آخر الأخبار

الخبير الدولي في الشؤون العسكرية والدفاع الدكتور توفيق هامل يكتب عن العقيدة العسكرية الجزائرية

العقيدة العسكرية الجزائرية هي مجموعة من المبادئ والتوجهات التي توجّه السياسة الدفاعية للجزائر وتنظيم واستخدام قواتها المسلحة. تعتمد هذه العقيدة على عدد من الأسس التاريخية، الجغرافية، والسياسية، ويمكن تلخيص أبرز ملامحها في النقاط التالية:

  1. الدفاع لا الهجوم

مبدأ الدفاع: تعتبر الجزائر أن جيشها الوطني الشعبي جيش دفاعي بالدرجة الأولى، ولا يتبنى سياسة هجومية أو توسعية.

عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى: تنص العقيدة على احترام سيادة الدول، وتجنب التدخل في النزاعات الإقليمية أو الدولية خارج الحدود، إلا في حالات الضرورة القصوى، أو في إطار أممي.

  1. الاستقلالية والرفض للتحالفات العسكرية

الجزائر ترفض الانخراط في تحالفات عسكرية إقليمية أو دولية، وتُفضل الاعتماد على قدراتها الذاتية.

هذا ينبع من إرثها الثوري ضد الاستعمار الفرنسي، مما جعلها تتمسك بمبدأ الاستقلالية التامة في القرار السياسي والعسكري.

  1. رفض إقامة قواعد عسكرية أجنبية

لا تسمح الجزائر بوجود أي قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها.

تعتبر ذلك انتقاصًا من السيادة الوطنية.

  1. الجيش كضامن للوحدة الوطنية

الجيش الجزائري يلعب دورًا مركزيًا في الحفاظ على وحدة البلاد واستقرارها الداخلي، خاصة في ظل التحديات الأمنية مثل الإرهاب وتهريب السلاح عبر الحدود.

  1. أولوية الأمن الحدودي

بسبب الامتداد الجغرافي الكبير (الجزائر أكبر دولة في إفريقيا من حيث المساحة)، تركز العقيدة على تأمين الحدود البرية الطويلة، خاصة مع دول تشهد اضطرابات (ليبيا، مالي، النيجر).

تم تطوير وحدات متخصصة لمكافحة الإرهاب والتهريب وحماية الحدود.

  1. التوازن الإقليمي العسكري

تحرص الجزائر على الحفاظ على تفوق عسكري نسبي في المنطقة المغاربية، خاصة في مواجهة التهديدات الإقليمية المحتملة، مع التركيز على تحديث القوات المسلحة وتطوير صناعتها العسكرية.

  1. الحياد النشط في السياسة الخارجية

العقيدة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالسياسة الخارجية الجزائرية التي تتبنى مبدأ الحياد النشط، أي عدم الانحياز مع التأثير والمساهمة في الحلول السلمية للنزاعات.

البعد التاريخي للعقيدة العسكرية الجزائرية منذ الاستقلال

العقيدة العسكرية الجزائرية منذ الاستقلال في عام 1962 تتسم بتطورات كبيرة، حيث مرت بعدة مراحل تعكس التغيرات السياسية، الاجتماعية، والاقتصادية التي مرت بها الجزائر. يمكن تقسيم هذا البعد التاريخي إلى عدة مراحل رئيسية:

  1. مرحلة ما بعد الاستقلال (1962 – 1970)

بعد استقلال الجزائر عن الاستعمار الفرنسي في عام 1962، كانت الجزائر بحاجة لبناء جيشها الوطني الشعبي من جديد، وبدأت العقيدة العسكرية في التركيز على عدة أهداف رئيسية:

التخلص من آثار الاستعمار: كانت الجزائر قد خاضت حربًا طويلة ضد الاستعمار الفرنسي، وبالتالي كانت العقيدة العسكرية في هذه المرحلة تسعى إلى إعادة بناء القوات المسلحة بعد التفكك الذي لحق بها خلال الحرب.

التأكيد على السيادة الوطنية: كانت العقيدة في هذه المرحلة تركز بشكل كبير على الحفاظ على السيادة الوطنية، والتأكيد على أن الجيش هو الضامن الأساسي للوحدة الوطنية.

الحياد وعدم الانحياز: كما كانت الجزائر تحت قيادة أحمد بن بلة، قد تبنت سياسة الحياد وعدم الانحياز في السياسة الدولية، وهذا كان ينعكس على العقيدة العسكرية التي رفضت الانضمام إلى التحالفات العسكرية الدولية. الجزائر لم تكن ترغب في الوقوع تحت أي نوع من النفوذ الأجنبي.

تحقيق الوحدة العربية والإفريقية: سعت الجزائر إلى دعم حركات التحرر في إفريقيا والعالم العربي، وهو ما انعكس على موقفها العسكري الذي كان يهدف إلى تعزيز الاستقرار في المنطقة.

  1. مرحلة الحرب الباردة (1970 – 1990)

في هذه الفترة، كانت الجزائر تتأثر بالتحولات الكبرى في العالم بسبب الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وبدأت العقيدة العسكرية الجزائرية في أخذ أبعاد جديدة:

التقارب مع الاتحاد السوفيتي: الجزائر كانت دولة غير منحازة، لكنها استجابت للتوجهات العالمية بترسيخ علاقات مع الاتحاد السوفيتي (سابقًا) الذي كان يقدم الدعم العسكري للجزائر.

الدور القيادي في إفريقيا والعالم العربي: الجزائر أصبحت قوة مؤثرة في منظمة الوحدة الإفريقية ومنظمة عدم الانحياز، واستخدمت جيشها في دعم حركات التحرر في بعض الدول الإفريقية.

مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية: من خلال هذا التوجه، تم تجهيز الجيش لمواجهة أي تهديدات من القوى الخارجية، ولكن العقيدة العسكرية الجزائرية كانت تحافظ على المبدأ الدفاعي. علاوة على ذلك، كانت الجزائر تواجه تحديات من حركات انفصالية في بعض المناطق.

  1. مرحلة الثمانينات – بداية التسعينات (1980 – 1992)

مع بداية الثمانينات وبداية التسعينات، دخلت الجزائر في فترة من التحديات الداخلية، مما دفع العقيدة العسكرية إلى التركيز على حماية الدولة من التهديدات الداخلية:

الحرب ضد الإرهاب: في هذه الفترة، بدأ الجيش الجزائري في الاستعداد للتعامل مع الإرهاب الذي بدأ بالظهور في السبعينات والثمانينات. كان هذا التحول جزءًا من العقيدة العسكرية التي بدأت تركز على الاستعداد لمواجهة الأزمات الداخلية، مثل التطرف والتهديدات الأمنية.

التحديث العسكري: بدأ الجيش الجزائري بتحديث عتاده العسكري، خصوصًا بعد الانتهاء من التسلح السوفيتي، وبدأ في العمل على تطوير التكنولوجيا العسكرية الحديثة.

  1. مرحلة التسعينات: أزمة العشرية السوداء (1992 – 2002)

هذه الفترة كانت واحدة من أصعب الفترات في تاريخ الجزائر، حيث واجهت البلاد حربًا أهلية طويلة (العشرية السوداء) بسبب النزاع بين الحكومة والجماعات الإسلامية المسلحة. في هذا السياق، تميزت العقيدة العسكرية الجزائرية بمجموعة من التوجهات:

التركيز على الأمن الداخلي: أصبح الجيش الجزائري في هذه المرحلة يركز بشكل أكبر على حماية الأمن الداخلي من الجماعات الإرهابية والمسلحة.

الجيش كحارس للنظام السياسي: تطور دور الجيش ليكون الضامن لاستقرار النظام السياسي في الجزائر، حيث لعب الجيش دورًا حاسمًا في الحفاظ على النظام في مواجهة التهديدات الأمنية من الداخل.

التدخل السريع: أُدخلت أساليب “التدخل السريع” في العقيدة العسكرية لمكافحة الجماعات المسلحة التي كانت تهدد الاستقرار الداخلي. كما بدأ الجيش في استخدام تكتيكات جديدة لمكافحة الإرهاب.

الدعم اللوجستي والاستخباراتي: تم تعزيز البنية التحتية الاستخباراتية والعسكرية لمكافحة الإرهاب، وكان هناك تركيز على العمليات المشتركة بين القوات العسكرية والأمنية.

  1. مرحلة ما بعد العشرية السوداء (2002 – 2011)

بعد انتهاء العشرية السوداء، بدأت الجزائر في تبني سياسة الاستقرار الداخلي والتنمية الاقتصادية، مع تطور ملحوظ في دور الجيش وأهدافه الاستراتيجية:

تحسين القدرات العسكرية: قامت الجزائر بتحديث وتطوير معداتها العسكرية بشكل مستمر، خصوصًا في مجالات الدفاع الجوي والبحري.

التركيز على مكافحة الإرهاب عبر الحدود: بما أن الجزائر كانت تواجه تهديدات إرهابية عبر الحدود (من ليبيا ومالي)، فقد أصبح الجيش الجزائري يركز على حماية الحدود الجنوبية.

