ابنة ضابط في جيش الاحتلال الفرنسي: “والدي ارتكب جرائم وحشية ضد الجزائريين”

"ايزابيل فاها "...ويخرِج اللهُ من أصلابهم من يصدعون بالحق ويعترفون بالجرم الشنيع

وسط التوتّرات الدبلوماسية الراهنة بين الجزائر وفرنسا، برزت مداخلة الباحثة والكاتبة الفرنسية إيزابيل فاها كحدث لافت خلال الندوة العلمية التي نظمتها الشبكة الجمعوية لمجابهة الفكر النيوكولونيالي العالمي”، بالتنسيق مع المرصد الوطني للمجتمع المدني، الأربعاء بجامعة الجزائر 2، تحت عنوان “تجريم الاستعمار الفرنسي وفق القوانين الدولية”. بكلمات مليئة بالشجاعة والأسى على ماضي عائلتها الأسود، كشفت فاها عن حقائق صادمة تتعلّق بالجرائم البشعة و الوحشية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي بحق الشعب الجزائري.

 

وشهد شاهد من أهلها… “أبي مجرم حرب” وعائلتي تكنّ” حقدًا دفينًا “تجاه الجزائر

وصدع الحق من ابنة ضابط سابق في الجيش الفرنسي، كان باعتراف ابنته أنّه “مجرم حرب”، قد ارتكب مجازر لا توصف في حق الشّعب الجزائري إبّان الاستعمار الفرنسي الغاشم. ولم تتوقف عند هذا الحد فقط، بل كشفت أيضًا أن أباها كان غير نادم على أفعاله الشنيعة في الجزائر، وتمنّى لو ارتكب المزيد من الجرائم.

إن صدمة هذه الباحثة لم تتوقف فقط عند اعتراف والدها بجرمه الشنيع في حق الشعب الجزائري، لكنها اكتشفت بنفسها حقائق تصفها بالمؤلمة والصادمة من خلال الأرشيف الذي تركه والدها. تقول: “أثناء تفتيشي في صندوق الصور القديم، صُدمت بالعثور على صور توثّق الجرائم الوحشية التي ارتكبها والدي ضد الجزائريين”.

حقيقة ما صرّحت به هذه المرأة الشجاعة، التي نشأت في بيئة وعائلة تكنّ حقدًا دفينًا للجزائر وشعبها، يعكس رغبتها القوية والتزامها الأخلاقي في مواجهة إرث أسود خلّفته عائلتها ودولتها المجرمة. وقد أكّدت في شهادتها أن نقل الحقائق التاريخية المغيّبة عن جرائم الاستعمار الفرنسي أصبح جزءًا لا يتجزأ من مسيرة حياتها، رغم مختلف المشاكل والتهديدات التي تعرّضت لها طوال مسارها في إزالة اللّثام عن جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر. وأشارت إلى أن محاولاتها للتطرق إلى هذا الموضوع في دراستها وأبحاثها الجامعية قوبلت بتحذيرات من السلطات الرسمية، تعكس حساسية الدولة الفرنسية تجاه هذا الملف الذي يحتوي على حقائق صادمة.

جيل جديد يعترف بـ”جرم الماضي” ويأمل في مستقبل زاهٍ

قرار هذه المرأة الشجاعة بالبوح وكشف حقائق عائلتها “المجرمة” في هذا التوقيت بالذات، ما هو إلا تعبير عن رغبة قوية من جيل فرنسا الجديد الذي يخجل من ماضي أجداده المجرمين، ويرفض سياسة الجمهورية “الخامسة” التي خلّفها الجنرال ديغول، وسيطر عليها اليمين المتطرف، الذي لم يتقبل فكرة الاعتراف بالماضي الإجرامي الذي ارتكبه أجداده في حق الجزائر وشعبها.

كما أن هذه الخطوة تُعدّ دعوة صريحة من هذا الجيل إلى فرنسا لإعادة النظر في مواقفها ومراجعة ماضيها الاستعماري وفتح صفحة جديدة بالاعتراف الكامل بجرائمها في الجزائر.

إن رغبة فاها والعديد من أمثالها من أبناء فرنسا، الراغبين في التخلّص من إرث أجدادهم الاستعماري والتكفير عنه بالاعتراف الكامل والتعويض عما يمكن تعويضه ماديا ومعنويا، تعكس الأمل في التقدّم إلى الأمام وإعادة فتح آفاق جديدة في مسار العلاقات بين فرنسا والجزائر الجديدة، التي لا يمكن أن تتخلى عن حقوقها، لا سيما ما تعلّق بملف الذاكرة الوطنية.

مهدي الباز

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى