النص الكامل لكلمة رئيس الجمهورية في أشغال قمة الإتحاد الأفريقي بأديس أبابا

السيد الرئيس،

سيداتي وسادتي،

تلكم هي الوضعية المؤسفة على حدودنا الشرقية والجنوبية. أما على الحدود الغربية للجزائر، لم تعرف مسألة الصحراء الغربية بعد طريقها إلى التسوية. فمنذ سنوات طوال، تعكف منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بدعم من منظمتنا القارية، على تطبيق مراحل خطة للتسوية المرسومة لقضية الصحراء الغربية المبنية على أساس حق الشعب الصحراوي غير القابل للتصرف في تقرير مصيره.

وإنه لمن المؤسف اليوم أن مسار السلام الأممي يسلك، منذ استقالة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، السيد هورست كوهلر، طريقا محفوفا بالعقبات. ولقد راسلت منذ أيام الأمين العام للأمم المتحدة لتشجيعه على التعجيل في تعيين مبعوثه الشخصي والشروع في إعادة إطلاق مسار تسوية مسألة الصحراء الغربية.

وفي هذا الإطار، يتوجب بذل جهود صادقة وبنية حسنة في سبيل البحث عن حل لقضية تصفية الاستعمار الوحيدة التي تبقى معلقة في افريقيا، حل يضمن حق الشعب الصحراوي الثابت في تقرير مصيره من خلال تنظيم استفتاء حر ونزيه بما يتماشى وقرارات الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة ذات الصلة، كما نعبر عن تمسكنا بصلابة وثبات الموقف الافريقي الداعم للقضية الصحراوية العادلة واستكمال مسار تصفية الاستعمار في افريقيا بعيدا عن أية مناورات تسويفية وعن سياسة الأمر الواقع.

في هذا الصدد، أريد أن أنوه بالانجازات الهامة وكذا المساهمة الفعالة للاتحاد الإفريقي في فض النزاعات وبناء السلام على المستوى القاري والإقليمي وتشييد منظومة أمن جماعي من خلال وضع الأطر المؤسساتية لآليات السلم والأمن بهدف دفع مسارات التسوية السلمية وإنهاء الأزمات.

وأود أن أُشيد أيضا بالخطوات الهامة التي حققتها قارتنا في مسار تحقيق الاندماج الإفريقي، لاسيما من خلال دخول اتفاقية التجارة الحرة حيز التنفيذ، ومواصلة تجسيد المشاريع الرامية إلى التكامل الإقليمي وتعزيز البنية التحتية المندرجة ضمن مبادرة الشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا.

بهذا الخصوص، تعتز الجزائر بكونها من الدول التي سبق لها وأن صادقت على معاهدة إنشاء منطقة التبادل الحر القارية، وهو الشيء الذي يؤكد إيمانها الراسخ بمفهوم التكامل القاري الذي تنخرط بـحزمٍ في مساره التنموي، ويتعين على بلداننا اليوم أن تترجم هذا الالتزام إلى واقع ملموس، وهو مشروع واسع ومعقد سوف يتطلب مشاركة الروح القيادية الإفريقية للحفاظ على الزخم الذي تحمله هذه المبادرة العظيمة.

كما أود هنا أن أهنئ الوزير الأول آبي أحمد على نيله جائزة نوبل عن جدارة، عرفانا بجهوده في خدمة السلام، خاصة دوره في إعادة العلاقات بين بلاده وإرتريا. وقد لعبت بلادي دور الوسيط في الخلاف بين البلدين، مما أفضى إلى التوقيع على “اتفاق الجزائر”.

وهكذا، فقد فتح تحسن العلاقات بين هذين البلدين الباب لعهد جديد من التعاون في منطقة القرن الإفريقي.

وإذ تطأ قدماي أرض أثيوبيا للمرة الأولى، فإنه بودي أن أحيي هذا الشعب العريق وهذا البلد العظيم على التزامه الأفريقي الثابت وموقفه الراسخ المؤيد للقضايا العادلة في افريقيا وفي العالم.

وأُحيي في هذا الصدد التطور الايجابي في السودان وأشجع الحكومة وبقية الأطراف السودانية على مواصلة جهودهم لتحقيق السلام. وأتوجه كذلك بعبارات التشجيع وتمنياتي بالتوفيق إلى المسؤولين بجنوب السودان وجمهورية افريقيا الوسطى والصومال.

هذا وتتابع الجزائر عن كثب وباهتمام بالغ التطورات الإيجابية بمنطقة البحيرات الكبرى وتشجع دول المنطقة على مواصلة جهودهم الرامية إلى تعزيز الثقة ووضع حد لنشاط الجماعات المسلحة المتواجدة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وللمعاناة التي تلحقها بالسكان.

السيد الرئيس،

سيداتي وسادتي،

إن الجزائر تبقى مستعدة دوما للإسهام في تعزيز التكامل الإقليمي وتأكيد عزم قارتنا الأفريقية على التكفل بمشاكلها بنفسها وتخطي تهميشها على مستوى العلاقات الدولية والاقتصاد العالمي من أجل التحكم بمصيرها والإمساك بمسارها التنموي بكل أبعاده، وما الأهمية التي توليها الجزائر للمشاريع المهيكلة مثل الطريق العابر للصحراء والربط بالألياف البصرية وأنبوب الغاز الرابط بين الجزائر ونيجيريا، سوى دليل قاطع على رغبتها في تحويل الاندماج الاقليمي إلى واقع.

لا يمكن الجزائر أن تتجاهل البلدان الشقيقة والمجاورة ولا القارة الأفريقية التي تشكل امتدادا طبيعيا لها. وإن كنا قد فقدنا شيئا من هذا الأمر إلى حد ما في السنوات الأخيرة، حيث كنا منصبين على شأننا الداخلي، فإننا نعتزم اليوم استعادته بسرعة وقوة .. ضمن الإطار المتجدد للاتحاد الأفريقي وعلى صعيد العلاقات الثنائية.

في هذا الصدد، قررت أن أبث ديناميكية جديدة في التعاون الدولي للجزائر، لاسيما تجاه البلدان الشقيقة في إفريقيا والساحل، وستترجم هذه الإرادة السياسية إلى تدابير ملموسة وفورية.

ومن هذا المنظور، قررت إنشاء وكالة جزائرية للتعاون الدولي لأجل التضامن والتنمية ” ALDEC ” ذات بعد افريقي مؤكد، مهمتها الرئيسة تجسيد رغبتنا في تعزيز الإعانة والمساعدة والتضامن مع دول الجوار على أرض الواقع، لاسيما الدول الشقيقة في الساحل.

وستتم تغطية مجمل مجالات التعاون من قبل هذه الوكالة التي ستتمتع بكل الوسائل الضرورية لإنجاز مهامها من خلال تحقيق مشاريع ملموسة ومفيدة.

وسأتابع شخصيا برامجها وأحرص على إسناد الاشراف عليها الى شخصية مقتدرة تتمتع بالكفاءة والمهارة اللازمتين لتحقيق طموحنا في التضامن الأخوي.

أصحاب الجلالة والفخامة والمعالي، ملوك ورؤساء الدول والحكومات الافريقية، وبما أنني أنضم إليكم اليوم بصحبة بعض الزملاء، أُعول على تعاونكم وأؤكد لكم فيما يخصني استعدادي التام لكي نواصل معا الطريق الذي سطره الآباء المؤسسون لمنظمتنا القارية.. طريق إفريقيا الازدهار والسلام.

ونحن على بعد يومين من إحياء ذكرى خروج الزعيم مانديلا من السجن، رأيت أنه لابد من أن أكرر ما قاله وهو مطابق لاجتماعنا اليوم، حيث قال مانديلا “سنعمل معا من أجل زرع الشجاعة أينما كان الخوف، وتشجيع الحوار أينما كان النزاع، وإعطاء الأمل حيث كان اليأس. وشكرا لكم”.

أشكركم على كرم الاصغاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى