آخر الأخبار

حين يسقط خطاب الانفصال… القبائل تجدّد ولاءها للجزائر وتكشف زيف مشروع “الماك”

شرف الدين عبد النور

تشهد منطقة القبائل في الآونة الأخيرة عودة قوية للأصوات الرافضة لمشروع التنظيم الانفصالي “الماك”، بعدما أقدم مواطنون على الجهر بمواقف واضحة تُدين تحركات هذا الكيان المصنف إرهابياً، وتكشف حجم الهوّة بين مخططاته التخريبية وبين الواقع الاجتماعي والسياسي للمنطقة. ويعكس هذا الموقف الشعبي المتجدّد إدراكاً عميقاً بأن التنظيم لا يمثّل إلا نفسه، وأنّه يتحرك بعيداً عن تطلعات أبناء القبائل الذين ظلوا عبر التاريخ في قلب مسار الوحدة الوطنية والحركة التحريرية.

ويأتي هذا الرفض الشعبي المتصاعد في ظل معطيات متشابكة تكشف حقيقة المشروع الانفصالي، الذي تحوّل إلى أداة تُستخدم في أجندات خارجية معروفة بعدائها للجزائر. فـ“الماك” الذي ينشط عبر هياكل موازية، على غرار مطاعم ونوادٍ تابعة له في الخارج، لم يعد يخفي ارتباطه بشبكات تمويل غامضة، تتضمن عمليات تبييض أموال وتوفير موارد دعم لأنشطة سرية. ومع كل هذه الوقائع، يتّضح أن التنظيم لم يكن في أي لحظة مشروعاً اجتماعياً أو سياسياً موجهًا للداخل، بل مشروعاً موجهاً لإثارة الفوضى وتهيئة بيئة عدائية ضد الدولة الجزائرية.

ولا يحتاج المتابع إلى كثير من التحليل ليدرك أن التنظيم تحوّل إلى منصّة تنفذ عليها أطراف إقليمية ومخابراتية أجنداتها. فالتقارير والشهادات العلنية التي صدرت عن قيادات “الماك” تكشف ارتماءً كاملاً في أحضان النظام المغربي والكيان الصهيوني، بما يؤكد أن الحركة أصبحت جزءً من استراتيجية تستهدف ضرب استقرار الجزائر وتفكيك بنيتها الوطنية. بل إن زعيم التنظيم نفسه سبق أن اعترف علناً بفخره بالدعم المغربي، وذهب حدّ إظهار استعداده لتلقي دعوة رسمية من الرباط بصفته المزعومة “رئيس جمهورية القبائل”، وهي تصريحات أظهرت بوضوح استغلال الحركة كـ”ورقة سياسية” تستخدمها أطراف تبحث عن الانتقام من الجزائر ومواقفها المبدئية.

إنّ المفارقة الكبرى تكمن في أن هذه المحاولات التخريبية تُعيد إنتاج نفس الأساليب التي استخدمها الاستعمار الفرنسي، عندما حاول فصل القبائل عن جسم الجزائر. غير أنّ هذه التجارب باءت بالفشل، لأن المنطقة كانت وما تزال قلعة للثورة ومهدًا لرموز وطنية لعبت أدواراً حاسمة في تحرير البلاد. ويُظهر الموقف الشعبي الحالي أن تلك الروح التاريخية لا تزال حيّة، وأن أبناء القبائل متمسّكون بجزائر موحّدة تحت راية واحدة، وفخورون بإرث الشهداء والمجاهدين الذين صانوا وحدة التراب الوطني.

ومع ما يُروّج له التنظيم الانفصالي من خطاب دعائي يحاول من خلاله الظهور كـ“صوت ديمقراطي” مزعوم، يرفض مجتمع القبائل هذا الادعاء بإجماع واسع. فالمواطنون الذين عبّروا عن مواقفهم جهاراً، أكّدوا أن التنظيم لا يمثّلهم وأنه مجرّد واجهة تستغلّها أطراف خارجية لتمرير مؤامرة واضحة المعالم. وما الوعي الشعبي المتنامي إلا تجسيد لكون المشروع الانفصالي مجرّد وهم سياسي فقد شرعيته قبل أن يولد.

وفي النهاية، يُعيد الحراك المجتمعي في القبائل التأكيد على حقيقة ثابتة وهي أن الجزائر أقوى بوحدتها، وأن محاولات زرع الشقاق بين أبناء الوطن الواحد ستفشل كما فشلت سابقاتها. فالتاريخ، كما يبدو، يعيد الدرس نفسه والدرس يقول أن منطقة القبائل كانت وستبقى في قلب الجزائر، وليس على هامشها. 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى