مستقبل العلاقات الأمريكية-الإفريقية في ظل إدارة ترامب الجديدة

في علم العلاقات الدولية يوجد العديد من المتغيرات التي تتحكم في طبيعة العلاقات بين الدول وتحدد مستقبلها، ومن بين العلاقات التي تشهد في الآونة الاخيرة نوع من الدينامية السياسية والاقتصادية والامنية نجد العلاقات الامريكية الافريقية والتي تعتبر احد اهم العلاقات القائمة اليوم في المنظومة الدولية، ولطالما كان مستقبلها، موضع جدل و نقاش بين نخبة من السياسيين والأكاديميين والصحفيين المهتمين بالشؤون الافريقية والدراسات الأمنية والاستراتيجية، خاصة في ظل ماتعرفه طبيعة العلاقات الدولية في فترة مابعد كوفيد 19 و التغيرات الدولية الحاصلة والتنافس الكبير بين القوى العالمية على القارة الإفريقية. ومع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تثار العديد من التساؤلات المهمة حول الاستراتيجية الامريكية الجديدة تجاه افريفيا و مدى اهتمام إدارته الجديدة بالقارة الإفريقية التي تعد مستقبل العالم لما تتضمنه من موارد طبيعية و استراتيجية.

إفريقيا قلب العالم القديم و الجديد

تعد افريقيا من الناحية الاستراتيجية قلب العالم القديم، ومحل اهتمام كبير من قبل العديد من القوى الاستعمارية منذ القدم، وبرزت اهميتها اكثر منذ ان تم اكتشاف منطقة الرجاء الصالح التي جنبت الاوروبيين “البرتغاليون”، الاحتكاك مع المسلمين في رحالتهم التجارية مع الهند، وزادت اهميتها اكثر بعد ان تم اكتشاف الموارد الطبيعية الموجودة في القارة كالذهب والاماس وفيما بعد اكتشاف الذهب الأسود “البترول”، كل هذه الاستكشافات الجغرافية جعلت القارة محل اهتمام وتنافس بين القوى الدولية منذ عصر النهضة الى يومنا هذا، خاصة في الفترة الاخيرة مع صعود قوى دولية وإقليمية تسعى لتعزيز نفوذها في القارة. مثل الصين وروسيا، بالإضافة إلى تركيا والهند. بالمقابل، تراجع النفوذ الأوروبي الذي استحوذ على خيرات القارة لقرون، من القرن الثامن عشر الى القرن الواحد والعشرين، ومع تراجع الأدوار التقليدية لدول مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، أصبحت القارة محل تنافس لقوى عالمية تريد بسط نفوذها اكثر مع استغلال الفراغ الذي خلفته القوى التقليدية، حيث تسعى الصين لتعزيز استثماراتها خاصة في البنية التحتية وبناء مشاريع ضخمة تخدم طموحها الاستراتيجي المتمثّل في الحزام والطريق (طريق الحرير سابقا) والذي يربط الصين بالعالم، بينما تعمل روسيا على توسيع وجودها العسكري والدبلوماسي في معركة جيوسياسية للخروج من الطوق الذي تريد امريكا ان تفرضه عليها . اما تركيا والهند القوى الاقليمية الصاعدة في المنظومة الدولية لما بعد الحرب الباردة بدورهما تسعيان لتعزيز شراكاتهما الاقتصادية والسياسية مع الدول الإفريقية، مما يجعل إفريقيا محورًا استراتيجيًا للصراعات العالمية.

الولايات المتحدة الامريكية وافريقيا

من الناحية التاريخية لم تحظ إفريقيا باهتمام شديد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وجل الادارات الامريكية المتعاقبة لم تكن افريقيا أولويتها، وحتى وقت قريب خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، والتي عرفت تنامي الصين اقتصاديا وتوسعها في معظم مناطق العالم، لم تركز امريكا على تقويض نفوذ الصين في القارة الافريقية بل ركزت بشكل كبير على احتوائها في اقليمها لاسيما في آسيا وأمريكا اللاتينية. ومع ذلك، فإن عدم التركيز هذا على القارة الافريقية سمح لقوى منافسة لامريكا على صعيد النظام الدولي كالصين وروسيا، بتعزيز وجودها في القارة.

ادارة ترامب تجعل من القارة الإفريقية محل اهتمام

تشير التحليلات إلى أن إدارة ترامب الجديدة قد تركز على احتواء النفوذ الصيني في معظم مناطق توسّعه، وهو ما قد يمتد إلى إفريقيا في السنوات القادمة. إذا نجحت الإدارة في فرض طوق استراتيجي على الصين في آسيا وأمريكا اللاتينية، فقد تنتقل المنافسة إلى إفريقيا، مما قد يحوّل القارة إلى مسرح صراعات جديدة بين القوى الكبرى.

مستقبل إفريقيا في ظل التنافس الدولي

في ظل احتدام المنافسة الجيوسياسية بين القوى الكبرى على مناطق النفوذ، توضح تقارير ودراسات استراتيجية امكانية تصادم هذه القوى مستقبلا في القارة الافريقية وتحوّلها الى حلبة صراع كما هو حاصل في منطقة الشرق الأوسط، لكن يبقى هناك احتمالية لتجنب هذا الارتطام بين القوى العالمية اذا عملت دول القارة على تعزيز شراكتها فيما بينها و تنويعها مع مختلف القوى الاقليمية والدولية واستغلال الجيد لهذا التنافس الدولي من اجل تحقيق التوازن بما يضمن الاستقرار والسلام للقارة.
هذا ويظل مستقبل العلاقات الأمريكية-الإفريقية مرهونًا بمدى اهتمام إدارة ترامب الجديدة بالقارة، وما إذا كانت ستسعى إلى منافسة القوى الأخرى فيها أم ستواصل تجاهلها في استراتيجيتها المتعلقة بالأمن القومي. ويبقى في الاخير مستقبل العلاقات مبني على الطرفين بحكم ان للقارة الإفريقية دور مهم في تشكيل ملامحه.

مهدي الباز

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى