آخر الأخبار

نشطاء من وجدة ومدن شرق وادي ملوية يجنّدون المواطنين للمطالبة بالحق في تقرير المصير

تصاعدت مؤخّرا أصوات، بدأت تأخذ تطورا تنظيميا، في وجدة وعدّة مدن مغربية واقعة شرق المملكة تطالب عبر منشورات عجّت بها منصات التواصل الاجتماعي، بالحقّ في تقرير المصير للإختيار بين البقاء تحت سلطة المملكة أو العودة إلى الانتماء التاريخي لها، تحت سلطة الدولة الجزائرية.

ويُثير هذا المطلب، الذي كان يبدو غريبا، جدالا واسعا وحادا في بعض الأحيان، انخرطت فيه فئات عديدة من مكوّنات ساكنة هذه المدن المغربية، وإن اعترض بعض المثقفون والسياسيون، واعتبروه محاولة للمساس بالوحدة الترابية، وضرب استقرار المملكة باستغلال المشاكل الاجتماعية والمعاناة اليومية للمواطنين، إلا أنّ الكثير من عامة الناس يستدلّ بمرحلة ما قبل غلق الحدود، حيث اعتبر أنّ جزءا هاما من موادهم الأساسية وغيرها كانت تأتيهم من الجزائر، بما فيها رغيف الخبز الطازج والحليب، الأمر الذي فسّره البعض بالحقّ الطبيعي على البلد الأم.

وخلق حراك فجيج أجواء مُميّزة لترويج النشطاء لمطلب تقرير المصير، فمنذ أكثر من سنة يواصل سكان فجيج الواقعة جنوب شرق المغرب، احتجاجهم على عملية خوصصة الماء بنقل تسيير قطاع الماء بالمدينة لمجموعة الجماعات الترابية “الشرق للتوزيع”، في إطار ما أسمي بالقانون 83.21 المتعلق بإحداث الشركات الجهوية متعددة الخدمات لتدبير خدمات الماء والكهرباء والتطهير السائل والإنارة، ما دفعها إلى تنظيم مسيرات احتجاجية منذ أكثر من سنة، ولاقت تضامنا كبيرا في مختلف المدن المغربية. ما جعل حراك فجيج يتحوّل إلى صمود حقيقي، ونموذج للرفض الشعبي للواقع الذي تحاول السلطات المغربية فرضه على سكينتها.

وصنع حراك فجيج وشعاراته مثل” مياه واحة فجيج خط أحمر” بيئة مقاومة وأجواء مطلبية سمحت بتصعيد سقف المطالب وتوسيع رقعتها، حيث انظمّ إليها مواطنون من مختلف النواحي، مما كشف الأوضاع المزرية التي تعيشها ساكنة شرق المملكة منذ أكثر من 30 سنة بدون خيرات الجزائر التي كانت تصلُهم رَغَدا، وسمح التصعيد المستمر لسكان فجيج بنمو وعي مُقاوم يُخالف تماما الخضوع الذي يتميّز به المغربي.

كما تكشف فيديوهات حيّة منتشرة على منصات التواصل الاجتماعي مسيرات رمزية قام بها سكان بعض المناطق الشرقية باتجّاه الحدود الجزائرية لطلب النجدة من جيرانهم، جرّاء الأوضاع المُميتة وانعدام أدنى شروط العيش والتكفّل، وإن كانت بعض المسيرات تأخذ طابعا رمزيا، إلا أنّ نشطاء أصبحوا ينادون بتنظيم “المسيرة البيضاء” التي ستكون باتّجاه الجزائر، حسب زعمهم.

كما ينشر مغاربة ومغربيات فيديوهات ومنشورات على منصات التواصل الاجتماعي، العشرات منها لاقت متابعات كبيرة، يطالبون فيها السلطات الجزائرية باسترجاع أراضيها، ويعلنون صراحة مطالبتهم بالجنسية الجزائرية.

ويستغل مغاربة كلَّ ما يُتاح للترويج لهذا المطلب وتوسيع رقعته شرق المملكة، فاعتبر بعضهم تسمية نادي المولودية الوجدية كامتداد لمولودية الجزائر، التي تأسست عام 1921، ليقوم رياضيو وجدة بتسمية فريقهم بنفس الاسم عام 1946، ما وصفه البعض بمثابة تأكيد على انتماء حضاري. كما ذهب البعض إلى الابحار في أصول ألقاب العديد من العائلات الوجدوية ليصل إلى كونها جزائرية المنبت، ومنتشرة بشكل مكثّف في العديد من المدن الجزائرية.

وتهكّما من المقترح المغربي للحكم الذاتي للصحراء الغربية، يقترح بعض نشطاء منصات التواصل الاجتماعي من جنسية مغربية فكرة الحكم الذاتي لوجدة ونواحيها تحت السيادة الجزائرية، لتتقاطع فكرتهم مع مقترح استفتاء تقرير المصير الذي وجد بيئة مناسبة مع التدهور المعيشي المستمر، وعدم قدرة المغرب لاحتواء تفاقم المشاكل الاجتماعية، وانعدام الدّخل لفئات عريضة من سكان الشريط الحدودي.

وقد تعرّض نشطاء من جنسية مغربية إلى الاعتقال بسبب مطالبتهم صراحة بضمّ مدن شرق وادي ملوية على غرار وجدة وبركان وتاسا وغيرها إلى الجزائر، كونّها حسب تصريحاتهم تنتمي تاريخيا واقتصاديا إلى الجزائر، وقد ركّز الكثير منهم على الجانب الاقتصادي مؤكّدين أنّها كانت تعيش بشكل كبير على الاقتصاد الجزائري، خصوصا المواد الأساسية التي تصلهم بأسعار مدعومة من الجزائر وبفارق أسعار شاسع بينها وبين المواد المعروضة من الجانب المغربي.

وصرّح مسؤولون عن الاحصاء في المغرب، خلال استعراضهم الرسمي لنتائج الاحصاء الذي قامت به المندوبية السامية للتخطيط عام 2024، أنّ البعض من ساكنة المناطق الشرقية للملكة لم يستجيبوا لعملية الاحصاء ورفضوها مبدئيا، بحجّة أنّهم جزائريون، ويتنامى هذا الاحساس بشكل ملفت لدى سكان مدينة بركان الذين يستشهدون بأصل مؤسس مدينتهم، سيدي محمد بركان، وهو محمد بن الحسن بن مخلوف بن مسعود بن سعد المزيلي الراشدي، المولود بتلمسان ويعود أصله إلى جبل راشد الواقع وسط الجزائر ضمن سلسلة الأطلس الصحراوي بين سلسلتي جبال أولاد نايل شرقا وجبال القصور غربا.

ومن الجانب الجزائري، فبالرغم من احترام الجزائر للمواثيق الدولية والحدود الرسمية المرسومة بين البلدين، وحرص المنظومة التربوية على هذا الجانب، إلا أنّ الكثير من النشطاء يطالبون أيضا باسترجاع مدينة وجدة وشرق وادي ملوية باعتبار الحدود الحقّة للجزائر، التي غيّرها الاستعمار في صفقات باطلة وهو ما تثبته كلّ الخرائط المتوفّرة قبل عهد الاستعمار الفرنسي. كما تذهب إلى ذلك مصادر تاريخية موثوقة منها (relation universelle de l’afrique ancienne et moderne) و (Description de l’Afrique) و(body of geography description of the earth) الذي يعود تاريخ نشرها إلى القرن السابع عشر.

وإن كان مطلب الحقّ في تقرير المصير لسكان شرق وادي ملوية، يعتبره البعض مجرّد تهكّم على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنّ ارتفاع نسبة مؤيّديه وانتشاره في أوساط مؤثّرة، جعله ينتقل إلى الواقع الذي انطلق منه، بشكل أنضج ومؤسَّس له تاريخيا واجتماعيا، كما تُغذيه بشكل مُبطّن الفلسفة التوسّعية للنظام العلوي الذي لا يزال يبحث عن حدوده “الحقّة” التي لا تتجاوز حدود مملكتي فاس ومراكش، غير أنّه يعمل على توفير الأسباب المُغذّية لهذا المطلب الانفصالي بتماديه في عرقلة تسوية قضية الصحراء الغربية في إطارها الأممي، واستقراره في حدوده المعترف بها دوليا، إضافة إلى تنامي الفقر وانعدام شروط الحياة الكريمة على الحدود الشرقية التي ستكون فتيل انفجار دويُّه سيتجاوز مطلب الحقّ في تقرير المصير.

وليد بحيري

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى