عودة ترامب إلى البيت الأبيض تلوّح بحرب تجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وسط مخاوف أوروبية من التفكك والانهيار

يبدو أن الحرب التجارية بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية على الأبواب، فمنذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فوزه بالانتخابات الأمريكية هذا الشهر، والعالم كله يترقّب، وخاصة الدول الأوروبية التي تضررت كثيرًا من الناحية الاقتصادية بسبب التغيرات الجيوسياسية والجيوستراتيجية الراهنة.

فالعديد من المسؤولين وصنّاع القرار في الاتحاد الأوروبي كانوا متخوّفين كثيرًا من عودة دونالد ترامب، الرجل الاقتصادي الذي لا يفكر إلا في المال والمصالح الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية وفقط، ويجعلها أعلى من أي اعتبارات حتى لو تعلق الأمر بالشراكات والتحالفات السياسية القائمة. فقد حذّر مسؤولون في البنك المركزي الأوروبي من استعداد إدارة ترامب الجديدة لانتهاج سياسات حمائية، والتي ستؤثر بشكل كبير على النمو الاقتصادي العالمي. كما دعوا إلى الاستعداد لمواجهة تحديات اقتصادية محتملة في الأيام القادمة.

 عودة ترامب … تغييرات اقتصادية منتظرة

يبدو أن عودة رجل الأعمال الكبير دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ستحمل معها العديد من المفاجآت والتغيرات الاقتصادية على الصعيد العالمي، وبشكل أكثر حدّة من ذي قبل. فالرجل لا يهتم بالاقتصاد العالمي بقدر تحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية، حتى وإن كان ذلك على حساب المصالح الاقتصادية لحلفائه التقليديين.

والمتتبع للشأن الاقتصادي يدرك جيدًا أهمية الاقتصاد الأمريكي بالنسبة لمجمل اقتصادات العالم، فالاقتصاد الأمريكي هو حجر الزاوية، وعليه، فإن أي تغييرات تطرأ على اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية ستؤثر بشكل كبير على معظم اقتصادات الدول، بحكم أن المعاملات الاقتصادية الكبرى اليوم هي في حوزة الولايات المتحدة الأمريكية.

حتى أن أهداف ترامب الاقتصادية اليوم أصبحت محل اهتمام معظم صناع القرار في العالم لفهم طبيعة هذه الأهداف وتداعياتها على المنظومة الاقتصادية العالمية. فقد وعد ترامب، قبل أن يصل إلى البيت الأبيض للمرة الثانية، بزيادة كبيرة في الحواجز التجارية، بما في ذلك فرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 10% على الواردات من جميع الدول، بالإضافة إلى رسوم بنسبة 60% على الواردات الصينية، بهدف تقليص العجز التجاري للولايات المتحدة.

ولم يتوقف عند هذا الحد، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، حيث يريد تشجيع الاستثمارات المحلية على حساب الاستثمارات الأجنبية ودعم الشركات المحلية. كما أعلن عن مزيد من الرسوم الجمركية على معظم واردات المنتجات الأوروبية، خاصة واردات الصلب والألمنيوم. وأعلن دعمه لمختلف الصناعات المحلية، خاصة دعم شركات الطيران الكبرى، مما يجعل أوروبا المتضرر الأكبر من مثل هذه الإجراءات التي تمسّ عصب اقتصادها وتدخل العلاقات الأوروبية الأمريكية في حالة تنافس وشيك وربما إلى أبعد من ذلك، أي حرب تجارية بينهما، تداعياتها ستكون وخيمة على أوروبا.

 مخاوف أوروبية من سياسات ترامب الاقتصادية

سبق وأن أشرنا في البداية إلى أن الدول الأوروبية اليوم في حالة من التوتّر وعدم اليقين من تصرفات الرجل الاقتصادي “ترامب” تجاه اتفاقيات الشراكة بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. ومعظم التصريحات الإعلامية لمختلف مسؤولي البنوك المركزية الأوروبية خير دليل على هذا التخوف الشديد. ففي تصريح لوسائل الإعلام، أكد رئيس البنك المركزي الفنلندي، أولي رين، أن ما يريد القيام به ترامب، خاصة فيما يتعلق بالرسوم الجمركية المرتفعة، حتمًا له تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي.

كما شدّد على ضرورة تجنب الحرب التجارية بين أمريكا وأوروبا، قائلًا: “حرب تجارية جديدة هي آخر شيء نحتاجه في الوقت الحالي، خصوصًا في ظل التوترات الجيوسياسية المتزايدة بين الحلفاء”. وحذّر رئيس البنك المركزي النمساوي، روبرت هولزمان، من أن هذه السياسات إذا تمّ تنفيذها، ستؤدي إلى إبقاء أسعار الفائدة الأمريكية والتضخم عند مستويات مرتفعة، مما سيفرض ضغوطًا على الأسعار في مناطق أخرى من العالم.

وأضاف هولزمان: “ترامب جاد فيما يقوله، ومن المحتمل أن ينفذ تلك السياسات أسرع مما نتوقع. إذا حدث ذلك، فما الذي تتوقعه الأسواق؟… أسعار فائدة مرتفعة وتضخم أعلى. وهذا سيضغط على الدولار، مما يزيد التضخم في منطقة اليورو”. وأوضح هولزمان أن قوة الدولار إذا اقتربت من التكافؤ مع اليورو سيكون لها تأثير كبير على تكاليف الواردات، خاصة الطاقة، مما يجعل من الصعب على البنك المركزي الأوروبي تحقيق هدفه المتمثل في التضخم بنسبة 2%، وقد يؤجل ذلك بشكل أكبر.

التوترات الاقتصادية بين أمريكا وأوروبا تضعف الاتحاد الأوروبي

يبدو أن الاتحاد الأوروبي على وشك دخول نفق اقتصادي وسياسي مظلم سيؤدي به إلى الانهيار، خاصة وأن الأوضاع الجيوسياسية الراهنة أصبحت أكثر حدّة على المنظومة الأوروبية بشكل خاص. وانهيار الاتحاد الأوروبي وارد، خصوصًا إذا استطاعت روسيا إنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية بطريقتها أو بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، مما يعني أن كل جهود أوروبا قد تذهب سدى. من جهة أخرى، فإن عودة ترامب أصبحت عاملًا مؤثرًا اليوم في مختلف الأحداث الجيوسياسية والاقتصادية، ومن الممكن أن تخلق أزمة داخل الاتحاد الأوروبي حول طريقة تعامل الدول الأوروبية مع نهجه الاقتصادي، فهو تحدي حقيقي للاتحاد الأوروبي وكيفية مواجهته.

عودة ترامب اليوم قد تساهم بشكل كبير في بعث الخلافات الأوروبية حول كيفية التعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية. بعض الدول الأوروبية تريد توثيق علاقاتها مع واشنطن، بينما ترى دول أخرى ضرورة انتهاج سياسات أكثر استقلالية لحماية مصالحها الاقتصادية.

ما يؤكد هذا القول هو تصريح رئيس البنك المركزي الفنلندي، أولي رين، عندما قال: “إن التوترات التجارية بين الولايات المتحدة وأوروبا تصاعدت خلال ولاية ترامب الأولى، حيث وجدت أوروبا صعوبة في تنسيق رد موحد على السياسات الأمريكية، وهو خطأ يجب ألا يتكرر هذه المرة”. وأضاف رين: “إذا نشبت حرب تجارية، يجب ألا تكون أوروبا غير مستعدة كما كانت في 2018”.

واستطرد: “البنك المركزي الأوروبي يجب أن يكون مرساة لاستقرار الاقتصاد والمالية في هذا السياق من التحديات الكبيرة، ضمن حدود صلاحياته. ويجب ألا يشكك أحد في أننا سنتحمل هذه المسؤولية بالكامل”.

تصريحات في مجملها تؤكد أن الحرب التجارية على الأبواب وأن ناقوس الخطر قد دُق من قبل صناع القرار السياسي والاقتصادي في أوروبا، تفاديًا لأي انهيار محتمل للمنظومة الاقتصادية الأوروبية، التي كانت الحجر الأساسي لتوحيد أوروبا وجعلها كيانًا سياسيًا واحدًا بعد أن مزقتها الحروب في حربين عالميتين. لهذا، تسعى أوروبا اليوم للحفاظ على الوحدة بعيدًا عن الخلافات السياسة القديمة التي دفنتها الطموحات الاقتصادية المشتركة و الموحدة.

مهدي الباز

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى