عطاف: ”3 مستوياتٍ رئيسية يجب على مجلس الأمن التركيز عليها بخصوص اتفاق وقف إطلاق النار في غزة“

دعا وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، اليوم الإثنين، مجلسَ الأمن إلى تَركيزِ جُهودِه في المرحلةِ الراهنة على ثلاثِ مستوياتٍ رئيسية بخصوص وقف إطلاق النار في غزة.

وكشف عطاف في هذا السياق، خلال كلمته في اجتماع رفيع المستوى لمجلس الأمن الأممي برئاسة الجزائر لمناقشة الوضع في الشرق الأوسط لاسيما القضية الفلسطينية، أن المُستوى الأول يتطلب تثبيتِ هذا اتفاق وقف إطلاق النار ومُتابعةِ تنفيذِهِ في جميعِ مضامينِه، وفي كُلِّ أبعادِه، وعبر كافَةِ مراحلِهِ ومحطاتِه.

ويتعلق المُستوى الثاني، حسب وزير الدولة بضرورةِ أن يَحْرِصَ مجلسُ الأمن على أن تُرَاعِيَ ترتيباتُ “اليوم الموالي” في قطاع غزة إرادةَ الفلسطينيين، وتُكَرِّسَ تَوَافُقَاتِهِمْ، وتَحْمِيَ تطلعاتِهم للمُضِيِّ قُدُماً في تَجْسِيدِ مشروعِهم الوطني على أرضِ الواقع، مشدّدا في هذا الإطار على ضرورةِ أن تَحْتَرِمَ ترتيباتُ “اليوم الموالي” في غزة وِحَدَةَ الشعبِ الفلسطيني، وأن تَحْتَرِمَ وحدةَ الأرضِ التي ستقومُ عليها الدولةُ الفلسطينية، وأن تَحْتَرِمَ وحدةَ المصيرِ الفلسطيني.

وأما المُستوى الثالث والأخير، فَيَرْتَبِطُ حسب الوزير عطاف بحتميةِ البناءِ على اتفاقِ وقفِ إطلاق النار لبعثِ مسارٍ سياسيٍّ جِدِّي تحت رعايةِ الأممِ المتحدة بهدفِ حَلِّ الصراعِ الإسرائيلي-الفلسطيني.

شرف الدين عبد النور

النص الكامل لكلمة وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، اليوم الإثنين، في كلمته خلال اجتماع رفيع المستوى لمجلس الأمن الأممي برئاسة الجزائر لمناقشة الوضع في الشرق الأوسط لاسيما القضية الفلسطينية

 

“بسم الله الرحمن الرحيم

أرقى عبارات التقدير والثناء أتوجهُ بها إليكم، السيد الأمين العام، على إِحاطتِكم القَيِّمَة وعلى تشخيصِكم الدقيق لتطوراتِ الأوضاع في منطقةِ الشرق الأوسط بما تَفْرِضُه من تحديات يَجِبُ علينا مواجهتُها وبما تَطْرَحُه من رهانات يقعُ علينا العملُ لِكسبِها.

لقد جئنا إلى اجتماعِنا هذا مُحَمَّلِينَ بِمَشَاعِرَ يَخْتَلِجُهَا الأملُ الحَذِرْ بين التَرَقُّبِ والتَّطَلُّعِ لأن تَضَعَ الحربُ ضد غزة أوزارَها غَداةَ الإعلانِ عن اتفاق وقف إطلاق النار في هذه الأرض الفلسطينية الجريحة.

اتفاقٌ طالَ انتظارُه على خلفية تنفيذِ المشروع الإسرائيلي في غزةَ تحديداً وفي المنطقةِ عموماً.

واتفاقٌ تعددت العراقيلُ المُفتَعَلةُ والمَنْصُوبَةُ على دربِ الوصولِ إليه، ظاهراً وباطناً، عَلَناً وخِفْيَةً.

واتفاقٌ طالما أَحْبَطَ غيابُهُ المجموعةَ الدوليةَ بِأسرِها، وهي التي عَلَّقَتْ عليه كُلَّ آمَالِها في رَفْعِ المُعاناة والغُبن عن الفلسطينيين، وفي كسرِ جُمُودِ العمليةِ السياسية الهادفة إلى مُعالجةِ القضيةِ الفلسطينية خاصةً، وإلى استعادةِ الأمن والاستقرار في منطقةِ الشرقِ الأوسطِ عامةً.

فالشكر والتقدير لمجموعة الوساطة الدولية التي عَمِلَتْ جاهدةً لتحقيقِ هذا الاتفاق بعد خمسةَ عشرَ شهراً من حَرْبٍ خَلَّفَتْ حصيلةً مأساويةً تَعْجِزُ عن وصفِها جميعُ الأَلْسُنِ واللغات، بما فيها لغةُ الأرقام.

فغزة لم تعد غزة بعدما طالها من جَرَائِمَ رَاحَ ضَحيتَها أكثرُ من ستٍّ وأربعينَ ألفَ شهيد، أغلبُهم من النساء والأطفال.

وغزة لم تعد غزة بعدما لاَقَتْهُ من دمارٍ مَهُولٍ سَوَّى بالأرضِ بِنَاياتِها، ومُستشفياتِها، ومحلاّتِها، ومدارِسَها، وجامعاتِها، بل وحتى مَساجِدَها، وكنائِسَها، وملاجِئَها، ومَقابِرَها.

وغزة لم تعد غزة بعد هدمِ كافةِ أركانِها ومُقَدَّراتِها والقضاءِ على مُختلفِ شرايينِ الحياةِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ بها، فضلاً عن تفقيرِ شَعْبِهَا وحرمانِه من أبسطِ سُبُلِ العيشِ الكريم ومُقوماتِ البقاء.

وبالرغم من هذه الحصيلةِ الكارثية على أَكْثَرِ من صعيد، إلا أن الشعبَ الفلسطيني أَبَى إِلاَّ أن يَخْرُجَ في غزة وفي كافةِ أراضيه المُحتلة مُحتفلاً بإعلانِ وقفِ إطلاقِ النار ومؤكداً للعالم أَجْمَعْ:

أَنَّ القهرَ لَمْ وَلَنْ يُصادِرَ إرادتَه، أو يَنَالَ من عزيمَتِه،

وأَنَّ الظلمَ لَمْ وَلَنْ يُضْعِفَ صُمودَهُ، أو يُخِلَّ بتَمسُّكِهُ بأرضه،

وأَنَّ الاضطهادَ، على حِدَّتِهِ وَقَسَاوَتِهِ، لَمْ وَلَنْ يَنْتَقِصَ البَتَّة من إصرارِه على استرجاعِ حُقُوقِه الوطنية كاملةً على الوجهِ الذي أَقَرَّتهُ الشرعيةُ الدوليةُ وَثَبَّتَتَهْ.

إِنَّ اتفاقَ وقفِ إطلاقِ النار في غزة يُمثل أملاً ثميناً لهذا الشعب الأبي. أملٌ في الحياة، وأملٌ في تخفيفِ الظُّلْمِ والمُعاناة، وأملٌ في التَّحَكُّمِ بحاضرِهِ وَصُنْعِ مَصيرِه بِنفسِه.

وإن كان مَجْلِسُنَا هذا قَدْ عَجَزَ سابقاً عن إنصافِ هذا الشعب وإحقاقِ حُقوقِه، فالأحرى به اليوم ألا يُفَوِّتَ هذه اللحظةَ التاريخيةَ الفارقة لتحمُّلِ المسؤولية، كل المسؤولية التي حَمَّلَهُ إيَّاها ميثاقُ مُنظمَتِنا هذه. وهي المسؤولية التي لا تقتصر على معالجة تداعياتِ العدوانِ الذي كَابَدَتْهُ غزة طيلة الأشهرِ الطويلةِ الماضية، بل تتعدّى ذلك لتشملَ التكفلَ بجوهرِ الصراعِ المُتمثلِ في تحقيقِ المشروعِ الوطني الفلسطيني.