الدور الإقليمي: الجزائر أصبحت لاعبًا رئيسيًا في الشؤون الأمنية الإقليمية، حيث لعبت دورًا هامًا في جهود التسوية في المنطقة، خصوصًا في ليبيا ومالي.

  1. مرحلة الحاضر (2012 – الآن)

في العقد الأخير، تواصل الجزائر تعزيز عقيدتها العسكرية في إطار التحديات الحديثة التي تواجهها:

الاستقلالية العسكرية: الجزائر تواصل الالتزام بالاستقلالية العسكرية، وتجنب الانضمام إلى التحالفات العسكرية الدولية. وهذا يتجسد في سياسة عدم التدخل في النزاعات الإقليمية بشكل مباشر، مع التركيز على الحلول السلمية.

تحسين القدرات التكنولوجية: بدأت الجزائر في الاستثمار بشكل أكبر في تكنولوجيا الدفاع، مثل الطائرات المسيرة (الدرونز) والأنظمة الدفاعية المتقدمة.

مكافحة الإرهاب وتهريب الأسلحة: ما زالت العقيدة العسكرية الجزائرية تركز على التهديدات الأمنية الداخلية والإقليمية، خاصة في مكافحة الإرهاب والتهريب عبر الحدود الجنوبية.

الاستجابة لتطورات الأمن الإقليمي: الجزائر تتابع عن كثب التطورات في الدول المجاورة (مثل الوضع في ليبيا ومالي)، وتعمل على تعزيز تعاونها مع الجيران في مجال الأمن.

منذ الاستقلال، مرت العقيدة العسكرية الجزائرية بعدة مراحل هامة، بدأت بتأسيس الجيش الوطني الشعبي بعد الاستقلال، ثم تحول اهتمامها في الثمانينات إلى مواجهة التهديدات الداخلية والإرهاب، وصولاً إلى مرحلة ما بعد العشرية السوداء التي تركزت فيها على تحديث القدرات العسكرية، وحماية الحدود، والمساهمة في الأمن الإقليمي. وقد أصبحت العقيدة العسكرية الجزائرية الآن أكثر مرونة، مع التركيز على الابتكار العسكري وحماية الاستقرار الداخلي.

مقارنة العقيدة العسكرية الجزائرية بعقائد دول الجوار

مقارنة العقيدة العسكرية الجزائرية مع عقائد دول الجوار (مثل مصر، المغرب، تونس) تقدم رؤية جيدة عن التوجهات الاستراتيجية والتكتيكية لكل دولة في المنطقة. في حين أن جميع هذه الدول تشترك في التحديات الأمنية الإقليمية، إلا أن العقائد العسكرية لديها تعكس الفروق في أولويات كل منها، اعتمادًا على الوضع الجغرافي، التاريخي، والسياسي.

العقيدة العسكرية الجزائرية

كما ذكرت سابقًا، تعتمد العقيدة العسكرية الجزائرية على مبدأ الدفاع الوطني والاستقلالية العسكرية. تركز على:

الحياد وعدم الانحياز: الجزائر ترفض التحالفات العسكرية التقليدية (مثل الناتو)، وتفضل الحفاظ على استقلالها العسكري.

التأمين الشامل للحدود: الحدود الجزائرية تمتد على مسافات شاسعة مع دول تشهد اضطرابات كبيرة مثل ليبيا ومالي، لذا تشدد العقيدة العسكرية على حماية هذه الحدود وحفظ الاستقرار الداخلي.

محاربة الإرهاب والتهريب: أحد التحديات الأساسية التي تواجه الجزائر هو الإرهاب عبر حدودها الجنوبية، لذلك تركز العقيدة على تحسين قدرات الجيش في مكافحة الإرهاب.

العقيدة العسكرية المصرية

العقيدة العسكرية المصرية تركز بشكل كبير على دور الجيش في الدفاع عن أمن الدولة الوطني، مع بعض الفروق الطفيفة نتيجة لموقع مصر الاستراتيجي وأهدافها الإقليمية. بعض ملامح العقيدة المصرية:

التأثير الإقليمي: القوات المسلحة المصرية تسعى إلى الحفاظ على التفوق العسكري في المنطقة، خصوصًا في البحر الأحمر وقناة السويس. وهذا يظهر في ضخ الاستثمارات في القوات البحرية والجوية.

التحالفات العسكرية: مصر عضو في العديد من التحالفات الإقليمية والدولية، مثل التحالف العربي، واتفاقية الدفاع العربي المشترك. أيضًا، هناك علاقة قوية مع الولايات المتحدة في مجال الدعم العسكري.

الردع والتأهب: العقيدة المصرية تضع التأهب والقدرة على الردع العسكري في أولوياتها، خاصة في مواجهة تهديدات من إسرائيل أو دول غير مستقرة في محيطها الإقليمي.

العقيدة العسكرية المغربية

المغرب، على غرار الجزائر، يعتمد على مبدأ الدفاع الوطني، لكن العقيدة العسكرية المغربية تختلف في بعض النقاط المهمة:

الصراع في الصحراء الغربية: المغرب يركز بشكل خاص على النزاع المستمر حول الصحراء الغربية، ويدير جيشه بطريقة تضمن السيطرة على هذه المنطقة، مما يجعل “التأهب القتالي” جزءًا أساسيًا من العقيدة العسكرية.

التعاون مع الغرب: المغرب يتمتع بعلاقة قوية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويشارك في عدة مناورات عسكرية دولية. كما أن المغرب عضو في التحالفات مثل التحالف ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة.

التوازن بين القوات البرية والجوية: بينما المغرب يعزز قدراته في القوات البرية، إلا أنه يولي أهمية خاصة للقوات الجوية لضمان تفوقه في حالة أي مواجهة عسكرية.

العقيدة العسكرية التونسية

تتميز العقيدة العسكرية التونسية بعدة مميزات خاصة:

التركيز على الأمن الداخلي وحماية الاستقرار: بعد التحولات السياسية في تونس منذ 2011، أصبح الجيش التونسي يركز على ضمان الاستقرار الداخلي وحماية الأمن من التهديدات الإرهابية.

محدودية القدرات العسكرية: مقارنة مع الجزائر أو مصر، تونس لا تمتلك نفس القدرات العسكرية الكبيرة، وتستخدم بشكل أساسي جيشها للدفاع عن الحدود وحماية السيادة الوطنية.

الحياد وعدم التدخل: تونس تتبنى سياسة الحياد في النزاعات الإقليمية والدولية، وتعتمد على التعاون الدولي لمواجهة التهديدات الأمنية، خاصة في مجال مكافحة الإرهاب.

أوجه الاختلاف والتشابه بين العقائد العسكرية

التشابهات:

التركيز على الدفاع الوطني: جميع الدول في المنطقة تركز على تأمين الحدود وحماية السيادة الوطنية، خصوصًا في مواجهة التهديدات الأمنية الداخلية مثل الإرهاب.

التركيز على الاستقرار الداخلي: في جميع العقائد العسكرية هناك اهتمام كبير بالحفاظ على استقرار الدولة الداخلي ضد أي تهديدات قد تنشأ من الجماعات المسلحة أو الاضطرابات السياسية.

مكافحة الإرهاب: هذا عنصر مشترك كبير في جميع العقائد، خاصة بالنسبة للدول المجاورة للصحراء الكبرى، مثل الجزائر وتونس، التي تواجه تهديدات كبيرة من الجماعات الإرهابية.

الاختلافات:

القدرات العسكرية: مصر تملك جيشًا ضخمًا ومتعدد الإمكانيات، خاصة في مجالات القوات الجوية والبحرية. بينما الجزائر تركز على تأمين الحدود البرية، والمغرب على النزاع في الصحراء الغربية. تونس تظل ذات قدرة محدودة مقارنة.

التحالفات العسكرية: الجزائر تفضل الاستقلالية عن التحالفات العسكرية، بينما مصر والمغرب يشتركان في تحالفات عسكرية مع الغرب، خصوصًا مع الولايات المتحدة.

المواقف الإقليمية: الجزائر تبتعد عن التدخل في النزاعات الإقليمية ما لم يكن ذلك في إطار حتمي، بينما مصر والمغرب قد يتدخلان في سياقات إقليمية مثل الأمن في ليبيا أو الصحراء الغربية.

 على الرغم من أن جميع هذه الدول تشترك في مواجهة تهديدات مماثلة، إلا أن العقيدة العسكرية الجزائرية تميزت بالاستقلالية الدفاعية والتأهب لمواجهة التهديدات على الحدود الجنوبية، بينما تميل العقيدة المصرية إلى القوة الردعية والتأثير الإقليمي، والعقيدة المغربية تركز على النزاع الإقليمي حول الصحراء الغربية مع الانفتاح على التحالفات الدولية. العقيدة التونسية هي أكثر تحفظًا وتركز على الاستقرار الداخلي والأمن ضد الإرهاب.

الدكتور توفيق هامل

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى