تحوّل نوعي داخل أروقة مجلس الأمن يعيد القضية الصحراوية إلى مسارها الأصلي كقضية تصفية استعمار
مهدي الباز

في تطور دبلوماسي لافت يعكس تغيراً في مواقف بعض القوى الكبرى داخل مجلس الأمن الدولي، كشفت النسخة الثالثة المعدّلة من مشروع القرار الأمريكي بشأن الصحراء الغربية عن تحوّل نوعي في الخطاب الأممي إزاء النزاع المستمر منذ عقود. فقد أسقطت هذه الصيغة، التي وُزعت مساء الخميس من طرف البعثة الأمريكية، الصفة الحصرية لـ “الحكم الذاتي” كحل وحيد للنزاع، وهو ما يُعد تراجعاً ضمنياً عن الطرح المغربي الذي كان يحظى بدعم أمريكي وغربي واضح في السنوات الأخيرة.
الوثيقة المعدّلة فتحت الباب أمام مقاربات بديلة، بما في ذلك تلك التي تُقدَّم من طرف جبهة البوليساريو، ممثلة الشعب الصحراوي، في إطار السعي إلى تسوية سياسية “عادلة ودائمة” للنزاع، تُفضي إلى تمكين الصحراويين من ممارسة حقهم في تقرير المصير، وفقاً لما تنص عليه مبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن ذات الصلة.
ويُعدّ النص المعدّل بمثابة اعتراف صريح بالوضع القانوني للشعب الصحراوي، وبتوصيف واضح لجبهة البوليساريو كطرف تفاوضي رئيسي لا يمكن تجاوزه، وهو ما يُفند أيضاً الطرح المغربي الرامي إلى تقزيم دور الجبهة أو التشكيك في شرعيتها التمثيلية.
من جهة أخرى، جاء التعديل المتعلق ببعثة الأمم المتحدة لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) ليمنحها نفساً جديداً عبر تمديد ولايتها إلى 12 شهراً، مع حذف أي إشارة لاحتمال تعديل مهامها أو إنهاء وجودها، في خطوة تعيد التأكيد على دور البعثة كآلية أممية لمتابعة مسار تقرير المصير.
هذا التحول، وإن لم يُترجم بعد إلى قرار نهائي، يعكس بوضوح حجم التباين داخل مجلس الأمن، لاسيما بين الدول الدائمة العضوية، حول طبيعة الحل العادل للنزاع. وتستمر المشاورات المكثفة بين ممثلي الدول الأعضاء في المجلس للوصول إلى صيغة نهائية قبل جلسة التصويت المرتقبة مساء الجمعة، وسط ترقب إقليمي ودولي لمآلات هذا المسار المعقّد.
وفي حال تمرير هذه الصيغة، فإنها ستمثل محطة مفصلية في مسار القضية الصحراوية، وتعيد التأكيد على أنها تندرج ضمن قضايا تصفية الاستعمار، بما يفرض التزاماً قانونياً وأخلاقياً على المجتمع الدولي بتمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه غير القابل للتصرف في تقرير مصيره، بعيداً عن الإملاءات الأحادية أو الحلول المفروضة.
