لماذا تحاشى الإعلام عنوان إصدار رشيد بوجدرة «زناة التاريخ»؟
مهدي الباز

جلّ وسائل الإعلام الجزائرية تداولت خبر الإصدار الجديد للروائي الجزائري رشيد بوجدرة، أحد أبرز الأصوات الأدبية الجزائرية التي لا تزال تكتب على تخوم المحظور والمسكوت عنه. لكن السؤال الأهم، والأكثر إثارة للتأمل، لا يتعلق بفحوى الاصدار أو بنجاحهه المتوقع، بل بما تحاشته معظم وسائل الإعلام: عنوان الكتاب ذاته، “زناة التاريخ”.
هذا التحاشي ، يفتح الباب على مصراعيه أمام تساؤلات مشروعة حول مدى استعداد الإعلام الجزائري للتعامل مع الأدب بوصفه فعلاً صادماً، لا مجرّد مادة ترويجية.
رشيد بوجدرة لم يختر عنوانه اعتباطاً، فهو كاتب ذاع صيته في مجال الأدب والرواية وبالتحديد في مساءلة الهوية والانتماء ، عنوان «زناة التاريخ» لا يمكن قراءته قراءة سطحية أو أخلاقوية، بل يجب أن يُفهم ضمن سياق أدبي وفلسفي أعمق، يُدين أولئك الذين اغتصبوا الذاكرة الجماعية، وحرّفوا سياق الأحداث بما يخدم مصالحهم، ويرسّخ سلطتهم. بوجدرة هنا لا يتحدث عن الزنا بمعناه المباشر، بل عن فعل الخيانة الرمزية للتاريخ، عن تدنيس المعنى وتشويه الحقائق التاريخية.
جاء كردّ فعل للحملة المضللة التي يقودها مثقفين ذوي توجّهات متطرفة ضد هوية الوطن أمثال صنصال وكمال داود ومن دعّمهم من ذوي الفكر الكولونيالي الهرم.
لكن الإعلام في تعاطيه مع هذا العنوان، بدا وكأنه غير مستعد لمواجهة هذه الجرأة، أو أنه اختار أن يُمارس رقابة ذاتية تحت ذرائع كثيرة: احترام الذوق العام، تجنّب الصدام مع السلطات أو الجمهور . والنتيجة أن كثيراً من المقالات الخبرية التي تناولت الخبر، اختارت الإشارة إليه بلغة فضفاضة: «العمل الجديد»، «الرواية الأخيرة»، أو «الإصدار المثير للجدل»… دون أن يُذكر العنوان صراحة.
هذا التحاشي لا يُعدّ سلوكاً إعلامياً بريئاً، بل يعكس أزمة في الخطاب الاعلامي ، الذي كثيراً ما يرفع شعارات الحداثة ، لكنه يتراجع عند أول اختبار حقيقي. فكيف يمكن لوسائل الإعلام أن تُعلي من شأن الأدب، وفي الوقت نفسه تُمرّر عليه مقصّ الرقابة؟؟
في الواقع، ما وقع مع اصدار بوجدرة يُظهر أن المعركة ما زالت قائمة بين الجرأة الأدبية والتحفّظ الإعلامي، بين الصدمة الفنية والخوف من ردود الفعل. وهو ما يُعيدنا إلى السؤال الجوهري: هل نحن فعلاً مجتمع يقبل بالنقد الأدبي الصادم، أم أننا نُفضّل خطاباً ناعماً، مروضاً، لا يخدش السكون العام؟
بوجدرة، من جهته، لا يكتب ليُرضي، بل ليعبّر عن ما يوجد في كيانه، أما الإعلام، فبصمته عن عنوان «زناة التاريخ»، إنما يكشف أنه لا يزال متردّداً في خوض معركة الكلمة حتى نهايتها، وأنه، في كثير من الأحيان، يختار السلامة على الحقيقة.
وبين أديب يكتب بلا خوف، وإعلام يتكلّم بنصف صوت، تظلّ الكلمة الحرة، كما التاريخ، عرضة للاغتصاب.
مهدي الباز