إِنَّ المجموعةَ الدولية قاطبةً لم تَعُدْ تُطيقُ استمرارَ وضعٍ في الشرق الأوسط يدومُ مُنْذُ قُرابةِ الثمانينَ عاماً، لا تُستَخلَفُ فيه المأساةُ إلاَّ بمأساةٍ أكبر، ولا تَتْلُو فيه النَّكْبَةَ سوى نكبةٌ أشَدُّ وَأَمَرْ. فلا يُمكنُ لقضاءِ فِلسطينَ وَقَدَرِها أن يَدُومَ وهو يتأرجحُ بين الآمال التي لا تُذْكَى سوى لتُطفأَ حالاً، وبين الآفاق التي ما إن فُتِحَتْ إلاَّ وصُدَّتْ بتلقائيةٍ وانتظامْ.

من هذا المنظور، علينا أن نكون واعين تمام الوعي:

أَنَّ اتفاقَ وقفِ إطلاق النار لا يعني نقطة الوصول، بل نقطة البداية،

وَأَنَّ هذا الاتفاق لا يعدو أن يكون فرصةً يتوقفُ نجاحُها أو فَشَلُها على مدى استغلالِها وتوظيفِها والبناءِ عليها،

وَأَنَّ هذا الاتفاق لا يُمثل إلا وسيلةً نَأْمَلُ صَادِقين أن تُوصِلَنَا إلى غايةٍ أَسْمَى وَأَشْمَلْ، ألا وهي غايةُ تحقيقِ حلٍّ للقضية الفلسطينية بصفةٍ نهائية وإنجازِ سلامٍ عادلٍ ودائمٍ وَمُستدامٍ في الشرق الأوسط.

وبالتالي، فإننا ندعو مجلسَ الأمن إلى تَركيزِ جُهودِه في المرحلةِ الراهنة على ثلاثِ مستوياتٍ رئيسية:

المُستوى الأول: وهو مستوى تثبيتِ هذا الاتفاق ومُتابعةِ تنفيذِهِ في جميعِ مضامينِه، وفي كُلِّ أبعادِه، وعبر كافَةِ مراحلِهِ ومحطاتِه.

فترابطُ المساراتِ المُتَمَخِّضَةِ عن هذا الاتفاق يُحَتِّمُ على مجلِسنا هذا أن يكون سَنَداً قوياً لمجموعة الوساطة الدولية وهي تُشْرِفُ على تفعيلِ الوقفِ الشاملِ والدائمِ لإطلاقِ النار، على رفعِ القيودِ المفروضةِ على جُهودِ الإغاثة الإنسانية، على إتمام عملياتِ تبادلِ الأسرى والمحجوزين، وكذا على الانسحابِ الكلي لقواتِ الاحتلالِ الإسرائيلي من قطاعِ غزة.

أما المُستوى الثاني: فيتعلقُ بضرورةِ أن يَحْرِصَ مجلسُ الأمن على أن تُرَاعِيَ ترتيباتُ “اليوم الموالي” في قطاع غزة إرادةَ الفلسطينيين، وتُكَرِّسَ تَوَافُقَاتِهِمْ، وتَحْمِيَ تطلعاتِهم للمُضِيِّ قُدُماً في تَجْسِيدِ مشروعِهم الوطني على أرضِ الواقع.

فغزة ليست أرضاً دون مالك أو أرضاً دون أهل، ومستقبلُ هذه الأرض يجب أن يُحَدِّدَهُ الفلسطينيون، في المقام الأول وفي المقام الأخير، بعيداً عن التدخلاتِ الخارجية التي من شأنِها أن تُعمِّقَ الانقاساماتِ بَيْنَهُمْ وأن تُبْعِدَهُمْ عن نهجِ المصالحةِ الوطنية.

وفي هذا الإطار، يجبُ التشديد، كل التشديد، على ضرورةِ أن تَحْتَرِمَ ترتيباتُ “اليوم الموالي” في غزة وِحَدَةَ الشعبِ الفلسطيني، وأن تَحْتَرِمَ وحدةَ الأرضِ التي ستقومُ عليها الدولةُ الفلسطينية، وأن تَحْتَرِمَ وحدةَ المصيرِ الفلسطيني. كما أن ذات الترتيبات يجب أن تُخَصِّصَ مكانةً هامة لمُخَطَّطِ إعادةِ إعْمَارِ غزة وَسُبُلِ الإسراعِ في تجسيده.

أما المُستوى الثالث والأخير: فَيَرْتَبِطُ بحتميةِ البناءِ على اتفاقِ وقفِ إطلاق النار لبعثِ مسارٍ سياسيٍّ جِدِّي تحت رعايةِ الأممِ المتحدة بهدفِ حَلِّ الصراعِ الإسرائيلي-الفلسطيني.

فَوَقْفُ إطلاق النار في غزة لن يكون شَامِلاً، ولن يكون نِهَائِياً، ولن يكون مُستداماً، إِلاَّ إذا اِسْتَنَدَ إلى عمليةٍ سياسيةٍ هَادفةٍ ومُتبصرةٍ وجريئةٍ وصادقةٍ تَضَعُ نُصْبَ أولوياتِها تحقيقَ التسويةِ النهائيةِ للقضيةِ الفلسطينية، وِفْقَ صِيغَةِ حَلِّ الدولتين المُتَوَافَقِ عليها دولياً، اليوم أكثر من الأمس.

على ضوء المُقتضياتِ التي تَفْرِضُها هذه المستويات الثلاث، سَتُوَاصِلُ الجزائر، تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، وبحرصٍ شديدٍ منه، دورَها المعهود وانخراطَها الفعلي في كافةِ الجهود الدولية الرامية:

أولاً، للتكفل بالاحتياجات الإنسانية للشعب الفلسطيني في قطاع غزة فَوْرَ رفعِ الحصارِ الجائرِ المفروضِ عليه، وذلك عَبْرَ المساهمةِ في جُهودِ الإغاثة، وَعَبْرَ تقديمِ العونِ لتشييدِ المستشفياتِ الميدانية حَالَ تَوَفُّرِ الظروفِ المواتية، وكذا عَبْرَ مُواصلةِ دعمِها لوكالة “الأونروا” التي ظُلِمَتْ زوراً واتُّهِمَتْ بُهتاناً، وهُدِّدَتْ دون أن تَفْقِدَ عِلَّةَ وُجُودِهَا.

ثانياً، مساندةُ وتأييدُ مسارِ المصالحةِ والوحدةِ الوطنية الفلسطينية، وهو المسار الذي يبقى ضرورةً حتمية لابد من اسْتِكْمَالِه على النحو الذي يضمنُ إنهاءَ الإنقساماتِ التي طالما عَانَى من وَيْلاَتِها الشعبُ الفلسطيني نَفْسُه.

ثالثاً وأخيراً، تحصينُ حَلِّ الدولتين المُكَرَّسِ من قِبَلِ الشرعية الدولية، وذلك عبر العملِ من أجلِ الحفاظِ على مُقوماتِ قيامِ الدولةِ الفلسطينية المستقلةِ والسيدة، وتَمكينِها من العضوية الكاملة بمنظمة الأمم المتحدة، وكذا تعزيزِ الاعترافاتِ الدولية بها في أُفُقِ المؤتمرِ الدولي المُزْمَعِ انعقادُهُ مُنتصفَ هذا العام.

وشكراً على كرم الإصغاء”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى