آخر الأخبار

المنظومة الدولية أمام اختبار المصداقية في ملف الصحراء الغربية

مهدي الباز

يأتي المشروع الذي صاغته الولايات المتحدة الأمريكية لتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) إلى نهاية شهر جانفي المقبل، متضمِّنًا إشارةً جديدة إلى مبادرة الحكم الذاتي التي تطرحها الرباط، واعتبارها “أرضيةً للتفاوض” نحو حلٍّ دائم للنزاع.
غير أن هذه المبادرة، في جوهرها، غير واقعية ولا تستند إلى المعايير الموضوعية القائمة في الميدان، بل تمثل تجاهلًا كاملًا لحقّ شعبٍ يطالب بالحرية والاستقلال وتقرير مصيره، وهو حقّ مكفول في ميثاق الأمم المتحدة.

إن القراءة المتأنية لهذا التوجه تكشف عن انزياحٍ خطير عن روح الشرعية الدولية، ومحاولةٍ لتغليب مقاربةٍ أحادية الجانب على حساب جوهر القضية الصحراوية التي تندرج منذ بدايتها ضمن قضايا تصفية الاستعمار الخاضعة لحقّ الشعوب في تقرير مصيرها.
وإن طرح الحكم الذاتي كبديلٍ عن الاستفتاء الذي أقرّته الأمم المتحدة، يُعدّ عمليًا مسعى لتفريغ هذا الحق من مضمونه، وتحويل مسار النزاع من قضية تصفية استعمار إلى نزاعٍ سياسي ذي طابعٍ حدودي، وهو ما يمثل تراجعًا واضحًا عن الأسس القانونية التي قامت عليها جهود التسوية الأممية، بل يشكّل اعتداءً صارخًا على القانون الدولي ويكشف عن ضعفٍ مؤسسي في أداء الهيئة الأممية.

إن الجزائر، ومعها الدول المتمسكة بالشرعية الدولية، تدافع بقوةٍ وثبات عن مبدأ العدالة واحترام القانون الدولي، حفاظًا على بنية النظام الدولي واستقرار السلم والأمن العالميين.
وتدرك الجزائر تمامًا أن أي محاولةٍ لتكريس الأطروحة المزيفة المسماة “الحكم الذاتي” باعتبارها الحل الواقعي الوحيد، تشكل سابقةً خطيرة تضرب مصداقية الأمم المتحدة في إدارة الملفات الدولية، خصوصًا تلك المتعلقة بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها. كما أنها تفتح الباب أمام منطق القوة والإكراه بدل منطق العدالة والشرعية.

فالقبول بهذا المسار يعني، في جوهره، تقويض المبادئ التي قامت عليها منظومة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي جعلت من احترام إرادة الشعوب أساسًا لبناء السلم والأمن الدوليين.
وفي ظل ما يشهده النظام الدولي من أزماتٍ متتالية بسبب تغليب منطق القوة و الاكراه على منطق الشرعية، تبرز الحاجة اليوم إلى تذكير المجتمع الدولي بأن الحل العادل والدائم لا يمكن أن يُبنى على منطق الإكراه السياسي، بل على الالتزام الصادق بالقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.

إن الشعب الصحراوي، مثله مثل أي شعبٍ آخر، من حقه أن يقرر مصيره بحريةٍ تامة، عبر استفتاءٍ نزيهٍ وشفاف تشرف عليه الأمم المتحدة دون ضغوط أو انحيازات. وأي التفافٍ على هذا الحق لا يمسّ فقط الشعب الصحراوي، بل يهدد منظومة الأمن والسلم الدوليين، ويفتح الباب أمام تسوياتٍ قسرية تنسف فكرة العدالة الدولية برمتها.

ومن هنا، فإن موقف الجزائر الثابت في دعم القضايا العادلة ليس خيارًا سياسيًا أو توجّهًا أيديولوجيًا، بل هو التزامٌ مبدئي بقيم التحرر والشرعية الدولية التي تشكل جوهر ميثاق الأمم المتحدة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى