لماذا من مصلحة الجزائر رد إيراني موجع للأمريكان

 

بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران رأى الكثير من المحللين العسكريين الغربيين أن باب الحرب على طهران قد فتح على مصراعيه و أن ضربة إسرائيلية أمريكية لا تعارضها السعودية هي أمر وشيك، خاصة مع اصطفاف عربي مريب خلف المصلحة الإسرائيلية التي تحولت إلى مصلحة عربية هي الأخرى فهل هي مصلحة جزائرية؟

إن المعطيات المذهبية و الدينية قد لا تتفق مع المعطيات الأمنية و العسكرية و الاستراتيجية، فالمسألة هنا لا ترتبط بالمذهبين السني و الشيعي و لا بالقومية العربية و لا بالأمن العربي، فالأمر كله مرتبط بأي سلاح تقاتل و من هو موردك الرئيسي لأسلحتك الاستراتيجية؟ و في حرب محتملة تشنها أمريكا مع إيران سترد إيران باسلحة دفاع جوي روسية و بصواريخ أرض بحر و بحر- بحر روسية و صينية و إيرانية الصنع و هي في الأساس أسلحة مصنعة على الأصل الروسي أو الصيني.

و الجزائر تستعمل الكثير من أنظمة الدفاع الجوي و البحري التي لدى إيران، صحيح أن لدى إيران نظام S 300 و لدى الجزائر نظام S 400 الأكثر تطورا لكن و بالنظر إلى انتشار القوات الأمريكية عن طريق حاملات طائراتها و طائراتها الأخرى في دول الخليج التي لا تبعد إلا بمائة أو مائتي كلم بحري عن البر الإيراني فهذا يعني أنها في مرمى نظام الدفاع الدوي الإيراني الروسي الصنع.

و بالنسبة لمعركة في مضيق هرمز فإن المسافة بين ضفتيه لا تتعدى 95 كلم أي أن كل قطعة بحرية هي في مرمى الصواريخ التي باعتها روسيا لإيران أو صنعتها إيران بخبرة أو بموافقة روسية أو صنعتها بنفسها، و في حال فشل الرد الإيراني أو حصول نصر أمريكي ماحق، فإن الضرر الاستراتيجي سيلحق بالجزائر و الهند على وجه الخصوص، كما أن الصين ستتأثر كثيرا.
لذا وجب علينا السؤال أين هي روسيا؟ و أين هو بوتين؟ و السبب في طرح السؤال هو تكرار تخلي روسيا عن حلفائها في أحلك الظروف و عندما يحتاجون إليها على خلاف الاتحاد السفياتي السابق، فقد رفض بوتين بعد ضغط إسرائيلي هائل بيع إيران أنظمة الدفاع الجوي S 400 .

صحيح أن روسيا تبيع السلاح لحلفائها بتقنيات و أسعار تفضيلية لكنها لم تقف مع سوريا لصد أغلب الضربات الجوية الإسرائيلية و هي قادرة على مساعدتها بكل سهولة، لذا فإن عدم مساعدة إيران و لو لتحقيق التعادل من شأنه وضع مصداقية روسيا و الرئيس بوتين على المحك، لماذا؟

لأن نجاح أمريكا و إسرائيل و حلفاءهما العرب في ضربة عسكرية من دون رد إيراني فعال بأسلحة روسية لط سيحول روسيا إلى مجرد قوة إقليمية لا عالمية على حد قول الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

كما سيجعل حلفاءها في وضع حرج على مستويات عدة من بينها الجزائر التي تحتاج إلى نصر إيراني أو رد فعل عسكري مشرف بالسلاح الروسي كي تردع استراتيجيا جهات متوسطية و إقليمية تريد إيذاء الجزائر.

كما أن دولا كالهند و الصين و فيتنام ستصبح في موقف لا تحسد عليه بسبب نجاح الطرف الأمريكي في فرض قوانين اللعبة و الضغط العسكري على حد سواء، لأنها دول ترتكز عسكريا على روسيا بشكل خاص ما يعني أن على بوتين التفكير أكثر من مرة عندما يحاول إقناعه الإسرائيليون أن ضرب إيران من مصلحة روسيا و ينسى أن حلفاءه الآخرين قد لا يوافقون إيران على ما تفعله في المنطقة لكنهم سينكشفون بشكل خطير في حال نجاح تام للضربة الأمريكية الإسرائيلية العربية على إيران.

إن أفضل سيناريو هو رد إيراني موجع لا يردع المهاجمين و حسب بل يؤكد الواقع العسكري و الاستراتيجي الحالي إذ لا مصلحة للجزائر و الصين و الهند في نصر إسرائيلي أمريكي ماحق على إيران، لأن الكثير من وسائل الدفاع الإيرانية روسية و تشبه كثيرا ما تملكه هذه الدول و إذا ما عجزت إيران عن الرد أو الصد الموجع سيكون بوتين قد تخلى عن دول صديقة لروسيا كالجزائر، و يالها من آثار استراتيجية فظيعة…

إن أهم انقسام عربي هو هذا الانقسام لأن المصالح الأمنية غير متشابهة و هي مرتبطة بالأمن الاستراتيجي لكل دولة بالإضافة إلى وحدتها الوطنية، و من أراد تبسيط الأمر على أنه صراع بين دول عربية سنية و دولة شيعية تريد القضاء عليهم فما عليه إلا مراجعة حساباته و عدم الوقوع في فخ أو حيلة التبسيط.

هيثم رباني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى