حين تنحاز الدبلوماسية الدولية للمصالح: كيف قرأت الجزائر قرار مجلس الأمن الأخير؟
شرف الدين عبد النور

أعاد قرار مجلس الأمن الأخير بشأن الصحراء الغربية، والذي حُظي بدعم أمريكي قوي، إلى الواجهة النقاش القديم حول مدى التزام المنظمة الأممية بمبادئها، خاصة في ما يتعلق بحق الشعوب في تقرير مصيرها. وقد رأت الجزائر في هذا القرار انحيازًا واضحًا لصالح المغرب، على حساب الشرعية الدولية التي لطالما دافعت عنها في المحافل الإقليمية والدولية.
وقد شكّل التصويت المنقسم داخل مجلس الأمن لحظة مفصلية، إذ دعم أحد عشر عضوًا القرار الذي يصف مبادرة الحكم الذاتي المغربية بأنها “أساس واقعي للنقاش”، فيما امتنعت كل من روسيا والصين وباكستان عن التصويت، في حين عبّرت الجزائر عن رفضها القاطع لهذا التوجه الذي تعتبره مساسًا بجوهر القضية الصحراوية.
وانتقد الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، عمار بن جامع، القرار بشدة، معتبراً أنه “أدنى من تطلعات الشعب الصحراوي”، وأنه “يتجاهل حقه المشروع في تقرير مصيره”. ويعكس هذا الموقف، في جوهره، تمسّك الجزائر بمبدأ تصفية الاستعمار ورفضها لأيّ حلول تُفرض من خارج إرادة الشعوب المعنية بالنزاعات.
ويُظهر القرار الأمريكي المدعوم من حلفاء أوروبيين وأفارقة، وفق المراقبين، تحوّلاً في موازين القوى داخل الأمم المتحدة، حيث تتغلب الاعتبارات الجيوسياسية على القيّم القانونية والإنسانية. فالولايات المتحدة تسعى لتعزيز نفوذها في شمال إفريقيا، في مقابل تمدد روسيا والصين في فضاءات أخرى، وهو ما يجعل ملف الصحراء الغربية ساحة تنافس دبلوماسي أكثر منه قضية تصفية استعمار تقليدية.
وترى الجزائر في هذا المسار خطراً حقيقياً على مستقبل السلم في المنطقة، خصوصاً في ظل استمرار ما تسميه “محاولات شرعنة الاحتلال المغربي”. فالقضية بالنسبة إليها ليست مجرد نزاع حدودي، بل مبدأ أخلاقي وتاريخي، تجسّد في دعمها المتواصل لحركات التحرّر عبر القارات منذ استقلالها.
ومن شأن هذا القرار أن يزيد من تعقيد الأزمة، ويعمّق الفجوة بين الأطراف، خصوصاً بعد انسحاب جبهة البوليساريو من اتفاق وقف إطلاق النار سنة 2020، وعودة الاشتباكات المتقطعة في المناطق العازلة. كما أن غياب أي إشارة صريحة إلى تنظيم استفتاء حول الاستقلال يعزّز المخاوف من تحوّل الوضع القائم إلى واقع دائم.
في ضوء ذلك، تبدو الجزائر أمام مرحلة جديدة من التحدي الدبلوماسي، إذ ستعمل على تكثيف تحركاتها داخل الاتحاد الإفريقي وفي المحافل الدولية لإعادة التوازن للمسار الأممي. أما مجلس الأمن، فقد أثبت مرة أخرى أن السياسة الدولية تُبنى على المصالح قبل المبادئ، وأن حق الشعوب في تقرير مصيرها يبقى رهينة موازين القوى لا نصوص القرارات.
