الخبير والمختص في علم الاجتماع والاتصال السعيد منصور لشرشال نيوز: تعزيز التوعية المجتمعية وتطوير البرامج التعليمية ركائز أساسية للحد من ظاهرة التنمّر الإلكتروني في الجزائر
نعيش اليوم في عصر التكنولوجيا وثورة المعلومات والاتصالات، وفي بيئة رقمية جدّ معقّدة، حيث أصبح الإنسان جزءا لا يتجزء منها، بفعل انتقاله من الواقع المادي الى الواقع الافتراضي. يتجلى هذا الانتقال في انخراط الأفراد و الجماعات المختلفة في عالم الانترنت. عالم رقمي لاحدود له، تتعدّد فيه قنوات الاتصال لاسيما مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، “إنستغرام”، “تويتر”، و”تيك توك”. في ظل هذا الترابط والتواصل اللامتناهي، برزت العديد من الظواهر الاجتماعية التي انتقلت من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي، من بين هذه الظواهر، ظاهرة “التنمّر الإلكتروني”، التي تعدّ من الظواهر السلبية و العدوانية التي انتشرت بشكل واسع عبر مختلف وسائط التواصل.
وقد لوحظ في الآونة الأخيرة استفحال هذه الظاهرة الخطيرة في المجتمع الجزائري بحكم الاستخدام الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي ومختلف التطبيقات الالكترونية، وبالتالي أصبح من الضروري تسليط الضوء على هذه الظاهرة لمعرفة طبيعتها وكذا تأثيراتها وآثارها على المجتمع الجزائري، وفي هذا الشأن قامت “شرشال نيوز”باجراء حوار مع الخبير والمختص في علم الاجتماع والاتصال السعيد منصور.
شرشال نيوز: أولاً، نرحب بكم الأستاذ المختص في علم الاجتماع والاتصال السعيد منصور في هذا الحوار الخاص لجريدة “شرشال نيوز”، أستاذ منصور هل يمكن أن تعطينا تعريف شامل لمفهوم التنمّر الالكتروني
وما الفرق بينه وبين التنمّر التقليدي؟
في البداية أشكركم جزيل الشكر على اتاحتكم هذه المساحة لطرح موضوع مهم جدا لا سيما في عصر تغوّل التكنولوجيا واتساع استخداماتها، ألا وهو موضوع التنمّر الإلكتروني أو ما يعرف بالتنمر السيبراني cyberbullying فمن حيث اللغة مصطلح التنمّر يعني المضايقة، وارتباطه بالإلكتروني أو السيبراني دلالة على صلته بالإنترنت والشبكات.
والتنمّر الإلكتروني هو المضايقة على الأنترنت أو العدوان أو التعنيف أونلاين، وهو أحد أبرز المخلفات السلبية لاستخدام التكنولوجيا، وعلى الرغم من أن التنمّر تصرّف وسلوك قديم إلا أن خطورته تنامت بظهور شبكات الويب مع اتساع مساحة الحرية لمقترفيه فتعدّدت أشكاله وآثاره، وفي هذا السياق، اتّفقت أغلب التعريفات في ربط التنمّر الإلكتروني باستخدام الانترنت أو التكنولوجيا الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، كما وصفت غالبية التعاريف تصرّف التنمّر بالسلوك العدواني المقصود والمتكرّر مع نيّة التسبّب في الضّرر للضحية عن طريق المضايقة والتهديد والتعنيف والتشهير والسخرية والإهانة والتي يترتب عليها آثارا سلبية على النواحي النفسية والاجتماعية للمتنمّر عليه.
وبالنسبة للاختلاف بين التنمّر الإلكتروني و التقليدي في الحقيقة الاختلاف يكمن في كونه لا يتطلب مواجهة مباشرة، حيث يمكن أن يحدث في أي وقت ومن أي مكان، مما يجعله أكثر استمرارية وتأثيرًا نفسيًا على الضحية.
-ان معظم الظواهر الاجتماعية البارزة لها اشكال وأنواع متعددة، هل يمكنك القاء الضوء على أبرز أنواع التنمر الالكتروني الموجودة في الجزائر ؟
حسب دراسة أجريتها سابقا، وجدت أن أبرز أشكال التنمّر السيبراني سواء في الجزائر أو على مستوى الوطن العربي تتحدد في النقاط التالية: اولا التعليقات غير الملائمة اجتماعيًا وأخلاقيًا على الصور أو المقالات أو مقاطع الفيديو الخاصة المنشورة على الإنترنت والمنتشرة في المجتمع. التقاط الصور دون علم الضحايا ونشر صورهم سواء الحقيقية او المعدلة، وكذا نشر اشاعات أو معلومات عنهم على مختلف وسائل الاتصال بهدف الإضرار بهم و بسمعتهم.
كما نجد ايضا مختلف أشكال المضايقات والابتزاز عبر قنوات الاتصال المتعددة. بالاضافة الى أعمال التجسّس من خلال التطبيقات المصمّمة لاختراق الخصوصية والوصول غير المصرح به وغير القانوني إلى الشبكة بغرض إلحاق الضرر بالآخرين.
-ما هي العوامل التي أدّت إلى انتشار التنمّر الإلكتروني في المجتمع الجزائري؟
أعتقد أن العوامل التي ساهمت في انتشار التنمر الإلكتروني في الجزائر متعددة وتعكس تداخل التحوّلات التكنولوجية والاجتماعية في المجتمع، أولاً، أدى الانتشار الواسع للتكنولوجيا الحديثة، بما في ذلك الهواتف الذكية وشبكات الإنترنت، إلى تمكين الأفراد من التواصل بشكل فوري ومستمر، ومع ذلك فإن هذا التوسّع التكنولوجي لم يواكبه تعليم كافٍ حول استخدام التكنولوجيا بشكل آمن ومسؤول، مما جعل العديد من المستخدمين عرضة لاستغلال التكنولوجيا في ممارسة سلوكيات عدوانية، بالإضافة إلى ذلك أدّى غياب الرقابة الأسرية في بعض الحالات إلى تمكين الأطفال والمراهقين من استخدام الإنترنت دون توجيه مناسب، مما جعلهم عرضة للتأثير السلبي أو مساهمين في ممارسة التنمّر الإلكتروني.
ثانيًا، تعكس ظاهرة التنمر الإلكتروني في الجزائر قضايا اجتماعية أعمق، مثل الضغوط الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع الأفراد للتعبير عن الإحباط عبر منصات التواصل الاجتماعي، كما أن وجود ثقافة اجتماعية تفتقر في بعض الأحيان إلى تقبل الاختلاف واحترام الخصوصية ساهم في انتشار هذه الظاهرة، وأحيانا ضعف الوازع الديني وتأخّر صياغة القوانين وضبط السياسات الوقائية لتأمين الفضاء الإلكتروني زادا من سهولة انتشار التنمّر، فغياب العقوبات الصارمة من جهة، وعدم تحلي المتنمّر عليه بثقافة تقديم الشكوى من جهة أخرى كلها أسباب يستغلها المتنمّرون للتصرف بحرية أكبر، كل هذه العوامل مجتمعة أسهمت في خلق بيئة إلكترونية محفّزة للتنمّر، مما يجعل الحاجة إلى تدخلات تعليمية وتشريعية ضرورة ملحة.
-هل هناك احصائيات تشير الى مدى انتشار هذه الظاهرة في الجزائر؟
تشير الإحصائيات والدراسات إلى أن ظاهرة التنمّر الإلكتروني تشهد انتشارًا ملحوظًا في الجزائر، خاصة مع تزايد استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وفقًا للدراسة الميدانية التي أجريت على عينة من أساتذة التعليم الابتدائي في أحد ولاية الوطن سنة 2023، تبيّن أن حوالي 89.2% من أفراد العينة نادرًا ما يتعرضون للتنمّر الإلكتروني، بينما كانت نسبة التعرض لبعض أشكال التنمّر مثل التعليقات الساخرة والتشهير منخفضة نسبيًا، ومع ذلك، فإن هذه النتائج تعكس مدى تأثير التنمر الإلكتروني في بيئات العمل التعليمية.
كما أشارت دراسات متعددة أجراها طلبة باحثون تتعلق بالظاهرة مثل التنمّر السيبراني لدى طلبة الجامعة و المتوسط بالجزائر، حيث أوضحت وجود فروق في القذف السيبراني وانتهاك الخصوصية بين الذكور والإناث،كما عالجت دراسة ميدانية أخرى مظاهر التنمّر الالكتروني ضد المرأة الجزائرية من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، والتي سعت إلى التعرف على أشكال التنمّر الإلكتروني عبر مواقع التواصل الاجتماعي والآثار المترتبة عن هذه الظاهرة على المرأة الجزائرية، وهذا الاهتمام البارز من طرف الباحثين دليل على انتشار الظاهرة وإن كانت أغلب الدراسة ترى بأن مستوى التنمّر متوسط بالجزائر وأعتقد أن هذا مردّه إلى أن الدراسات ركّزت على عينات واعية ومثقفة مثل الأساتذة والمعلمين والطلبة، بسبب سهولة التواصل مع هذه العيّنات، ولو يتمكن الباحثون مستقبلا من إجراءات دراسات على فئات أخرى مثل الأطفال والمراهقين والمتسربين وأصحاب الاحتياجات الخاصة، فأفترض أن يكون مستوى تعرض هذه الفئات للتنمّر بدرجة أكبر.
-ما هي التأثيرات النفسية والاجتماعية للتنمر الإلكتروني على الضحايا؟
تبدو على الأشخاص الذين وقع عليهم التنمّر أعراض نفسية وجسمية واجتماعية كالتوتّر والقلق والرهاب الاجتماعي كما تظهر لديهم سلوكيات خطيرة قد تصل إلى حد الانتحار فيما تظهر عند البعض اضطرابات هضمية وعقلية وقد يتعاطى البعض الآخر المهلوسات والكحول والمخدرات، كما يعاني الضحايا من تدني في الصحة النفسية وفقدان الثقة في الذات وفي الآخرين، ومشكلات اجتماعية كالخوف من تكوين صداقات جديدة والتحدّث مع الآخرين.
والتنمّر عبر الإنترنت هو تجربة صادمة للضحية تهدّد إيمانه بوجود العدالة في العالم الحقيقي الذي يعيش فيه، وللتجربة تأثير سلبي شديد على الجوانب العاطفية والسلوكية للضحية؛ يمكن أن يؤدي التنمّر عبر الإنترنت إلى نوبات غضب وقلق والشعور بالاكتئاب، بالإضافة إلى انخفاض التركيز، وانخفاض الأداء الأكاديمي، والتدخين، وشرب الكحول والأفكار الانتحارية.
-ما النصائح التي يمكن تقديمها للأشخاص الذين يتعرضون للتنمّر الإلكتروني؟
أعتقد أن التعامل مع التنمّر الإلكتروني يتطلب هدوءًا وتركيزًا لتجنب تصعيد الموقف، كما أنه من المهم أن يحافظ الضحية على رباطة جأشه وألا يرد على المتنمّر، حيث يمكن للتجاهل أن يقلّل من اهتمام المتنمّر بمواصلة الإساءة، وأنصح أيضًا بتوثيق جميع أشكال التنمّر، مثل الرسائل أو التعليقات المسيئة، وحفظها كأدلّة يمكن استخدامها لاحقًا إذا استدعى الأمر تقديم شكوى للجهات المختصة، والإبلاغ عن المتنمّر للمنصة المستخدمة يعد خطوة ضرورية، حيث توفّر معظم شبكات التواصل الاجتماعي أدوات للإبلاغ عن المحتوى المسيء أو حظر المستخدمين المسيئين، وفي حال تضمّنت الإساءة تهديدات جدية أو انتهاكات قانونية، من المهم التوجّه إلى الجهات الأمنية أو القضائية لاتخاذ الإجراءات المناسبة.
إلى جانب التعامل المباشر مع التنمّر، من المهم البحث عن الدعم النفسي والاجتماعي للتخفيف من تأثيراته السلبية، فيمكن أن يساعد التحدّث مع الأصدقاء أو أفراد العائلة المقربين في تقديم المساندة العاطفية اللازمة، وإذا تطلب الأمر يمكن اللجوء إلى استشارة أخصائي نفسي لمعالجة الآثار النفسية التي قد تنجم عن هذه التجربة، وعند تعزيز الوعي بأن التنمّر يعكس مشكلة لدى المتنمّر وليس لدى الضحية يساعد في تقليل الشعور بالإحباط أو الذنب، كما أن الانضمام إلى حملات التوعية الإلكترونية يساهم في بناء ثقافة احترام متبادل على الإنترنت، مما يحدّ من انتشار هذه الظاهرة، وأيضا التركيز على تعزيز الثقة بالنفس والانخراط في أنشطة إيجابية يساعد الضحية على تجاوز التجربة واستعادة التوازن النفسي والاجتماعي.
-بحكم الاختصاص أستاذ هل لديكم اقترحات محدّدة لمعالجة هذه الظاهرة أو الحدّ منها ؟
للحدّ من ظاهرة التنمّر الإلكتروني ومعالجتها بشكل فعال، ينبغي التركيز على التوعية المجتمعية وتطوير برامج تعليمية تعزّز الاستخدام الآمن والمسؤول للتكنولوجيا، كما يجب أن تتضمن هذه البرامج توعية الأطفال والشباب بأخلاقيات التواصل الرقمي ومخاطر التنمّر الإلكتروني وآثاره النفسية والاجتماعية، كما ينبغي توجيه الأسر لتكون أكثر وعيًا بدورهم في مراقبة استخدام أبنائهم للإنترنت وتقديم الإرشاد اللازم، وتعزيز التربية الرقمية في المناهج الدراسية يعد خطوة محورية، حيث يمكن للمدارس والجامعات تقديم ورش عمل ودروس مخصّصة لتعليم الطلاب كيفية التعامل مع التحديات التي قد يواجهونها في الفضاء الإلكتروني.
ويمكن دعم هذه الجهود بتطوير منصّات رقمية تتيح الإبلاغ بسهولة وسرية عن حالات التنمر الإلكتروني قد يشجع المزيد من الضحايا على التصدي للظاهرة، بالإضافة إلى ذلك يمكن إطلاق حملات إعلامية واسعة النطاق بالتعاون مع وسائل الإعلام والمؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي لتسليط الضوء على خطورة التنمّر الإلكتروني وضرورة مواجهته، مما يساهم في بناء بيئة رقمية أكثر أمانًا واحترامًا للجميع.
مهدي الباز