الرئيس تبون يؤكد في رسالته بمناسبة ذكرى اندلاع الثورة على الوفاء لتضحيات الشهداء وبناء الدولة الوطنية الصاعدة
شرف الدين عبد النور

وجّه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، رسالة إلى الشعب الجزائري بمناسبة الذكرى الحادية والسبعين لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة، حيّا فيها أرواح الشهداء الأبرار، وأشاد بما قدمه الشعب الجزائري من تضحيات جسيمة في سبيل استرجاع السيادة الوطنية.
واستهل الرئيس رسالته بالتذكير بعظمة يوم الفاتح من نوفمبر، الذي فجّر فيه الشعب الجزائري ثورته المباركة ضد الاستعمار، بعد عقود طويلة من المعاناة والنضال والمقاومة الشعبية التي واجه خلالها أبشع صور الاستيطان والتغريب ومحاولات طمس الهوية الوطنية.
وأكد الرئيس تبون أن الثورة التحريرية كانت ثمرة لتراكم بطولي من النضالات الوطنية، وجسدت روح المقاومة في وجدان الأمة الجزائرية، ورسّخت التمسك بالأرض والتاريخ والهوية. كما عبّر عن اعتزازه بأجيال المجاهدين الذين خاضوا معارك التحرير في كل ربوع الوطن، مبرزًا أن وفاء الجزائريين لتضحياتهم سيظل مصدر قوة وإلهام في مسيرة بناء الدولة الوطنية الصاعدة.
وشدد الرئيس على أن هذه الذكرى تمثل محطة لتجديد العهد مع رسالة الشهداء، واستلهام معاني التضحية والإخلاص للوطن، من أجل مواصلة مسيرة التنمية وتعزيز السيادة الوطنية في ظل عالم يشهد تحولات وصراعات معقدة. كما دعا إلى تعزيز الروح الوطنية الجامعة بين الجزائريين، وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية الراهنة، بالاعتماد على القدرات الذاتية والطاقات الحية للشباب.
وأوضح الرئيس تبون أن الدولة الجزائرية تواصل بناء مؤسساتها وترسيخ دعائمها على أسس صلبة، من خلال أداء اقتصادي متحرر ومولّد للثروة، مع الحفاظ على استقلال القرار الوطني، انسجامًا مع مبادئ نوفمبر وروح الثورة التحريرية.
واختتم الرئيس رسالته بالتأكيد على أن الجزائر ماضية بثقة في طريقها نحو المستقبل، وفيةً لدماء شهدائها ومخلصةً لرسالة أجيالها التي صنعت الحرية، قائلاً: «تحيا الجزائر.. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار».
النص الكامل لرسالة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون بمناسبة الذكرى (71) لاندلاع الثورة التحريرية المجيدة ﴿01 نوفمبر 1954 – 2025 ﴾
“بسم الله الرحمن الرحيم وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى أشْرَفِ المُرْسَلِينَ
أيَّتُهَا المُوَاطِنَاتُ .. أيُّهَا المُوَاطِنُونَ،
نُخَلِّدُ معًا في الفَاتِحِ مِنْ نُوفمبرَ ذِكْرَى اليَوْمِ الَّذي فَجَّرَ فِيهِ الشَّعْبُ الجَزائريُّ ثَوْرَةَ التَّحرِيرِ الخالدة والمُبَارَكَةِ .. وَهُوَ يَوْمٌ تاريخيٌّ وفاصلٌ، بَعْدَ مُقَاوَمَاتٍ شَعْبِيَّةٍ وَنِضَالاتٍ وَطَنِيَّةٍ على مَدَارِ عُقُودٍ طَويلَةٍ قَاسِيَةٍ وَدَمويةٍ، عَانَى فِيها الشَّعْبُ الوَيْلاتِ وهو يُوَاجِهُ اسْتِعْمَارًا اسْتِيطانِيًّا، وَيَتَصَدَّى لأطْمَاعِهِ وَعُدْوَانِهِ الآثِمِ، رَافِضًا بِمَا أُتِيحَ لَهُ مِنْ أشْكَالِ المُقَاوَمَةِ، اغْتِصَابَ أرْضِهِ، وَتَدْنِيسَ تَاريخِهِ وَتَشْوِيهَ هُوِيَّتِهِ.
لَقَدْ عَبَّرَتِ المُقَاوَمَةُ في مَرَاحِلِها المُتَعَاقِبَةِ، عَنِ تَمَسُّكِ الشَّعْبُ الجزائريُّ بِالأرْضِ وَالتَّارِيخِ وَالهُوِيَّةِ الجَزائِريةِ المُتَجَذِّرَة طِيلَةَ الحِقْبَةِ الاستِعمَارِيَّةِ المَشْؤُومَةِ، وَكَانَتْ تَراكُمًا بُطُولِيًّا أفْضَى إلى الكِفَاحِ المُسَلَّحِ .. وَحَرْبٍ تَحَرُّرِيَّةٍ شَامِلَةٍ بِمَلايِينِ الشُّهَدَاءِ وَالأرَامِلِ وَالأيْتَامِ وَالمَعْطُوبِينَ، وأكَّدَ رُوحَ المُقَاوَمَة في الطَّبْعِ الجزائريِّ، وَغَرَسَ الشُّعُور بِالغَيْرَةِ عَلى السِّيَادَةِ الوَطنِيَّةِ في وِجْدَانِ الأُمَّةِ.
وَإنَّنَا في هَذِهِ الذِّكْرَى الحادية وَالسَّبْعِينَ لانْدِلاعِ ثَوْرَةِ التَّحْريرِ المَجِيدَةِ .. وَإذْ نَحْتَفِي – بِاعْتِزَازٍ – بِأمْجَادِ أجْيَالٍ خَاضَتْ مَعَارِكَ لمْ تَهْدَأْ في كُلِّ رُبُوعِ الجَزائرِ .. إنَّمَا لِنَجْعَلَ مِنَ الوَفَاءِ لِتَضْحِيَاتِهِم مَصْدَرًا لِقُوَّةِ العَزِيمَةِ، وَمَنْبَعًا أصِيلًا يَتَغَذَّى مِنْهُ وَعْيٌّ جَمَاعِيٌّ مَوْصُولٌ بِتَارِيخِنَا المَجِيدِ .. وَهُوَ البوصَلَةُ الَّتي تُوَجِّهُ الجزائر – في هَذِهِ المَرْحَلَةِ الدَّقِيقَةِ – نحْوَ تَثْبِيتِ رَكائِزِ الدَّوْلَةِ الوَطَنِيَّةِ الصَّاعِدَةِ .. وَنَحْوَ إذْكَاءِ الرُّوحِ الوَطَنِيَّةِ الجَامِعَةِ لِعَزَائِمِ الوَطَنِيّينَ المُخْلِصِينَ، وَلِلطَّاقَاتِ الفَاعِلَةِ الحَيَّةِ وَخاصَّةً الشَّبَاب، لِضَمَانِ حَصَانَةِ البِلادِ إزَاءَ الأوْضَاع المُضْطَرِبَةِ في فَضَائِنَا الإقليميِّ، وَمَا يَعْرِفُهُ العَالَمُ اليَوْم مِنْ صِرَاعَاتٍ حَادَةٍ، وَمِنْ تَصَدُّعَاتٍ في العَلاقاتِ الدَّوْلِيَّةِ، وَذَلِكَ بالاعْتِمَادِ على قُدُرَاتِنَا الذَّاتِيَّةِ، بِأدَاءٍ اقتصاديٍّ مُتَحَرِّرٍ وَمُدِرٍّ للثَّرْوَةِ، وَعَلى وَعيِّ وَوَطَنِيَّةِ بَنَاتِ وَأبْنَاءِ الجزائر الَّذِينَ يَقِفُونَ في هَذِهِ المُنَاسَبَةِ أُبَاةً بُنَاةً لِلْحَاضِرِ وَالمُسْتَقْبَلِ، عَلى خُطى شُهَدَائِنَا الأبْرَارِ، الَّذِينَ نَتَرَحَّمُ على أرْوَاحِهِم الزَّكِيَّةِ، تَحْدُونَا إرَادَةُ الصَّادِقِينَ، العَامِلِينَ عَلَى رِفْعَةِ الوَطنِ وَخِدْمَةِ الشَّعْبِ.
” تَحيَا الجَزائِر “
المَجْد والخُلودُ لِشُهدائِنَا الأبرَار
وَالسّلامُ عَليكُم ورَحمَةُ اللهِ تَعالى وَبركاتُه.”
