بيان أول نوفمبر1954…مرجعية تتوارثها الأجيال: نوفمبر 2022 …تحديات.. احتفالات وقمة عربية

“إننا نقدم للوطن أنْفَس ما نملك..”.، بهذه الكلمات اختتم بيان أول نوفمبر 1954، كلمات كانت بمثابة رسالة ونداء لجيل ذاك الزمن ووصيّة وتعهّد تتوارثها الأجيال اللاحقة ، بيان أول نوفمبر ، كان أول نداء للشعب الجزائري والوثیقة الأولى التي أعلنت عن اندلاع الثورة ضد الاحتلال الغاشم ، لقد كان مشبعا بروح الحرية، روح التضحية من أجل الارض والعرض والوطن .

يحمل بيان أول نوفمبر أھمیة تاریخیة باعتباره أول من عرّف بثورة التحرير الجزائرية، ودعا الى الاصطفاف للتركيز على الھدف الأساسي وھو الاستقلال الوطني، فكان بحق قاعدة مرجعیة بالنسبة للثورة وبناء دولة الجزائر المستقلة، هذا البيان یعتبر دستور الثورة الذي وجّه ووحّد الجزائریین على مبدأ الاستقلال والحریة وبناء الدولة الجزائریة العصریة في إطار المبادئ ، كما یعتبر مكمل للأھداف التي كانت ترمي إلیھا مسیرة الحركة الوطنیة.

التحديات نفسها.. والمصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات

ورغم أن عجلة الزمن تدور ، والأيام والسنين تتوالى الا أن التحديات تكاد تكون نفسها ، فما أشبه تحديات اليوم بتحديات الأمس، بيان أول نوفمبر هو الوثيقة المرجع والمنهج التي صادق عليها القادة التاريخيون الستة يوم 23 أكتوبر 1954 بمنطقة الرايس حميدو بالجزائر العاصمة, أكدت على ضرورة “التطهير السياسي .. والقضاء على جميع مخلفات الفساد التي كانت عاملا هاما في تخلّفنا الحالي إلى جانب تجميع وتنظيم جميع الطاقات السليمة لدى الشعب الجزائري”. وأوضح البيان أن الحركة التحررية التي تبناها الشعب الجزائري قد وضعت “المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات التافهة والمغلوطة لقضية الأشخاص ” وشدد على أن “الكفاح سيكون طويلا ولكن النصر محقق”.

بيان أول نوفمبر ..مرجعية وميثاق

يعدّ بيان أول نوفمبر رغم قصره أرضية صالحة لبناء الدولة الجزائرية الحديثة ولم يكن بيانا عسكري النزعة داعيا للعنف بقدر ما كان برنامج مجتمع ووثيقة تأسيسية للجزائر ككيان حضاري وكشعب عريق بحيث لم يكن إعطاؤه إشارة انطلاق الكفاح المسلح غاية في حد ذاتها, بل كان وسيلة لبلوغ غاية الاستقلال والحرية بعدما سدّ الاستعمار الفرنسي الغاشم السبل الأخرى لاسترجاع السيادة الوطنية. وبالفعل فإن كانت ثورة التحرير الوطني ثورة شعب واجه آلة استدمارية تمعن في الإبادة والقتل والهمجية، وبصبر غير محدود وصمود غير مسبوق أسال العرق البارد لجلاد غاشم، وقف الشعب الجزائري في وجه عمليات القمع والاعتقال وقاعات التعذيب والسجن وأساليب التجويع والقهر ، واحتضن هذا الشعب أعظم ثورة شهدتها الإنسانية.

احتفالات بالذكرى …وترسيخ لمبادى الوحدة

وستحتفل الجزائر بهذا اليوم العزيز من خلال إعداد برنامج ثري على المستوى الوطني تشارك فيه جميع القطاعات الوزارية والسلطات المحلية والمجتمع المدني بكل مكوّناته, ترسيخا لمبادئ الوحدة والتلاحم التي استلهمها الشعب الجزائري من مبادئ أول نوفمبر, الذي أكد اجتماع مجلس الوزراء الأخير أن الهدف من إحياء هذه الذكرى الغالية هو “غرس أبعاد التضحيات في النشء” فأمر رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون الحكومةَ بإعطاء هذه الاحتفالات “الأهمية الخاصة لتكون في مستوى ما تعيشه الجزائر من ديناميكية على جميع الأصعدة”.

روح نوفمبر تحلّق في السماء العربية

نوفمبر هذا العام جاء مختلف عن سابقيه،حين تلوّن هذا العام بألوان رايات الدول العربية ليكون مصدر إلهام لكل العرب بمناسبة التئام القمة العربية فوق هذه الارض المباركة .

ومن 1954الى 2022 وبعد 68 عاما ، تعاود الجزائر اختيار تاريخ الفاتح من نوفمبر ليكون هذه المرة تاريخ يعانق البلدان العربية وسط آمال في لمّ الشمل وتوحيد الصف ووسط توقعات بقمة استثنائية ذات مخرجات توافقية .

ستنعقد القمة العربية في شهر الثورة والآمال معقودة على “إعادة بناء العمل العربي المشترك وترسيخ القيّم المشتركة والتضامن العربي، مع منح الطابع المركزي للقضية الفلسطينية وتحيين مبادرة السلام العربية لسنة 2002”. وفي خضم وضع دولي تسوده الحرب الروسية الاوكرانية وتطغى عليه أزمان النفط والغذاء ، تعمل الجزائر في قمة العرب على ايجاد حلول سلمية لأزمات اليمن وليبيا وسوريا والسودان والصومال ، وهي أزمات جنحت إلى النزاع المسلح .

ان انعقاد القمة العربية في هذا الوقت الحساس والاستثنائي على الصعيد الإقليمي والدولي يعدّ في حد ذاته انجازا كبيرا يذكر أن حرص الجزائر على انعقاد القمة ظهر بشكل جلي منذ مطلع شهر سبتمبر الماضي، حين سلّمت لكل الدول العربية دعوات المشاركة ووضعهم أمام مسؤوليتهم التاريخية ونشرت في وثيقة رسمية حول القمة، أنه “في ظل الظروف الدولية والإقليمية الدقيقة والأحداث الحساسة، تضع وحدة الصف ولم الشمل ونبذ الفرقة وتغليب التوافق والائتلاف على التنافر والاختلاف، “عنوانا وهدفا أسمى” للموعد العربي على أمل أن يُلهم شهر نوفمبر الفخر والذخر ، نوفمبر العزة ، قادة الدول العربية للتوافق والاتفاق والوحدة في القمة العربية.

فايزة سايح

قراءة لمضمون ما جاء في بيان أول نوفمبر 1954 ….في سطور

أمّا مضمون البيان فقد ركّز على الحالة العامة للشعب الجزائري والتشخيص الدقيق للظروف المأساوية التي أنتجها الاستعمار الاستيطاني:
– توضيح طبيعة الثورة وأهدافها وسُبل نجاحها، وعدم فصلها عن المصير المشترك لدول المغرب العربي، مع التنبيه إلى صعوبة المهمة وضرورة العمل بالأسباب ليكون النصر قريبا بإذن الله تعالى.
– ضرورة المزاوجة بين الكفاح المسلّح والنضال السياسي لتحقيق الأهداف وفق معايير وشروط واضحة تضمن حقوق الجزائريين في بلادهم.
– التأكيد على أنّ الثورة من الشعب وإلى الشعب، ولابدّ من إرجاعها إلى حضنها الطبيعي حتى تُؤتي أُكلها، لأن الشعب إذا آمن بفكرة الثورة واقتنع بأهدافها فإنه لا يتخلّى عنها، بل يسير بكل ما أُوتي من قوة نحو تحقيق الهدف المنشود.
– كسب التأييد من الرأي العام العالمي والعربي وكل من ساند فكرة التحرّر للشعوب المستعمرة، وكلّ هذا لابدّ أن ترافقه الوسائل الإعلامية المختلفة والمُتاحة لتلعب دورا أساسيا في تشر وإنجاح المهمّة.
زر الذهاب إلى الأعلى