في الذكرى الثالثة/الدبلوماسية الجزائرية.. توجهات جديدة “ندية ورفض المنطقة الرمادية “

يقال ان السياسة الخارجية مرآة عاكسة، للسياسة الداخلية وما نشهده من حركية تعيشها الدبلوماسية الجزائرية في الآونة الأخيرة الا دليل على تعافي الوضع الداخلي هذه الأريحية دفعت الجزائر الى انتهاج استراتيجية جديدة في تناولها للقضايا الإقليمية والدولية وأماطت اللثام عن أدوار أكثر فاعلية، ولأن السياسة الخارجية يصنعها الرئيس بالدرجة الأول فقد ظهرت لمسات الرئيس تبون في ملف المصالحة الفلسطينية ومخرجات القمة العربية، وفي التعامل مع تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وإدارة ملف الطاقة والمعاملة بندية مع إسبانيا والتوجّه نحو العمق الافريقي …وغيرها من الملفات الاستراتيجية..

فايزة سايح

تحكم السياسة الخارجية الجزائرية عدّة مبادئ وأسس ترتكز على بيان أول نوفمبر وعلى مواثيق ودساتير الجمهورية هذه السياسة شهدت حركية غير مسبوقة نظير التغيّرات الإقليمية والدولية ولكن طريقة تعامل الجزائر مع هذه الأزمات جعلت من دبلوماسيتها الرصينة التي لها تاريخ طويل تعود إلى الواجهة ” وقد تطرقت شرشال نيوز الى الدبلوماسية الجزائرية في إعداد سابقة ” .

القمة العربية حين تقترن بنوفمبر الثورة

لم يكن اختيار الرئيس تبون لموعد الفاتح من نوفمبر تاريخا لعقد القمة العربية اعتباطيا، فالجزائر المدفوعة بتاريخها النضالي وتضحياتها، هيّأت كافة الشروط اللازمة من أجل إنجاح القمة العربية ووضعت العرب أمام مسؤولياتهم التاريخية خاصة وأنها انعقدت بعد ثلاث سنوات من التأجيل. وقد انهت القمة لمخرجات استثنائية لعدة ملفات عربية ومن ثمّ إعادة بناء العمل العربي المشترك وترسيخ القيّم المشتركة والتضامن العربي، مع إعادة الزخم والأولوية للطابع المركزي للقضية الفلسطينية، و رغم اعتذار عدد من الزعماء العرب عن حضور القمة العربية الا أن الحضور كان غير مسبوق ووسط تغطية إعلامية واسعة وبحضور ضيوف شرف تقدّمهم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

الرئيس تبون يُعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة

ثمّنت كل الأطراف الفلسطينية الدور الذي لعبه رئيس الجمهورية في لمّ الشمل الفلسطيني والدور الذي لعبه في إعطاء زخم للقضية الفلسطينية.

وتمكّنه من إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الملفات العربية بعدما تعرّضت في العقود القليلة الماضية إلى”التحييد” وضعف الحضور في القمم السابقة، وعليه هيمَن هذا الملف على القمّة العربية، وكانت الجزائر بفضل حنكتها الدبلوماسية قد استبقت القمة العربية بجمع مختلف الفصائل الفلسطينية على طاولة واحدة بعد 15 عاما من الانقسام. يشار الى أنه للدبلوماسية الجزائرية تاريخ طويل من الانجازات أكسبها احتراما إقليمي ودولي.
وكانت شرشال نيوز قد نشرت في الأعداد السابقة عدّة ملفات عن القمة العربية

حلحلة أزمات دول الجوار بطرق تعاونية

اتّجهت للأسف، عدّة أزمات في المنطقة خصوصا في الجوار الاقليمي الى النزاع المسلح مثل أزمات ليبيا ومالي وأعلنت الجزائر تحت قيادة رئيس الجمهورية عن عدة مبادرات ومساعي لحلّ تلك الأزمات بالطرق السلمية خصوصا وأنّ تلك الأزمات مثل أزمة الساحل كان لها انعكاسات مباشرة على الجزائر من خلال انتشار ظاهرة الهجرة غير الشّرعية إلى جانب تزايد مخاوف انتشار السلاح ووقوعها بين أيدي المجموعات الإرهابية، دفعت بالجزائر إلى مراقبة الحدود وتحصينها واعتماد مقاربة أمنية تنسجم مع رؤيتها في محاربة الظاهرة الإرهابية. بالتوازي مع ذلك فعلت الجزائر بشكل أكبر آلياتها الدبلوماسية بغية إعادة الاستقرار وإرساء السلام لهذه المنطقة، أما في الشأن الليبي فرئيس الجمهورية يدعو دوما الى الحلول الداخلية وتوحيد الصف ورفض التدخلات الأجنبية.

رسالة أخرى قدّمها الرئيس تبون حين أعلنت الجزائر أن”طرابلس خط أحمر”، وهو ما وضع النقاط على الحروف في ليبيا.

العيون على مقعد في مجلس الأمن

وكشفت تصريحات رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، بمناسبة الذكرى الستين لانضمام الجزائر إلى الأمم المتحدة في الأيام القليلة الماضية أن الدبلوماسية الجزائرية، انتقلت من الدبلوماسية الكلاسيكية إلى دبلوماسية الفعل والتأثير من خلال تجديد أساليب التعامل مع مختلف قضايا العالم، كما أكّد وزير الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، رمطان لعمامرة، من جهته، أن إنجاز الأهداف التي سطّرها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بدأت تتحقّق وفي مقدمتها القمة العربية واعدا بالانتقال إلى آفاق أرحب وأنجح في المستقبل القريب حيث ستكسب مقعدا في مجلس الأمن سنة 2024 بالإضافة إلى عدد من المراكز المهمة في الدبلوماسية المتعددة.

الندّية و”الخطوط الحمراء”

أطلق الرئيس عبد المجيد تبون في حملته الانتخابية التي سبقت وصوله لقصر المرادية، الالتزامات الـ54، والتي شملت نقاطا تخصّ الدبلوماسية، ومن ذلك “مراجعة الأهداف والمهام الكلاسيكية للدبلوماسية الجزائرية. فكان من الضروري أن تواجه الدبلوماسية التحدّيات والمخاطر الماثلة أمامها بلغة وأساليب عير مسبوقة من بينها رفضها القاطع للتطبيع مع الكيان الص.ه.ي.ون.ي، أين أعلن الرئيس تبون أن “الجزائر تعارض الهرولة نحو التطبيع”. وسبق ذلك الدور الجزائري واسع في الاتحاد الإفريقي لتعطيل مسعى الكيان الصهـ..ـ يوني للحصول على عضوية مراقب في القارة السمراء مدعوم في هذا المسعى من نظام المخزن. الذين انتهت معه العلاقات الى القطيعة .

حقوق الشعوب في تقرير المصير ..من ثوابت سياسة تبون الخارجية

أبرز تعامل الرئيس تبون مع مدريد عقب تخلي رئيس حكومتها عن الحياد في القضية الصحراوية ودعمه الفاضح للاحتلال المغربي، إصرار جزائري مستميت في الدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير فالغيت معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار، وألغيت الأسعار التفضيلية والنتيجة تفجر صراع داخلي في اسبانيا رفضا لتوجّهات الحكومة التي خرقت الشرعية الدولية مع فشله في إحداث اصطفاف أوروبي ضد الجزائر.

وبنفس النّدية ردّت الدبلوماسية الجزائرية على ماكرون الذي أساء للجزائر عمدا بالإساءة للأمة الجزائرية فتلقى الرد سريعا بسحب السفير الجزائري من باريس، ومنع تحليق الطائرات العسكرية الفرنسية فوق الأجواء الجزائرية، ولم تتراجع الجزائر عن خطوتها، حتى بدأ نزيل الاليزيه بترطيب الأجواء.

اندفاع نحو العمق أفريقيا

وما يحسب أيضا لتبون خلال العامين الماضيين، تكريسه لتوجّه اقتصادي لافت نحو إفريقيا عبر موريتانيا، وهو عمق اقتصادي أهملته الجزائر منذ عقود. إذ تبدي الجزائر اندفاعاً كبيراً نحو أفريقيا، وتعيد ترتيب علاقاتها الاقتصادية مع دول الجوار كموريتانيا وتونس وليبيا ومالي والنيجر.

وتمثّل إعادة فتح المعابر التجارية مع هذه الدول، والقوافل التجارية التي تسير باتجاهها محملة بالبضائع والمنتوجات الجزائرية، متنفساً مهماً للاقتصاد الجزائري وللمؤسسات المحلية التي طرح تبون خططاً لتشجيعها.

علاقات ودية

مقابل هذه النّدية في دفاع رئيس الجمهورية عن المصالح الوطنية حافظت الجزائر على علاقات الود والاحترام مع الدول الشقيقة والصديقة إضافة إلى القوى الكبرى في العالم امريكا والصين وروسيا.

إن عودة الدبلوماسية الجزائرية في الفترة الأخيرة، كرّسها التعافي السياسي الداخلي عقب انتخابات 12 ديسمبر التي تمخّض عنها انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا للجمهورية ومع هذا حافظت على طابعها التعاوني الذي يسعى الى الحلول السلمية في معالجتها للملفات الإقليمية والدولية.

فايزة سايح

زر الذهاب إلى الأعلى