العُقدة الخامسة…أزمة نفسية تاريخية تعاني منها الجمهورية الفرنسية الخامسة تتجلى في خطاب ماكرون الأخير

نحن في العام الخامس من عشرينيات القرن الواحد والعشرين “2025”، وبالتحديد في بدايته، ويفصلنا فقط خمسة أشهر عن تاريخ 5 جويلية لنحتفل بالذكرى 63 لاستقلال الجزائر من الاستعمار الفرنسي. استقلال جاء بتضحيات جسيمة قدمها خيرة أبناء الجزائر من نساء ورجال، من أجل نيل الحرية والاستقلال من يد محتل غاشم مارس طيلة 130 سنة أبشع أنواع الاستغلال والاضطهاد والمجازر الوحشية.

ليخرج لنا اليوم رئيس جمهورية فرنسا، إيمانويل ماكرون، بتصريحات سياسية دنيئة و مستفزة تعكس حالة الضعف والوهن الذي تعيشه الجمهورية الفرنسية الخامسة، وحجم “العقدة الخامسة” التي سبّبتها لها الجزائر في الخامس من جويلية عام 1962، عندما نالت استقلالها واسترجعت سيادتها على كامل ارضيها، بحرب تحرير وطنية شارك فيها كل الشعب الجزائري. هذه العقدة هي عقدة التاريخ، عقدة “الجزائر الحرة المستقلة”، بعيدًا كل البعد عن أوهام “الجزائر الفرنسية” و”الجزائر الجزائرية”، التي نادى بها مؤسس الجمهورية الخامسة، الجنرال شارل ديغول، والتي بقيت لدى معظم قادة الجمهورية الفرنسية من شارل ديغول إلى ماكرون.

إن ماكرون اليوم يتحدث وكأنه في عام 1958، عام تأسيس الجمهورية الفرنسية الخامسة. إنه يعيش أوهام أسلافه، ناسيًا أو متناسيًا أن الجزائر دولة ضاربة في التاريخ ويعود تأسيسها إلى آلاف السنين، وليست وليدة العصور الوسطى أو وليدة الثورة التي خلفت ملايين الضحايا وأسّست عهد الإرهاب الذي نشأ في خضم الصراع السياسي في فرنسا في تلك المرحلة التاريخية المظلمة.

إن الجزائر دولة حرة مستقلة وسيدة في قراراتها وتصرفاتها، ولا أحد وصي عليها، وترفض كل أنواع التدخل في شؤونها الداخلية تحت أي غطاء سياسي أو حقوقي.

على ماكرون أن يراجع دروسه في التاريخ جيدًا لكي لا ينسى أو يقع في سقطات تجعل منه مراهقًا سياسيًا أو رهين أفكار أسلافه من تيار اليمين المثقلين بعقدة التاريخ “العقدة الخامسة”، وأن يعيد ترتيب أولوياته في خطاباته ومراجعة حساباته السياسية، والاهتمام بشؤون جمهوريته التي أوشكت على الانهيار، بدل الحديث عن الجزائر والتطاول عليها وعلى رموزها ومقدساتها.

مهدي الباز

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى