قضية الصحراء الغربية: بين تناقضات مجلس الأمن ووهم الانتصار المغربي
مهدي الباز

أصبحت القضايا والملفات العربية والإفريقية المصيرية، التي تمسّ الشعوب في عمقها، مجرّد مسائل سياسية وفقط عندما تُرفع إلى مجلس الأمن الدولي، الهيئة التي كان يُفترض أن تضطلع بدورٍ جادٍّ في فضّ النزاعات وإيجاد حلولٍ واقعية تضمن حقوق جميع الأطراف بعيدًا عن الانحياز أو المساهمة في تأزيم الأوضاع.
إن ما حدث يوم الجمعة داخل مجلس الأمن يعكس حجم الأزمة البنيوية التي يعيشها النظام الدولي برمّته. فالجهاز الذي أُنشئ لحفظ الأمن والسلم الدوليين بات يُصدر قراراتٍ متناقضة تزرع الشكّ في دوره ومصداقيته.
القرار الذي اعتمده المجلس يوم الجمعة بشأن قضية الصحراء الغربية يكرّس هذا التناقض الواضح؛ إذ دعا إلى تجديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) لمدة اثني عشر شهرًا، إلى غاية 31 أكتوبر 2026، منهياً بذلك العمل بالصيغة السابقة التي كانت تجدد الولاية لفتراتٍ أقصر.
ويأتي هذا التمديد بفضل الجهود الدبلوماسية الجزائرية التي سعت، كعادتها، إلى الدفاع عن القضايا العادلة وحماية جوهر الملف الصحراوي من محاولات التحريف والتشويه التي يقودها “ثلاثي الظلام” المنحاز بشكلٍ مُخزٍ للأطروحة المغربية. فقد تمكّنت الجزائر من إعادة التوازن إلى نص القرار، بعد أن حاول “ثلاثي الظلام” طمس مبدأ تقرير المصير الذي يُشكّل الأساس القانوني والسياسي لهذه القضية.
غير أنّ مجلس الأمن عاد في نص قراره ليؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي التي تطرحها الرباط قد تُشكّل أحد الحلول الممكنة لإنهاء النزاع — وليس الحل النهائي — داعيًا الأطراف إلى استئناف المفاوضات المباشرة بغية التوصل إلى حلٍّ عادل ودائم ومقبول للطرفين، قائم على التوافق ووفقًا لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك مبدأ تقرير المصير.
وهنا تتجلّى المفارقة العميقة في الموقف الأممي: فكيف يمكن الحديث عن حق تقرير المصير وفي الوقت ذاته اعتماد الحكم الذاتي كأساسٍ للمفاوضات؟ وكيف يمكن التوفيق بين طرحٍ يفرض وصاية سياسية على الشعب الصحراوي وبين مبدأٍ جوهري في القانون الدولي يضمن حرية الشعوب في اختيار مصيرها؟
إن هذا التناقض البنيوي يُفرغ النصّ من مضمونه، ويحوّل القرار الأممي إلى مجرّد وثيقة إجرائية تُبقي الوضع كما هو دون أي تقدم فعلي نحو الحلّ. فالقرار لم يفرض أي مقاربة جديدة، بل اكتفى بتمديد عمل بعثة المينورسو، تاركًا القضية معلّقة في حلقةٍ مفرغة من إدارة الأزمة بدل حلّها.
ورغم التحسينات التي تم إدخالها على نص القرار بفضل التحركات الجزائرية، إلا أنه — كما أشار إليه ممثل الجزائر الدائم لدى الأمم المتحدة عامر بن جامع — لا يعكس بالشكل الكافي جوهر مبدأ تقرير المصير الذي تقوم عليه عقيدة الأمم المتحدة في قضايا تصفية الاستعمار، وهو المبدأ ذاته الذي مكّن شعوبًا عديدة من نيل استقلالها والانضمام إلى المنظمة الدولية.
وفي هذا السياق، أكدت جبهة البوليساريو، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، في بيانها الأخير عقب صدور القرار، أن المقاربات الأحادية لن تؤدي إلا إلى تفاقم النزاع وتعريض السلم في المنطقة للخطر، مشددة على أنها لن تكون طرفًا في أي مفاوضات سياسية تقوم على مقترحاتٍ لا تحترم حقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره بحريةٍ واستقلال.
وهكذا، يتضح أن المنظومة الدولية تقف اليوم أمام اختبارٍ حقيقي للمصداقية: فإما أن تلتزم بمبادئها المؤسسة القائمة على العدالة والشرعية، أو تستمر في إنتاج قراراتٍ رمادية تُغذّي النزاعات بدل حلّها.
إنّ قضية الصحراء الغربية ليست مجرّد نزاعٍ إقليمي، بل مقياسٌ حقيقيّ لمدى قدرة جهازٍ أمميٍّ مثل مجلس الأمن على السهر على تحقيق السلم والأمن الدوليين، في ظلّ مطالب دولية متزايدة بإصلاح منظومة العمل الأممي التي باتت تُتَّهم بالعجز والازدواجية. فالقضية الصحراوية، بما تحمله من أبعاد قانونية وسياسية وإنسانية، تكشف بوضوح عمق الاختلال في ميزان العدالة داخل النظام الدولي الراهن، حيث تتقدّم منطق المصالح والتحالفات على حساب مبادئ الشرعية الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
ومن خلال متابعة مداولات مجلس الأمن حول هذا الملف، يبدو واضحًا أن هيئة يُفترض أن تكون ضامنًا للعدالة والسلم، أصبحت ساحة لتجاذب الإرادات ومسرحًا لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، مما يجعل القرارات الصادرة عنها تعكس أكثر توازنات النفوذ منها روح العدالة التي أُنشئت من أجلها الأمم المتحدة.
وفي الوقت الذي يروّج فيه نظام المخزن لانتصارٍ مزعوم في قضيةٍ لم تُحسم بعد، فإنّ الحقيقة الميدانية والقانونية تؤكد أنّ الملف لا يزال مفتوحًا، وأنّ كل تمديدٍ للمينورسو هو تأكيد جديد على أن القضية لم تُغلق، وأن الشعب الصحراوي ما زال صاحب الكلمة الأخيرة في تقرير مصيره.
ويبقى السؤال قائمًا: كيف يمكن أن يُعلن المخزن انتصاره في ملفٍّ لم يُغلق بعد، وفي قضيةٍ ما تزال في صميم أجندة الأمم المتحدة منذ نصف قرن؟
