ما فرّقته السياسة تجمعه الرياضة… الدبلوماسية الرياضية ..”القوة الناعمة” في التقريب بين الشعوب

مونديال قطر ينطلق بحضور رئيس الجمهورية

بعد ساعات قليلة تعطى اشارة الانطلاق لمونديال قطر، ويراهن الكثيرون بأنه سيكون أفضل نسخة على الإطلاق في تاريخ الرياضة الأكثر شعبية في العالم، وبحضور رؤساء وزعماء الدول من بينهم رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون وعشرات الفرق من كل مناطق المعمورة، لتصبح قطر من خلال المونديال محط أنظار كل شعوب العالم، ليس فقط عشاق الكرة المستديرة بل كل عشاق الرياضة ومتابعيها ، ومن هنا ندرك أن الرياضة أضحت من بين الأدوات الممتعة في التقريب بين الأفراد وحتى بين الشعوب وتقرب المسافات بين الدول. بل تتحوّل الرياضة من هذا المنطلق إلى أداة ربط وتواصل بين أفراد ومجتمعات ودول بأكملها حتى بين تلك التي كان يسيطر عليها الخصومات والنزاعات …

فائزة سايح

توجّه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى قطر لحضور حفل افتتاح كأس العالم 2022 المقرر هذا الأحد بالدوحة، وذلك بدعوة من الشيخ تميم بن حمد أل ثاني، أمير دولة قطر .

القمة العربية أعلنت دعم قطر

وقبيل انطلاق هذا العرس المونديالي على أرض عربية، استبقت القمة العربية الحدث من خلال تأكيد “إعلان الجزائر” الصادر عن البيان الختامي لاجتماع القمة الـ31 مساندة دولة قطر لاحتضان نهائيات كأس العالم ” قطر 2022″، والثقة التامة في قدرتها على تنظيم “نسخة متميزة” لهذه البطولة. وشدد الإعلان، على رفضه المطلق “لحملات التشويه والتشكيك المغرضة” التي تتعرض لها قطر مستضيفة كأس العالم المقرر بين 20 نوفمبرو18 ديسمبر.

ومن المرتقب أن ينطلق اليوم مونديال قطر 2022 ليكون أول مونديال كروي يقام بمنطقة الشرق الأوسط والعالم العربي، وعلى مدى 29 يومًا، ستشهد البطولة 64 مباراة، على أن يسدل الستار على المنافسات في 18 ديسمبر المقبل، تزامنًا مع اليوم الوطني لدولة قطر في ملعب (لوسيل) ، وستعرف المشاركة حضورا جماهيريا كبيرا من مختلف مناطق العالم، كما ستحظى بتغطية إعلامية واسعة، ليتحوّل هذا العرس المونديالي إلى سانحة لجمع جماهير وشعوب المعمورة كما لم تجمعهم أية قمة سياسية دولية من قبل .

ما فرقته السياسة تجمعه الرياضة

يقال ان السياسة تفرق بين الأفراد حتى في الدول الواحدة وطبيعة الحال تفرّق وتخلق الصراعات بين دول العالم، ولكن ما فرقته السياسة جمعته الرياضة في كثير من الأحيان.

غالبا نجد ان أناس من قارات العالم المختلفة ومهما اختلفت أعراقهم ودياناتهم وألوانهم وحتى ألسنتهم ولغاتهم يشتركون في حب و دعم ومساندة فريق واحد إنّما يدلّ هذا على أن الرياضة لغة واحدة تتجاوز الحدود والأعراق وكل الحواجز . ومن خلالها يمكن تجاوز العديد من العقبات في التقريب بين الشعوب، وتشجيع الصداقات بين البشر على اختلاف مشاربهم.

واذا كانت الرياضة تتيح للفرد تحسين صحته فهي تتيح للمجتمعات والدول بتحسين علاقتها، وإذا كانت أيضا الرياضة تساهم بانتظام في الحد من التوتر عند الفرد من خلال إطلاق الإندورفين، فهي تحدّ من النزاعات وتقلّل من حدة التوتر بين الدول من خلال التعايش التي يحدث بين الرياضيين خلال التظاهرات الرياضية .

الدبلوماسية الرياضية….القوة الناعمة

تزايد استخدام مفهوم الدبلوماسية الرياضية خلال العشريتين من الزمن ليصبح مفهوما متداولا كآلية من آليات تنفيذ السياسة الخارجية إلى جانب وسائل وأدوات أخرى مثل الدبلوماسية الاقتصادية، وأصبحت من أنجع الوسائل لبناء علاقات طويلة الأمد بين الشعوب.

إن مقدرة الرياضة على تجاوز الحدود والمشكلات تجعلها بمثابة ” دبلوماسية غير رسمية ” تجاور وتدعم الدبلوماسية الرسمية للدول وتساهم في تحقيق أهدافها بطرق سلمية وناعمة، لذا اصطلح عليها مفهوم” القوة الناعمة ” .

لقد أصبح هناك قدر من الاتفاق على أن الرياضة أصبحت وسيلة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية للدول وبناء قوتها الناعمة، لذلك فإن تحليل الأحداث الرياضية أصبح يؤثر علي مواقف الشعوب ويكشف مشاعرها واتجاهاتها اتجاه دول أخرى، وهو ما يمكن بكون بمثابة أن يوضح لكل دولة الفرص التي يمكن أن تستغلها لبناء علاقاتها بين الدول من أجل التنمية والسلام، والتغلب على الخلافات بين الشعوب وخلق فرص للتعاون بينها.

فريق جبهة لتحرير الوطني ..الرياضة في مواجهة الاستعمار

لطالما أبانت الرياضة عموما و كرة القدم خصوصا، على اعتبار أنها تقود قاطرة الرياضات الشعبية، عن دورها في حشد الجماهير وراء قضايا عامة ومحورية، فقد توهَّج دور كرة القدم في النضال الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي حين تسلَّحت الثورة الجزائرية بالكرة، “رشيد مخلوفي” ابن مدينة سطيف إحدى أبرز المواهب الصاعدة في فرنسا وأوروبا حينذاك، وكان من المفترض أن يقود الهجوم الفرنسي في كأس العالم 1958 وعُمره 22 عاما فقط، بيد أن مخلوفي قرَّر الالتحاق بالثورة مُضَحيا بمستقبله الكروي في أوروبا قائلا “لم أتردد لحظة واحدة في تلبية النداء، فلم يكُن أغلب الفرنسيين على علم بما يجري في الجزائر، ولكن بعدما التحقنا بجبهة التحرير تبيَّنت لهم الحقيقة”.

وقد تصدر فريق جبهة التحرير الصحف الفرنسية والعالمية، “منتخب الثوار” ورغم الضغط الفرنسي تمكّن من التعريف بالقضية الوطنية وحق الشعب الجزائري في تقرير المصير . فلم يكن مجرد فريق كرة قدم، بل كان جزءا من قضية سياسية عالمية في خضم موجة مكافحة الاستعمار الكاسحة في ذلك الوقت، ففي فيتنام مثلا، استقبل رئيس فيتنام الشمالية “هو تشي مِنه” طاقم الفريق الجزائري، وهو أشهر قادة الثورة الفيتنامية ضد الاستعمار الفرنسي، وكذلك جرى استقبال الفريق في الصين تحت حُكم الحزب الشيوعي من جانب رئيس الوزراء “شو إن لاي”. رُفع العلم الجزائري وعُزف النشيد الوطني “قَسَمًا” للمرة الأولى في افتتاحية مباراة فريق جبهة التحرير مع المنتخب العراقي ببغداد سنة 1959، وفاز حينها الفريق الجزائري بثلاثة أهداف لصِفر.

ولم يكتفِ فريق جبهة التحرير بإيصال رسالته الثورية للعالم فحسب، بل أكَّد أيضا لعب كرة قدم جميلة وممتعة. وزاد في الوقت ذاته من شعبية الفريق عالميا ومن تعاطف شعوب كثيرة مع القضية الجزائرية. قال “رشيد مخلوفي” واصفا سنوات اللعب باسم فريق جبهة التحرير “كنا نُكمِّل بعضنا بعضا، لكنَّ عاملا واحدا كنا نتشارك فيه جميعنا الوطنية المُتجذِّرة فينا، وحبُّنا اللا مشروط لوطننا الجزائر”.

..الرياضة كافحت الابرتايد ووحدت البرازيل وساحل العاج

وهناك الكثير من الأحداث التي توضّح أن الدبلوماسية الرياضية يمكن أن تحقّق أهدافا لحركات التحرر الوطني، والشعوب التي تكافح للحصول على حقوقها، فلقد شكل استبعاد الفيفا لجنوب أفريقيا عام 1961 انتصارا لحركة الكفاح ضد التفرقة العنصرية، حيث ظلت جنوب أفريقيا مستبعدة من المشاركة في مباريات كرة القدم الدولية من عام 1961 حتى عام 1992، وقد اضطر النظام العنصري إلى إجراء إصلاحات لتصوير نفسه بأنه تخلى عن العنصرية لكي يتمكن من إنهاء عزلته والعودة للمشاركة في المباريات العالمية.

وتعتبر تلك أهم الأمثلة على نجاح الدبلوماسية الرياضية، واستخدامها لتحقيق أهداف طويلة الأمد، فشعب جنوب أفريقيا يذكر الفضل للشعوب التي ساندته في كفاحه، وعملت على عزل النظام العنصري. كما لعبت الرياضة أدوارا بارزة في تشكيل الهويات الوطنية وتوحيد الشعوب في لحظات التمزُّق أو الانحدار السياسي والاجتماعي.

على سبيل المثال، لعب المنتخب البرازيلي في خمسينيات وستينيات القرن العشرين (التي حصل فيها على ثلاث كؤوس عالم أعوام 1958 و1962 و1970) دورا كبيرا في تعزيز الهوية الوطنية وتوحيد الطبقات الغنية والفقيرة، والبيضاء والسمراء، داخل المجتمع البرازيلي. وفي ساحل العاج، وبعد سنوات من الحرب الأهلية، وجَّه النجم الإيفواري “ديديه دروغبا” بعد مباراة تأهُّل بلاده لكأس العالم 2006 رسالة إلى الطبقة السياسية في البلاد، مُطالبا فيها بوقف إطلاق النار وانتهاج الحلول السلمية، قائلا: “لقد أثبتنا اليوم أن كلَّ الإيفواريين قادرون على التعايش واللعب معا، رجاء دعونا نُلقِ الأسلحة ونُنظِّم انتخابات جامعة ونزيهة”.

على صعيد الكرة العربية، أدَّى فوز المنتخب العراقي بكأس آسيا عام 2007 إلى لمِّ شمل العراقيين، ولو لمدّة بسيطة، الذين مزَّق صفوفَهم الاقتتال الأهلي في أعقاب الغزو الأميركي عام 2003، ومن ثمَّ احتفلوا معا بفوز منتخبهم في لحظة اتحاد وطني نادرة، ولو لوهلة قصيرة.

*ان الرياضة بهذا المنظور، الى جانب كونها نشاط صحي للفرد أصبحت وسيلة صحية يمكن استخدمها بكل مرونة في اسماع صوت قضية عادلة أو في ايجاد علاقات أقوى بين الشعوب، وحتى بين الدول من أجل التنمية والسلام، والتغلّب على الخلافات بين الشعوب وخلق فرص للتعاون بينها. بل قد تستخدم أيضا في بناء شراكات مع دول أخرى، وزيادة العلاقات التجارية معها، والمساعدة على تطوير اقتصادها ..ومن خلال الدبلوماسية الرياضية يمكنها تحقيق عدد من الأهداف لم تكن متاحة بوسائل واليات أخرى .

فائزة سايح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى