آخر الأخبار

خطر صهـ ـينَة الهوّية المغربية ينزل إلى شوارع أكادير

أثارت رسالة مسربة وجهها المعهد المغربي لحقوق الإنسان إلى المجلس الجماعي لأكادير، شهر ماي الماضي، موجة غضب تجلت في جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن دعا المعهد إلى إطلاق أسماء شخصيات صهيونية معروفة على عدد من الشوارع والمرافق العمومية بالمدينة، من بينها متحف ومركب ثقافي، واستبدال أسماء شوارع كبرى، كشارع علال الفاسي وعبد الرحيم بوعبيد، اللذين يُعتبران أبرز رموز الحركة الوطنية بالمغرب.

وإن كان المقترح الذي تقدم به المعهد المغربي لحقوق الانسان يستند إلى ديباجة الدستور المغربي التي تنص على اعتبار المكوّن العبري جزءا لا يتجزأ من الهوية الوطنية، وإلى قرار سابق للمجلس يقضي بإشراك السكان في اختيار أسماء الفضاءات والتجهيزات العمومية. إلا أنّ المتتبعين المغاربة اشتموا فيه رائحة الرغبة المتواصلة لمسخ الهوية المغربية واستبدالها تماما بكل ما هو عبري ويهودي وصهيوني، خصوصا مقترحات استبدال بعض الرموز المغربية بأخرى صهيونية على غرار علال الفاسي، كما أنّ اختيار هذا التوقيت الذي يذوق فيه سكان غزة الويلات جراء الاعتداءات المتكررة لجيش الاحتلال الصهيوني كان محلّ تساؤلات عميقة حول النوايا المُبيّتة لهذا المقترح.

 وتبرز من خلال هذا المقترح معالم مشروع خطير يهدّد الهوية الوطنية للمغرب. فهذه القضية ليست مجرد تغيير لأسماء شوارع، بل هي حلقة في سلسلة طويلة من المحاولات الصهيونية لاختراق النسيج المجتمعي المغربي، مستغلةً عملية التطبيع الرسمي التي شرع فيها المخزن عام 2020.

كما تكشف الوثيقة عن نوايا خطيرة تهدف إلى طمس المعالم التاريخية للمقاومة المغربية. فمقترح استبدال شارع علال الفاسي، أحد أبرز قادة الحركة الوطنية المناهضة للاستعمار، باسم سيمون ليفي الناشط اليهودي المدافع عن التطبيع، ليس سوى خطوة في مسار إعادة كتابة التاريخ المغربي وفق الرواية الصهيونية.

ويرى متتبعون أنّ هذا المسعى ينسجم تماماً مع نظرية “الوطن البديل” التي تروّج لها الأوساط الصهيونية منذ عقود، والتي تسعى إلى تحويل المغرب إلى وطن بديل لليهود عبر إعادة تشكيل الذاكرة الجماعية للمغاربة. فبعد أن نجحت إسرائيل في فرض التطبيع على المستوى الرسمي، فهي تعمل الآن بدون هوادة على توطيده ثقافياً واجتماعياً من خلال محو الرموز الوطنية وإحلال رموز صهيونية محلها.

ولا تقتصر هذه الحرب على الذاكرة التاريخية فحسب، بل تمتد لتشمل المنظومة التعليمية التي تشهد محاولات حثيثة لتزوير المناهج الدراسية. فقد بدأت تظهر مؤشرات واضحة على ضغوط إسرائيلية لتحريف التاريخ المغربي، سواء بحذف كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو بإدخال مفاهيم جديدة تروّج للتطبيع تحت شعارات التعايش والتسامح، وخصوصا وجود المكوّن العبري ضمن التركيبة المغربية، وهكذا يتم تحويل المدارس إلى ورشات لغسل الأدمغة وتشكيل وعي جديد منفصل عن العمق الحضاري للأمة.

على الصعيد الاقتصادي، يشهد المغرب غزواً صهيونياً غير مسبوق عبر بوابة الاستثمارات الإسرائيلية الكبيرة التي تتسلل إلى القطاعات الاستراتيجية. فمن استغلال ثروات الفوسفات التي تحتاجها إسرائيل لصناعاتها العسكرية، إلى السيطرة على مشاريع المياه والطاقة، وصولاً إلى إنشاء مناطق صناعية مشتركة تخدم المخططات الإسرائيلية في المنطقة. كل هذا يجعل الاقتصاد المغربي رهينة للمصالح الصهيونية ويقوض سيادة البلاد على مواردها الطبيعية.

وامتدّ الوجود الصهيوني في المغرب إلى الجانب العسكري، ما وضع السيادة المغربية بيد إسرائيل، حيث لم يحدث أن وصل التطبيع في أيّ من الدول العربية المطبعة إلى هذا الحدّ من الاستسلام، فالمخزن اتّخذ ما أسماه بالتعاون العسكري مع إسرائيل عاملا للاستقواء، غير أنّه في واقع الأمر هو عملية تسليم ما تبقى له من سيادة إلى عنصر أجنبي لا يفرّق بين عربي وآخر.

وجاء هذا المقترح في وقت كانت فيه أصوات أخرى من المجتمع تطالب في إطلاق أسماء أمازيغية على شوارع جديدة في أغادير، من أجل إحداث إدماج متوازن للمكوّن المغربي الأمازيغي، فطالبت أصوات فاعلة بإطلاق أسماء مناضلين مغاربة سيدي حمو، أو موحى أوحمو”، من أجل صياغة ذاكرة مشتركة تستحضر الجميع دون أن تهمش أحدا، إلا أنّ السيطرة الصهيوينة تجاهلت هذه المطالب وراحت في تغليب المكوّن العبري على الأمازيغي، وليس من باب التوازن وعدم الإقصاء، بل بمحو وطمس شخصيات وطنية معروفة في المغرب، ليسيطر مستقبلا المكوّن اليهودي، بل قد تكون الرغبة في إبقاءه عنصرا وحيدا تتحدّد من خلاله الشخصية المغربية.

من المعلوم أنّه لا يمكن أن تتجرّأ أيّة جمعية أو شخصية في المغرب على اقتراحات خارج منطق السلطة، فتواطؤ المخزن يبدو جليا على هكذا مقترحات، أو بالتالي مقترح المعهد المغربي لحقوق الإنسان، يكون بايعاز مباشر لتحقيق أهداف فواعل عميقة في المخزن لوضع المغرب بين أحضان الصهيونية، ومسخ ما تبقى من الهوية المغربية لتحييده عن العالم العربي والإسلامي.

وليد بحيري

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى