجة إقرار “السوق العربية المشتركة” عام 1964، بهدف ضمان حرية انتقال الأموال والأفراد والبضائع.

وعلى الرغم من تعدّد المعاهدات والاتفاقيات والقرارات التي أقرّتها مؤتمرات القمة والمجالس الوزارية العربية المتتالية، والتي استمّد منها العمل الاقتصادي العربي المشترك مرجعيته على مدار عقود من الزمن، أي منذ تأسيس جامعة الدول العربية لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي، إلا أنّ واقع الحال يختلف كثيرا عمّا جرى التوقيع عليه، بسبب ضعف آليات التطبيق والخلافات بين الدول الأعضاء.

في انتظار التفعيل…مقوّمات وإمكانيات هائلة للدول العربية

تطرّق وزير الشؤون الخارجية رمضان للعمامرة في كلمته الافتتاحية بمناسبة انعقاد أشغال وزراء الخارجية العربية عشية السبت 29 أكتوبر 2022، إلى ضرورة تثمين مقوّمات الدول العربية لتحقيق نهضة اقتصادية للأمة العربية.

وتتمتع المنطقة العربية بامكانيات وموارد طبيعية تحسد عليها ، فالوطن العربي يتمتّع بثروات طبيعية، ومالية، وبشرية ضخمة، ومهمة سواء من ناحية حجمها أو كمياتها، علاوة على ترابط الدول العربية بوحدة جغرافية متصلة من الأرض، وفي منطقة تتميز بمركزها الاستراتيجي المتوسط بين الشرق والغرب، ويضمّها تاريخ مشترك ولغة واحدة، لذا فإن الوطن العربي بما فيه من طاقات وثروات طبيعية وبشرية، وموقعه الاستراتيجي، تتوفّر لديه أكبر الإمكانات ليصبح قوة اقتصادية كبيرة تلعب دورا مهماً في الاقتصاد العالمي.

وبلغة الأرقام تتربّع المنطقة العربية على مساحة كبيرة جداً تبلغ حوالي 14 مليون كيلومتر مربع، وفي إطار هذه المساحة الكبيرة يتنوّع المناخ والتضاريس ونوعية التربة وتتعدّد مصادر المياه .

كما تمتلك المنطقة العربية مصادر الطاقة بنوعيها الناضبة والمتجددة، فإلى جانب الثروات المعدنية ومصادر الطاقة من النفط إلى الغاز نجد مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والحرارة.

كما تتوّفر الى جانب هذه المقوّمات، سوق مناسبة ومساعدة لعملية التكامل ترتكز على الامتداد الجغرافي الكبير للوطن العربي وأهمية موقعه الجيواستراتيجي والجيوسياسي والتعداد الكبير للسكان الذي تجاوز أكثر من 300 مليون نسمة، وتعتبر السوق العربية عاملا مساعدا لتصريف المنتجات المتوفرة في كل دولة على قاعدة تعدّد الموارد المتاحة، ومن خلال عملية التبادل الداخلي والخارجي سواء بين الأقطار العربية أو المبادلات مع مناطق ودول أخرى على الصعيدين الإقليمي والعالمي، إلا أنّ نصيب التجارة البينية العربية لا يزال متواضعا جدا بالمقارنة بالتجارة العربية مع الخارج .

معوّقات تقف كحجر عثرة أمام استغلال المقومات

ويتضح أنه على الرغم من توفّر الإمكانات، والطاقات، والثروات الطبيعية، والموقع الاستراتيجي للمنطقة العربية، والعديد من الاتفاقيات، والمداخل التكاملية فإن تجربة التكامل الاقتصادي العربي لم تستطع تحقيق إنجاز المأمول منها في هذا المجال ، بسبب وجود عديد من المعوقات، من أهمها عدم توفّر الإرادة ، وتفاوت درجات النمو الاقتصادي، وتباين الأنظمة والتشريعات الاقتصادية القائمة، وعدم كفاءة الهياكل الأساسية للبنية التحتية العربية، وخاصة شبكة النقل والمواصلات، وضعف آليات التنفيذ اللازمة للاتفاقيات العربية، وتناقض خطط التنمية العربية، وأساليب تنفيذها، وسيادة نمط إنتاج الصناعات الاستخراجية، والتبعية الاقتصادية للأسواق الأجنبية .

وعليه أمام هذا الوضع نقول ان المقومات الأساسية لقيام التكامل الاقتصادي موجودة في الوطن العربي لكن العراقيل تقف كحجر عثرة في سبيل إيجاد بنية ملائمة لعملية التنمية الشاملة ، وبالتالي من الضروري العمل بشكل مشترك لتحييد أو تقليل نسبة تأثير هذه العراقيل ، بغية تفعيل العملية التكاملية في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

الجزائر تدعو الى الابتعاد والتخلي عن المقاربات التقليدية لتحقيق النهضة

لم يبق مجال في العصر الذي نعيشه للتشتت و التفرد، فقد اجتمعت أمم تباعدت في اللغة و العقيدة و الأعراف، و أصبحت تشكل تجمعات اقتصادية لها وزنها في النظام العالمي الجديد. و إذا كانت الدول الأكثر تقدما قد تكاملت بين بعضها و شكلّت تكتّلات كبيرة تتحكّم في مصير أغلب شعوب المعمورة، فإنه من الواجب أن تستفيق الدول العربية التي تشترك في مقوّمات حضارية واحدة كاللغة و العقيدة و الحدود و المصير المشترك، فضلا عن إمكانيات هذه الدول المادية و البشرية لأن تكاملها الاقتصادي أصبح في هذا الوقت ضرورة حضارية، و مصلحة اقتصادية لمواجهة التحدّيات المستقبلية و خاصة في الجانب الاقتصادي منها والواقع. ما يستدعي أن يكون هناك تدرج ومرحلية إلى ان يتم تحقيق العملية التكاملية على شاكلة الاتحاد الاروبي الذي مرّ بمراحل عديدة في طريقه نحو الوحدة والتكتل واعتمد على المرحلية والتدريج.

وبالعودة الى كلمة وزير الخارجية رمضان لعمامرة التي دعت الى التخلي عن المقاربات التقليدية وتثمين المقومات لتحقيق النهضة ،نجد ان الجزائر تدرك بأن العمل ككتلة موحّدة ومتجانسة بات ضرورة وحتمية لمواجهة التغيرات العالمية الجديدة حتى تتموقع الدول العربية في مكان متميز وككتلة تفاوضية قوية مقابل التكتلات العالمية وفقا لقاعدة الند بالند ، وبهدف تحقيق المكاسب والمصالح المشتركة واذا حققت ذلك نقول عندها فقط ان العملاق النائم استيقظ من سباته الذي استمر لقرون.

فايزة سايح

زر الذهاب إلى الأعلى