البروفيسور محمد خوجة لـشرشال نيوز:الذكاء الاصطناعي يغيّر مفاهيم الردع العسكري ويهدّد التوازنات الاستراتيجية العالمية
مهدي الباز

يشهد العالم في السنوات الأخيرة ثورة غير مسبوقة في مجال الذكاء الاصطناعي، الذي لم يعد مجرد تطوّر تكنولوجي، بل تحوّل إلى رافعة استراتيجية تُعيد رسم موازين القوى بين الدول، ويضع الأمن القومي في قلب الأولويات الوطنية. وبينما يسهم الذكاء الاصطناعي في تحقيق قفزات علمية واقتصادية هائلة، يطرح في المقابل تحديات أمنية وأخلاقية عميقة قد تهدّد استقرار المجتمعات ومستقبل الأمن القومي للدول.
في هذا الإطار، أجرت «شرشال نيوز» حوارًا خاصًا مع البروفيسور محمد خوجة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، المعروف بتحليلاته الدقيقة للسياسات العالمية وكتاباته الرصينة في مجال الدراسات الاستراتيجية والأمنية. وقد قدّم خلال هذا اللقاء قراءة معمّقة للتحديات التي يفرضها الذكاء الاصطناعي على الأمن القومي والدولي، ورؤية شاملة لسبل تحصين الجزائر من مختلف المخاطر والتهديدات الناجمة عن هذا المجال الحيوي.
سؤال 1: بدايةً، كيف تقيّمون تطور الذكاء الاصطناعي في السنوات الأخيرة؟
محمد خوجة: هذا التطوّر الهائل جعله أحد أبرز عوامل التغيير والتأثير في مجالات متعدّدة، بما في ذلك الأمن القومي. من المهم التأكيد على أن الذكاء الاصطناعي يحمل فرصًا هائلة لتطوير الدول، لكنه في ذات الوقت يشكّل تهديدًا واضحًا إذا لم تُدار مخاطره بشكل مسؤول وحكيم، خصوصًا في السياق الأمني والدولي.
سؤال 2: ما مدى تأثيره على البيئة الأمنية العالمية، وهل يمكن أن يشكّل تهديدًا مباشرًا لاستقرار الدول؟
محمد خوجة: من منظور أمني، يشكّل الذكاء الاصطناعي تهديدًا مباشرًا ومحوريًا لاستقرار الدول بطرق متعددة، منها تصاعد التهديدات السيبرانية، حيث يمكن للأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي أن تُستخدم لتطوير هجمات أكثر تخصصًا وتعقيدًا تستهدف البنى التحتية الحيوية للدول. كما يشمل زيادة انتشار الأسلحة الذاتية والروبوتات الحربية التي يمكنها اتخاذ قرارات قتالية بدون تدخل بشري مباشر، ما يفتح الباب أمام صراعات عسكرية أكثر عدم استقرارًا مع احتمالات أخطاء كارثية. وهناك أيضًا الانتشار السريع للمعلومات المضلّلة، الذي يسهم في إذكاء الأزمات السياسية والاجتماعية عبر نشر الأخبار الكاذبة والتأثير على الرأي العام.
سؤال 3: ما أبرز المخاطر التي قد يشكلها الذكاء الاصطناعي على الأمن القومي للدول؟
محمد خوجة: ولعل أخطر التهديدات هي انتشار الاضطرابات السياسية والأمنية، لأن زيادة استخدام الذكاء الاصطناعي في المراقبة الشاملة والتحكّم الاجتماعي قد يؤدي إلى زيادة الاستبداد، وقمع المعارضة، والتضييق على الحريات العامة، وخلق ردود فعل عنيفة قد تهدّد الاستقرار الداخلي. لذلك، يطالب الخبراء بوضع أطر حوكمة دولية صارمة لتنظيم تطوير استخدامات الذكاء الاصطناعي، مع التركيز على الشفافية والسلامة والمساءلة، للحيلولة دون انتهاك مبادئ الأمن والاستقرار الدوليين.
سؤال 4: هل تعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيسهم في إنتاج وتطوير أسلحة جديدة، بما في ذلك الأسلحة المستقلة؟
محمد خوجة: من المتوقّع أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تطوير أسلحة جديدة، بما في ذلك الأسلحة المستقلة التي يمكنها اتخاذ قرارات ميدانية دون تدخل بشري مباشر، مثل الطائرات المسيرة الذاتية والروبوتات الحربية وأنظمة الدفاع والهجوم الذكية. يتيح التطور السريع للذكاء الاصطناعي لهذه الأنظمة اتخاذ قرارات في الوقت الحقيقي، وتحسين الدقة، وتقليل الأخطاء البشرية، وزيادة القدرة على التكيّف مع ظروف ميادين القتال المتغيّرة. في الوقت نفسه، يثير هذا تطورات جديدة المزيد من القلق الأخلاقي والقانوني حول مسؤولية اتخاذ القرار وإمكانية الأخطاء الكارثية، ويستدعي وضع أطر تنظيمية واضحة لضمان الاستخدام الآمن والمسؤول لهذه التقنيات.
سؤال 5: ما مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على مفهوم الردع العسكري التقليدي للدول؟ وهل سيغيّر من استراتيجيات الدفاع القائمة؟
محمد خوجة: يؤثر الذكاء الاصطناعي سلبيًا على مفهوم الردع العسكري التقليدي بعدّة جوانب، ويغيّر من استراتيجيات الدفاع القائمة، مما يعيد تشكيل مفاهيم التوازنات الاستراتيجية التي كانت تضمن الاستقرار الإقليمي. يسرع الذكاء الاصطناعي من وتيرة العمليات ويقلّل زمن القرار البشري، ما يصعب على الأطراف المتنازعة التنبؤ بردود الأفعال ويضعف فاعلية الردع التقليدي. كما تؤدي الأسلحة المستقلة والروبوتات الحربية المزوّدة بأنظمة ذاتية إلى مخاطر حوادث تصعيد غير متعمدة أو هجمات خاطئة، مما يهدّد الاستقرار. الاعتماد المفرط على قدرات التنبؤ والتحليل التي يوفرها الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى قرارات حاسمة مبنية على نماذج رياضية لا تأخذ بعين الاعتبار التقلّبات المفاجئة، لذلك من المهم أن تظل القيادة البشرية في مركز صنع القرار لضمان الأخطاء التقنية والتقديرات الآلية ضمن فهم بشري شامل.
سؤال 6: كيف يمكن للدول النامية، ومنها الجزائر، بناء قدراتها الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي لضمان أمنها القومي؟
محمد خوجة: الجزائر دولة محورية في شمال إفريقيا، ومفتاح القارة، وبيئتها الاستراتيجية غير مستقرة، وثرواتها تجعلها محل أطماع قوى إقليمية ودولية، ما يفرض بناء قدرات وطنية ضامنة للأمن القومي. يمكن للجزائر اتباع مسارات استراتيجية تشمل تنمية البنية التحتية الرقمية، وتطوير رأس المال البشري عبر برامج تعليمية متخصّصة وتشجيع البحث العلمي، مع وضع استراتيجية وطنية واضحة للذكاء الاصطناعي تشمل تنظيم استخدامه وتحفيز الاستثمار ودعم المشاريع المرتبطة بالأمن القومي.
كما ينبغي توظيف التعاون الدولي والإقليمي، وزيادة القدرات في الأمن السيبراني، وتحفيز القطاع الخاص للانخراط في تطوير حلول ذكية، لضمان أمن الجزائر القومي في عصر التحوّلات الرقمية والتكنولوجية المتسارعة.
