عودة الرجل الغريب “ترامب” سلام أم دمار؟
ها هي أمريكا تحت حكم الرجل الغريب دونالد ترامب للمرة الثانية، بعد أن تمّ تنصيبه رسميًا الأسبوع الماضي كالرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية. عودته إلى البيت الأبيض حملت، قبل تنصيبه وأثناء فوزه مباشرة، العديد من التساؤلات حول الملفات المطروحة، لاسيما ما يتعلق بالقضايا الدولية الراهنة.
لكن أكثر التساؤلات اليوم، بعد أن تم تنصيبه رسميًا، متعلقة بسلوكه وكيفية تعامله مع تلك الملفات المطروحة على طاولته. هل عودته كرئيس لدولة عظمى، “الولايات المتحدة الأمريكية”، ستجلب الاستقرار والسلام للعالم، أم ستفتح أبواب حروب وصراعات دامية؟
شخصية ترامب الغريبة… “البراغماتية الممزوجة بالجنون”
ترامب كشخص يتميّز بالبراغماتية الممزوجة بالجنون، وبالتالي من الصعب التنبؤ بسلوكياته وتصرفاته، على الرغم من وضوح توجّهاته الأيديولوجية والحزبية. ولكن كرجل جاء من عالم الأعمال إلى السياسة، فإن الأمر هنا يختلف كثيرًا، ولا يمكن معرفة ما سيحدث أثناء عهدته الجديدة. هل سيستمر في نهجه السابق أم لا؟ في خطاب التنصيب، قال ترامب بصريح العبارة أمام العالم كله: «سننهي كل الحروب في العالم» وحلذ النزاعات والصراعات، التي تتناقض في واقع الأمر مع رؤيته وسياسته الباحثة عن الاستقرار، بهدف الاستثمار وملء صناديق الاستثمار والخزينة الأمريكية.
إن هذه الرؤية البراغماتية تجعل من أمريكا في المقام الأول ثم العالم فيما بعد، حتمًا لأنه رئيس أمريكا وليس العالم. لكن دور أمريكا اليوم في السياسة العالمية بارز ومهم، وبالتالي أيّ تغيير في سياستها سواء الداخلية أو الخارجية سينعكس على العالم ككل بحكم قوتها في المنظومة الدولية.
يوحي خطاب التنصيب بأن أمريكا مقبلة على عهد جديد يحمل العديد من التغيّرات، أولها اقتصادية وأهمها سياسية. فترامب رجل اقتصادي وهو واقعي في توجهاته، وعاد من جديد ليعيد أمريكا مكانتها كقوة عظمى اقتصاديًا أولًا، بعد أن تراجعت كثيرًا في عهد منافسه جو بايدن، وسياسيًا كقوة صانعة للسلام.
التحديات الاقتصادية و السياسية ارث بايدن المعقد
من الناحية الاقتصادية، لقد ترك الرئيس جو بايدن البلاد تعاني من أزمات اقتصادية عديدة، فقد شهدت ولايته أزمة تضخم هي الأعلى في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ إذ تراجع النمو الاقتصادي من 5.8% في عهد ترامب إلى 2.1% في عهد بايدن، وارتفع الدين العام إلى 34 تريليون دولار إبان عهد بايدن، بعدما كان في عهد ترامب 28.21 تريليون دولار. أرقام جعلت الاقتصاد الأمريكي مهددًا بالانهيار في ظل منافسة قوية من قبل الصين التي عرفت أرقامًا متقدمة نوعًا ما.
لم يكتف بايدن بترك أمريكا في أزمة اقتصادية فقط، بل ترك حروبًا وصراعات كانت إدارته السبب وراء اشتدادها وتفاقمها، كالحرب الروسية – الأوكرانية التي زادت حدّتها بسبب الدعم الأمريكي لأوكرانيا للضغط على روسيا، وكذلك ما حدث في الشرق الأوسط والموقف الذي اتخذته إدارة بايدن تجاه الصراع القائم هناك، إلى جانب العديد من الأزمات والصراعات في إفريقيا.
بداية عهد جديد القوة والبراغماتية عنوانه
يرى ترامب أن كندا هي مجرد ولاية من الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أطلق عليها ولاية رقم واحد وخمسين، في إشارة واضحة لضمها أثناء مباشرة عهدته الجديدة، بعد أن هدّدها بفرض رسوم جمركية إضافية عليها. وهو نهج اقتصادي بامتياز، وسلوك رجل أعمال لا يهمّه شيء، إما أن تدفع أو تدفع، وأنت اختر ما الذي ستدفعه. لغة تهديد واضحة تمامًا ولا تحتاج إلى تفسير، حتى خطابه لا يحمل تلميحًا بل يأتي بشكل مباشر تمامًا: نريد هذا… ونحن معًا من يدفع أكثر، حتى مع دول هي صديقة بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وحليفة معها في حلف عسكري “الناتو”، الذي طالما هدّد بالخروج منه وفرض على أعضائه أن يدفعوا أكثر.
يهدد أيضًا الدنمارك للسيطرة على جزيرة غرينلاند، ويصفق له أعضاء الكونغرس عندما يعلن عزيمته إعادة تسمية خليج المكسيك بالخليج الأمريكي. وهناك في آسيا، يثير القلاقل مع الصين، لمنعها من تحقيق التفوّق الاقتصادي وسيطرتها على الأسواق العالمية، ومحاولة تقويض نفوذها لاسيما في القارة الإفريقية، التي شهدت تراجعًا كبيرًا للقوى الغربية التقليدية (فرنسا) لصالح الصين وروسيا.
كما توعّد بإقرار السلام في الشرق الأوسط من خلال العمل على إيقاف الحرب على غزة، وفرض إرادته على نتنياهو للتوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، الذي دخل حيّز التنفيذ في 19 جانفي الحالي، وقبل يوم واحد من تسلّمه لمنصبه؛ ما يعني قدرته على فرض أجندته بشكل كامل على كل الأطراف وعلى مختلف المستويات. في انتظار حل باقي الأزمات والصراعات وما يمكن أن يقدّمه لأمريكا أولًا ومن سلام للعالم، على الرغم من نهجه وسلوكه المتناقض الذي يحمل السلام بقوة التهديد.
مهدي الباز