ملف خاص بالدورة الـ31: حين يقترن “نوفمبر الثورة بنوفمبر لمّ الشمل” القمة العربية في الجزائر ..نجاح بدرجة امتياز

فائزة سايح

“نوفمبر الثورة والعزة” “نوفمبر لم الشمل “، هكذا ارتأت الجزائر أن تكون في أكثر أيامها فخرا وذخرا، البيت الكبير الذي يجمع الأشقاء الذين مزّقهم الفراق والشقاق، في ذكرى الـ 68 لاندلاع الثورة التحريرية المباركة أرادت أن يكون احتفالها هذا العام محطة عربية فارقة ومفصلية في تاريخ العمل العربي المشترك، جزائر الشهداء زيّنت شوارعها بأعلام كافة الدول العربية إلى جانب العلم الوطني ، بالتزامن مع انعقاد الدورة 31 للقمة العربية، التي التئمت على وقع تحديات إقليمية ودولية، فكانت المخرجات من خلال “اعلان الجزائر” استثنائية وتاريخية ليشهد العالم في 2022 كما شهد عام 1954، أنّ قدر الجزائر صنع التاريخ، وللتاريخ مواقف، فكانت قمة العرب 31 قمة التاريخ والمواقف بامتياز …

 

روح نوفمبر ترفرف على العواصم العربية

لم يكن قرار الجزائر بعقد القمة العربية بالتزامن مع تاريخ الثورة التحريرية المجيدة، قرارا اعتباطيا بالنظر للرمزية التي يمثّلها هذا التاريخ في المخيال الجماعي للشعب الجزائري وحتى لدى الشعوب العربية. التاريخ يحمل في طياته اعترافا من أرض الشهداء بأن الدول العربية كانت حضن الثورة الدافى، فيوما ما كانت الأقطار العربية تتداعى لثورتنا المباركة كما يتداعى الجسد اذا مرض أحد أعضائه بالسهر والحمى..

شعوب بأكملها كانت تنام وتستيقظ على صوت إذاعة العرب، حينها كان الوجدان العربي في أعلى مستوياته، بما يعكس قيّم النضال المشترك والتفاف عربي غير مسبوق حول قيّم الحرية والتضحية التي تبناها الشعب الجزائري بدمه وروحه من أجل التحرّر والانعتاق.إن ثورة نوفمبر حوّلت الشعب الجزائري الذي أثقل كاهله المستدمر الغاشم لأزيد من قرن من الزمن، إلى قوة لا تقهر، تجاوزت الانقسامات ووحدت الطاقات النضالية و حوّلت تجربتها الاستعمارية المريرة والأليمة إلى نموذج تحرري قَلّ نظيره في كل العالم. ليكون هذا الموعد “فرصة للاشقاء العرب للاحتفال مع الشعب الجزائري بأمجاد هذه الأمة والاستلهام من همّتها في بلورة رؤية مستقبلية لتحقيق نهضة عربية شاملة”.

قمة بدون ورق

شهدت القمة العربية رقم 31 في الجزائر، تحولات رقمية واستخداما لافتا لوسائل التواصل الحديثة، في سابقة بتاريخ القمم العربية ، وقد تمكنت الجزائر من توفير الترتيبات اللازمة لعقد القمة العربية لأول مرة “من دون أوراق”، وهو ما يعتبر ” سابقة في تاريخ القمم العربية”.كما كشف اتحاد إذاعات الدول العربية، أن البث المباشر لمجريات أشغال الدورة الـ31 للقمة العربية ، تم بشكل إحترافي.

فلسطين على رأس أجندة القمة

رفعت الجزائر منذ استقلالها شعار مع فلسطين ظالمة او مظلومة و قد عززت الجزائر موقع القضية الفلسطينية ليكون على راس الاولويات خلال قمة الجزائر التي تاتي كذلك بالتزامن مع ذكرى وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917 و المظلمة التاريخية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني .
بدعوة من الرئيس عبد المجيد تبون اكد القادة العرب على مركزية القضية الفلسطينية ، والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف بما فيها حقه في الحرية وتقرير المصير وتجسيد دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط 4 حزيران 67 وعاصمتها القدس المستقلة ، مع حق العودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 ، لعام 1948.كما أكد القادة العرب على تمسكهم بمبادرة السلام العربية لعام 2002، كما طالبوا ايضا برفع الحصار عن غزة وثمنوا إعلان الجزائر بخصوص تبني ودعم توجه دولة فلسطين للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة .الى جانب ضرورة مرافقة الفلسطينين لتنفيذ الخطوات المتفق عليها في اعلان الجزائر.

سوريا …الغائبة الحاضرة

ورغم غياب سوريا عن القمة الا ان القادة العرب الملتئمين في الجزائر ، أعلنوا ضرورة القيام بدور جماعي قيادي للمساهمة في إنهاء الأزمة السورية ومعالجة كل تبعتها بما يضمن وحدة سوريا وسيادتها.

ملفات عربية عديدة وضعت على الطاولة

اتّجهت للأسف، عدة أزمات في المنطقة العربية نحو النزاع المسلح ، على غرار أزمات اليمن وليبيا والسودان والصومال إلى جانب سوريا ، وكان من نتائجها خسائر مدمّرة ومهلكة، لذا سعت قمة الجزائر إلى مخرجات تعود بالنفع أو حلحلة لهذه الأزمات، بما يتيح إمكانية إعادة السلم والأمن إلى هذه البلدان والنأي عن الخلافات والتنازع الذي تكون نتائجه وخيمة تصل الى تدمير مقدرات دول بأكملها وتشتيت شعبها، ومن هنا دعت الجزائر الى استراتيجية تقريب وجهات النظر وتجسير الهوة بين مختلف الآراء المتضاربة وتقريب وجهات النظر بالاعتماد على القواسم المشتركة التي تجمع أكثر مما تفرق لإعادة ترتيب البيت الداخلي. وهو ما ظهر بشكل جلي في معالجة بشكل الملف الليبي.

القمة العربية تحوّلت إلى قمة دولية بحضور شخصيات دولية

شهد التمثيل الرسمي في قمة الجزائر حضور ثلثي القادة العرب ، الى جانب حضور امين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش و ماكي سال الرئيس الحالي للاتحاد الإفريقي، بالإضافة إلى امين عام منظمة المؤتمر الاسلامي الهام علييف ، هذا الحضور غير المسبوق وجه ضربة موجعة للذين راهنوا على فشل القمة ، كما حمل في طياته دلالات نجاح كبير للقمة العربية . ووفقا لم تم رصده لبيانات صادرة عن بلدان جامعة الدول العربية، شارك بالقمة 17 زعيم عربي الى جانب رؤساء أعم المنظمات الدولية والاقليمية للتحول القم العربية إلى قمة دولية حظيت بمتابعة كبريات وسائل الاعلام الدولية.

رسائل هامة وصلت القمة من الرئيس الروسي والصيني

مجموعة الرسائل الهامة التي وصلت إلى قمة الجزائر من عدة شخصيات دولية تتقدمهم رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، التي أكدت أن عملية تشكيل نظام متعدد الأقطاب في العلاقات الدولية “تكتسب زخما”. ودعا إلى أن يقوم هذا النظام على احترام المصالح المشروعة للدول. وفي السياق، أشاد بوتين بأهمية دور الدول العربية في السياسة الدولية. وأوضح أن دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي يبلغ عدد سكانها قرابة نصف مليار نسمة “تلعب دورا متزايد الأهمية” في السياسة الدولية.
من جهته بعث الرئيس الصيني شي جين بينغ برسالة تهنئة إلى الرئيس عبد المجيد تبون، بمناسبة انعقاد القمة العربية الـ31 في الجزائر العاصمة ،وأعرب الرئيس الصيني عن تقديره لالتزام الجزائر طويل الأجل بتعزيز التضامن بين الدول العربية، ودورها النشط في حماية الحقوق والمصالح المشروعة للدول النامية وتأكيدها على أهمية التعاون الجماعي بين الصين والدول العربية.

نجاح منقطع النظير

تعرضت قمة الجزائر لعدة محاولات التشويش ، وسط رهانات على افشالها الا أن كل تلك الحسابات سقطت في الماء ، خاصة ودلالات نجاح القمة ظهرت بشكل واضح منذ البداية من خلال الروح التوافقية التي سادت في محادثات وزراء الخارجية التي سبقت لقاء القادة العربية . فكانت القمة بحق بمثابة اختبار مصيري و حاسم لكشف النوايا و مدى توفر الارادة لمواجهة التحديات الخطيرة التي تواجهها المنطقة العربية في ظل ظروف دولية شديدة التعقيد ، وبانعقاد القمة واختتام اشغالها بإعلان الجزائر يمكن أن نقول جازميين أن الجزائر أدت كل واجباتها وبذلت جهودا كبرى في لم الشمل ونجحت في هذه المهمة ايما نجاح، حتى أنها استبقت القمة بتوفير الارضية لجمع الفصائل الفلسطينية حول طاولة واحدة من اجل مصالحة تاخرت اكثر مما ينبغي كمقدمة لجمع صفوف العرب المشتتة والمتنافرة اصلا منذ عقود من الزمن ، لتأمين قمة الجزائر في وقت دقيق وحساس لتضميد بعضا من الجراح العربية النازفة .. وتكتب فصلا اخر من النجاح كما كتبته قبل 68 عاما أيام اندلاع ثورتها المباركة.

أهم التصريحات ….في سطور

الرئيس عبد المجيد تبون في كلمة قوية …

إن القمة العربية تنعقد في ظل ظروف إقليمية ودولية استثنائية بالغة التعقيد والحساسية.. أن الأمة العربية تشهد أزمات تتزامن مع تعاظم التحديات الداخلية والخارجية ،… “يتعين علينا جميعا بناء تكتل اقتصادي عربي منيع يحفظ مصالحنا المشتركة”، ورغم كل الأوضاع الدولية الراهنة تبقى قضيتنا المركزية الأولى هي القضية الفلسطينية.

 

الرئيس التونسي قيس السعيد ..


إن شعار القمة العربية في الجزائر “لمّ الشمل” يختزل ما نعيشه من شعور بضرورة تجاوز الأسباب التي أدت إلى أوضاعنا الحالية.. أنه يمكننا تجاوز أسباب الفرقة والمضي قدما نحو مستقبل أفضل لأمتنا العربية بل وللعالم، والعمل على الاتفاق معا على التكاتف والتعاضد، أن الأمة العربية تمر بظرف دولي استثنائي وغير مسبوق من حيث حجم التحديات .

 

الأمين العام للأمم المتحدة..

وفي كلمته خلال القمة، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش .. موقف المنظمة الدولية من قضية فلسطين “واضح”، وهو ضرورة أن يتقدم السلام وينتهي الاحتلال الإسرائيلي، أن “هدفنا المشترك يبقى هو قيام دولتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، وأن تكون القدس عاصمة لكلتا الدولتين”.

 

الأمين العام للجامعة العربية أبو الغيط..

” قمة الجزائر إحدى أكثر القمم العربية التي شهدت تمثيلا رفيع المستوى على مستوى الحضور ادعو إلى تسوية الوضع “المأزوم” في سوريا وغلق صفحة الماضي بآلامها، كما اشدد على أهمية القمة العربية بالجزائر في لم الشمل العربي ومواجهة التحديات وضغوطٍ التهديدات التي تواجهنا جميعاً.

 

رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان..

إن الوضع الحالي الذي يشهده العالم يُحتّم على الدول العربية اعتماد مشروع الاكتفاء الذاتي ، والأمن الغذائي العربي.

 

 

رئيس مجلس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي ..

ادعو إلى عدم التخلي عن لبنان في ظل الوضع الصعب الحالي الذي تمر به، إن لبنان ينطفئ في ظل وضع اقتصادي وأزمة هي الأسوأ من نوعها في تاريخ لبننا الحديث، “بلد الأرز تغير ولبنان ينطفئ نحن في دولة تعاني ونحارب بأقل الإمكانات حتى وصلنا إلى بعض المخارج”.

 

فايزة سايح

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى