وسط تحدّيات إقليمية ودولية جسيمة: روح “ثورة نوفمبر” تُرفْرِف على العواصم العربية

“نوفمبر الثورة “، “نوفمبر الاعتزاز” ، في ذكرى الـ 68 لاندلاع الثورة التحريرية المباركة ارتأت الجزائر أن يكون عيدها هذا العام محطة عربية فارقة ومفصلية في تاريخ العمل العربي المشترك، جزائر الشهداء تزيّنت شوارعها هذه المرة بأعلام كافة الدول العربية إلى جانب العلم الوطني ليكون “نوفمبر الجزائر” عربيا بامتياز ، بالتزامن مع انعقاد الدورة 31 للقمة العربية، التي تلتئم على وقع تحديات إقليمية ودولية، ووسط آمال بمخرجات استثنائية، تجعل كافة الأطراف أمام مسؤولية تاريخية تستلزم تذويب الخلافات وتعزيز التعاون بغية الوصول إلى العمل المشترك الذي لم يكن على امتداد تاريخ كل القمم العربية سلكا او معبدا بالورود ..

ان الجزائر المدفوعة بتاريخها النضالي وتضحياتنا الجسيمة من أجل الانعتاق من قيود الاحتلال، هيّأت كافة الشروط اللازمة من أجل إنجاح القمة العربية المأمول منها أن تكون استثنائية، خاصة وأنها تنعقد بعد سنتين من التأجيل. بهدف إعادة بناء العمل العربي المشترك وترسيخ القيّم المشتركة والتضامن العربي، مع إعادة الزخم والأولوية الطابع المركزي للقضية الفلسطينية، و رغم اعتذار عدد من الزعماء العرب عن حضور القمة العربية، الا أن الحضور يبقى غير مسبوق، ووسط تغطية إعلامية واسعة، وبحضور ضيوف شرف يتقدّمهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

المزاوجة بين تاريخ الثورة والقمة العربية .. عبق التاريخ وحتمية الحاضر

لم يكن قرار الجزائر بعقد القمة العربية بالتزامن مع تاريخ الثورة التحريرية المجيدة، قرارا اعتباطيا بالنظر للرمزية التي يمثّلها هذا التاريخ في المخيال الجماعي للشعب الجزائري وحتى لدى الشعوب العربية. التاريخ يحمل في طياته اعترافا من أرض الشهداء بأن الدول العربية كانت حضن الثورة الدافى، فيوما ما كانت الأقطار العربية تتداعى لثورتنا المباركة كما يتداعى الجسد اذا مرض أحد أعضائه بالسهر والحمى..

شعوب بأكملها تنام وتستيقظ على صوت إذاعة العرب، حينها كان الوجدان العربي في أعلى مستوياته، بما يعكس قيّم النضال المشترك والتفاف عربي غير مسبوق حول قيّم الحرية والتضحية التي تبناها الشعب الجزائري بدمه وروحه من أجل التحرّر والانعتاق.

إن أرض الشهداء وفيّة لمبادئ ثورتها المباركة التي تستند إلى بيان أول نوفمبر، الذي يعد مرجعية لكل الأجيال المتلاحقة وهو الذي أكّد على مبدأ التضامن التحرري والوحدة في العمل، والتأكيد على أصالة الشعب الجزائري وانتمائه الحضاري،

إن ثورة نوفمبر حوّلت الشعب الجزائري الذي أثقل كاهله المستدمر الغاشم لأزيد من قرن من الزمن، إلى قوة لا تقهر، تجاوزت الانقسامات ووحدت الطاقات النضالية و حوّلت تجربتها الاستعمارية المريرة والأليمة إلى نموذج تحرري قَلّ نظيره في كل العالم. وكان وزراء الخارجية العرب قد تبنوا, خلال الدورة العادية للمجلس الوزاري المنعقدة في التاسع من مارس الفارط, قرار الرئيس تبون بعقد القمة العربية المقبلة يومي الفاتح والثاني من نوفمبر القادم ، تزامنا مع الذكرى الـ 68 لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة. ليكون هذا الموعد “فرصة للاحتفال مع الشعب الجزائري بأمجاد هذه الأمة والاستلهام من همّتها في بلورة رؤية مستقبلية لتحقيق نهضة عربية شاملة”.

عبق التجربة الجزائرية قد يبعث إلهاما في قادة الدول العربية لايجاد حلول لأزمات راهنة انهكت كاهل عديد البلدان العربية وأضرت بشعوبها من يجعل العرب أمام حتمية تاريخية لحلها.

ملفات على الطاولة وأزمات عربية تنتظر الحل

اتّجهت للأسف، عدة أزمات في المنطقة العربية نحو النزاع المسلح ، على غرار أزمات اليمن وليبيا وسوريا والسودان والصومال ، وكان من نتائجها خسائر مدمّرة ومهلكة، لذا تسعى قمة الجزائر إلى مخرجات تعود بالنفع أو حلحلة ولو جزئية لهذه الأزمات، بما يتيح إمكانية إعادة السلم والأمن إلى هذه البلدان والنأي عن الخلافات والتنازع الذي تكون نتائجه وخيمة تصل الى تدمير مقدرات دول بأكملها وتشتيت شعبها، ومن هنا تراهن الجزائر على استراتيجية تقريب وجهات النظر وتجسير الهوة بين مختلف الآراء المتضاربة وتقريب وجهات النظر بالاعتماد على القواسم المشتركة التي تجمع أكثر مما تفرق لإعادة ترتيب البيت الداخلي. وفي هذا السياق وسواء تعلق الأمر بالوحدة بين الدول العربية أو داخلها, تتمسك الجزائر دوما بمبدأ الجمع بين الإخوة الفرقاء وهي الرؤية نفسها التي تظهر بشكل جليّ في مساعيها عدد من القضايا من بينها حلحلة الملف الليبي .

وبالتالي مما سبق يتّضح أن المنطقة العربية يسودها التشتّت والتلملم ، ومع هذا الوضع حركت الجزائر كل ترسانتها الدبلوماسية وامكانياتها لانجاح قمة العرب, في “بادرة لتأمين وحدة عمل عربي فعال في مواجهة التحديات الداخلية” .

القضية الفلسطينية …إخراج من الدُرج إلى الواجهة

تسعى الجزائر إلى إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الملفات العربية بعدما تعرضت في العقود القليلة الماضية إلى” التحييد ” وضعف الحضور في القمم السابقة، وعليه من المرتقب أن يهيمن هذا الملف على القمة العربية وستأخذ حصة الأسد خلال المناقشات وهذا بهدف توحيد الموقف العربي حول القضية الفلسطينية”.ان طموحات الجزائر نحو وحدة الكلمة ولم الشمل العربي سبقته خطوات دبلوماسية نحو لم الشمل الفلسطيني الذي يعد عنصرا مهما في نجاح القمة، وتمكنت بفضل حنكتها الدبلوماسية من جمع مختلف الفصائل الفلسطينية على طاولة واحدة ، بعد 15 عاما من الانقسام. يشار الى أنه للدبلوماسية الجزائرية تاريخ طويل من الانجازات أكسبها احتراما إقليمي ودولي.

متغيرات دولية حاسمة

يجمع مختلف الخبراء بأن القمة العربية التي ستحتضنها الجزائر ستلتئم على وقع متغيرات دولية متسارعة، خاصة مع تفاعل الأزمة الروسية الأوكرانية وتزايد فصولها، وسط ترجيحات بأن تداعياتها ستكون واسعة، الى جانب قضايا أمن الغذاء والطاقة يضاف إلى هذا تزايد التكتلات الدولية…كل هذه المتغيرات تجعل العرب أمام لحظة تاريخية مفصلية تستدعي وقوفهم كتلة موحدة تكسبهم قوة تفاوضية وفق قاعدة الند بالند أساسها المكاسب المشتركة مع كل الأطراف الخارجية ، بغية تحقيق أهداف آنية عاجلة وأخرى آجله.

العرب أمام لحظات زمنية فارقة

وعليه نقول أن الجزائر وهي تحتفل بذكرى الفاتح من نوفمبر المباركة و برصيدها النضالي والتاريخي ودبلوماسيتها الرصينة التي تسعى لوأد الخلافات والتي تستند الى مبادى ثورتها المباركة أدّت كل ما عليها والتزمت بواجبها نحو محيطها الإقليمي والعربي و قدّمت فرصة تاريخية للدول العربية التي تمتلك مقومات هائلة بغية التعامل بكل جدية وايجاد تسوية وحلول لملفات وأزمات انهكت الشعوب العربية .

ان اخفاقات الجامعة العربية في عدم تحقيق أهدافها ظاهرة للعيان ولا يمكن اخفاؤها على امتداد تاريخها الذي يعود إلى أعقاب الحرب العالمية الثانية ، الا ان قمة الجزائر في ذكرى ثورتها المجيدة قد تكون ذلك المنعرج الحاسم الذي سيسمح بإعطاء فعالية للعمل العربي المشترك وبعث “روح نوفمبر” المباركة في الجسد العربي المنهك في مرحلة زمنية فارقة.

فائزة سايح

زر الذهاب إلى الأعلى