آخر الأخبار

الخبير الدولي في الشؤون العسكرية والدفاع الدكتور توفيق هامل يكتب لشرشال نيوز عن خلفية مناورات “الأسد الإفريقي” والمشاركة الإسرائيلية بلواء الغولاني

تعتبر مناورات “الأسد الأفريقي” واحدة من أضخم التدريبات العسكرية متعددة الجنسيات التي تُقام في القارة الأفريقية، حيث يشارك فيها أكثر من 40 دولة بقوة تتجاوز 10,000 جندي في نسختها لعام 2025. وتهدف هذه المناورات التي تنظمها القيادة الأمريكية الأفريقية (أفريكوم) بالتعاون مع المغرب إلى تعزيز القدرات العسكرية وتبادل الخبرات بين الدول المشاركة في مجالات مكافحة الإرهاب والأمن البحري والعمليات الخاصة.

يكتسب الحدث هذا العام أهمية استثنائية مع المشاركة الرسمية الأولى لإسرائيل ممثلة بلواء غولاني، وهو ما يمثل سابقة تاريخية في سياق هذه المناورات. ولواء غولاني ليس مجرد وحدة عسكرية عادية، بل هو أحد أقدم ألوية المشاة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث تأسس عام 1948 مع قيام دولة الاحتلال، ويُعرف بتاريخه العسكري الحافل والمثير للجدل في المواجهات مع الفلسطينيين.

خصائص لواء غولاني

تأسس في 22 فبراير 1948 كوحدة قتالية نخبوية، شارك في جميع الحروب الإسرائيلية منذ تأسيس دولة الاحتلال، متخصص في قتال المناطق الجبلية والوعرة وحرب الأنفاق، يمتلك تاريخاً من الانتهاكات ضد المدنيين الفلسطينيين وهو من أكثر الوحدات القتالية الإسرائيلية مشاركة في العدوان على غزة.
لواء غولاني يعتبر من أقدم وأهم الوحدات العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويتميز بخبرته الواسعة في حرب المناطق الوعرة والأنفاق، وهو ما يعكس طبيعة مشاركته في المناورات الحالية التي تتضمن تدريبات على اقتحام الأنفاق.
كشفت الصور المتداولة عن تدريبات مشتركة بين جنود مغاربة وإسرائيليين تتضمن اقتحام الأنفاق، وهو ما يثير تساؤلات حول الدلالات الاستراتيجية لاختيار لواء غولاني تحديداً للمشاركة. ويرى محللون عسكريون أن هذا الاختيار له أبعاد تتجاوز التدريب العسكري العادي، فهو يرتبط بنقل الخبرة الإسرائيلية في مجال حرب الأنفاق والمناطق الوعرة إلى الشركاء الإقليميين، خاصة في ظل التوترات القائمة في منطقة الساحل والصحراء الأفريقية.

الأهمية الجيوسياسية

تأتي المشاركة الإسرائيلية في سياق توسيع النفوذ الإسرائيلي في القارة الأفريقية بعد اتفاقيات التطبيع ضمن مسار أبراهام

التطبيع العسكري

تمثّل المناورات تحوّلاً من التطبيع الدبلوماسي والاقتصادي إلى التطبيع العسكري والأمني مع دول المنطقة، نقل الخبرات القتالية، اختيار لواء غولاني يرتبط بنقل الخبرة الإسرائيلية في حرب الأنفاق والمناطق الوعرة إلى الشركاء الإقليميين.

ردود الفعل والاستياء الشعبي والرسمي

أثارت المشاركة الإسرائيلية في مناورات “الأسد الأفريقي 2025” موجة واسعة من الإدانات والاحتجاجات على مختلف المستويات، معبّرة عن حالة الاستياء العميق التي خلفها هذا الحدث في الساحة المغربية والعربية والدولية. فعلى المستوى الشعبي، شهدت العاصمة المغربية الرباط وعدة مدن أخرى مسيرات احتجاجية حاشدة للتنديد بمشاركة جيش الاحتلال الإسرائيلي في هذه المناورات، رافعين شعارات تضامنية مع الشعب الفلسطيني ومندّدة بالتطبيع العسكري مع إسرائيل.

أما على مستوى المنظمات المدنية، فقد أصدرت الهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة بياناً شديد اللهجة اعتبرت فيه المشاركة الإسرائيلية تطبيعاً مرفوضاً وتواطؤاً مع جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، خاصة في ظل العدوان المستمر على قطاع غزة. كما دعت الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إلى ضرورة وضع حد نهائي لهذه المناورات، معتبرة أن المشاركة الإسرائيلية تشكل استفزازاً لمشاعر الشعب المغربي المتضامن تاريخياً مع القضية الفلسطينية.

وعلى الصعيد الدولي، أبدت المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة قلقها العميق إزاء مشاركة لواء غولاني في هذه المناورات، معتبرة أن ذلك يمثل انتهاكاً للالتزام الدولي بعدم التعاون مع أي كيان ينتهك القانون الدولي الإنساني. وأشارت إلى أن لواء غولاني متورّط في انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن مشاركته في مناورات متعددة الجنسيات تساهم في تطبيع هذه الانتهاكات.

وقد أعلنت الجزائر مقاطعتها التامة لهذه المناورات بسبب إقامتها في المغرب ، وهو ما يعكس حالة التوتر السياسي والدبلوماسي في المنطقة المغاربية. كما أبدت عدة دول عربية أخرى تحفظها على المشاركة الإسرائيلية، معتبرة أنها تأتي في توقيت حساس يتزامن مع استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، وما يصاحبه من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

لا يمكن فصل مشاركة لواء غولاني في مناورات الأسد الأفريقي عن سياق التطبيع المتسارع وتوسيع النفوذ الإسرائيلي في القارة الأفريقية، وهو ما يمثّل تحدياً كبيراً للموقف الشعبي العربي والأفريقي المناصر للقضية الفلسطينية.

الدكتور توفيق هامل

خبير دولي في الشؤون العسكرية والدفاع

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى