عطاف يُشرف بأديس أبابا على الإطلاق الرسمي لحملة مرشحة الجزائر لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي
أشرف وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، مساء أمس الإثنين، بأديس أبابا، على الإطلاق الرسمي لحملة مرشحة الجزائر لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، السفيرة سلمى مليكة حدادي، وذلك على هامش الزيارة الرسمية التي يقوم بها إلى إثيوبيا.
شرف الدين عبد النور
النص الكامل لكلمة وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، خلال إشرافه على الإطلاق الرسمي لحملة مرشحة الجزائر لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، السفيرة سلمة مليكة حدادي
“أصحاب السعادة السفراء والممثلين الدائمين،
– أصحاب السعادة كبار المسؤولين في مفوضية الاتحاد الأفريقي،
– السيدات والسادة الأفاضل،
– الضيوف الكرام،
أنعم الله مساءكم جميعاً
أودّ، بادئ ذي بدء، أن أرحب بكم ترحيباً حاراً وأشكركم جزيل الشكر على حضوركم هذا المساء في هذه الفعالية العائلية المخصصة لتقديم مرشحة الجزائر لمنصب نائبة رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي.
واسمحوا لي أيضا أن أنقل إليكم جميعا أحرّ وخالص تحيات رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، الذي يولي أهمية كبيرة لجهودكم ولدور منظمتنا القارية، الاتحاد الإفريقي. إن الرئيس عبد المجيد تبون، وعلى غرار نظرائه رؤساء دول وحكومات البلدان الإفريقية، حريص أيّما حرص على مستقبل منظمتنا وملتزم تمام الالتزام بتقديم الجزائر لإسهاماتها في تعزيز أجندتنا الجماعية من أجل السلام والاستقرار والاندماج والازدهار المشترك.
بعد شهرين من الآن، ستتاح الفرصة للدول الأعضاء في منظمتنا لانتخاب قيادة جديدة لمفوضية الاتحاد الأفريقي. وقد تبدو هذه العملية مهمة عادية أو بسيطة، على اعتبار أننا قد مررنا بنفس الممارسة خمس مرات على الأقل منذ الانتقال من منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي، وما لا يقل عن خمسة عشر مرة منذ إنشاء منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963.
وبغض النظر عن هذا السجل الحافل، فإننا نعتقد جازمين أن الانتخابات القادمة ليست بالانتخابات العادية على الإطلاق!
إنها ليست انتخابات عادية، لأن الأوقات التي نعيشها ليست أوقاتًا عادية. فهي أوقات أزمة معقدة، وأوقات اضطراب عميق، والأكثر وضوحًا أنها أوقات من عدم اليقين في جميع أنحاء العالم. ففي هذه الأوقات:
لم يعد من الممكن التأكيد على أن القانون الدولي فوق الجميع، زماناً ومكاناً،
كما لم يعد من الممكن الاعتماد على منظومة الأمن الجماعي لتحقيق السلام الإقليمي والاستقرار العالمي،
وأخيراً وليس آخراً، لم يعد ممكناً الادعاء بأن النظام الدولي يحمي الضعيف من القوي وأنه يوحد العالم حول معايير ومبادئ وقيم عالمية.
إنّ هذه الديناميكيات الخطيرة أصبحت تلعب دورها في كل حالة من حالات الأزمات حول العالم تقريبًا:
فلقد رأينا جميعاً كيف أصبح منطق ازدواجية المعايير واضحاً في مواجهة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تُرتكب علناً وبكل وقاحة ضد المدنيين،
ورأينا جميعًا أيضًا كيف أصبح الاستخدام المفرط للقوة نمطًا مميزًا للهيمنة على الآخر وتعزيز المصالح الضيقة على حساب الصالح العام العالمي،
وأخيرًا وليس آخرًا، رأينا جميعًا كيف تم إضعاف، بل وتهميش المنظمات العالمية، مثل الأمم المتحدة، بينما بؤر الأزمات والتوترات والصراعات في ازدياد وتفاقم وتوسع إقليميًا وعالميًا.
ومن الواضح أن العالم في حاجة ماسة إلى قدر كبير من الحكمة السياسية والبصيرة الاستراتيجية، وهما قيمتان لطالما ميزتا العائلة الأفريقية. ولهذا فإننا نتطلع إلى أن تلعب منظمتنا القارية، الاتحاد الأفريقي، دورًا بارزًا في معالجة هذا الوضع العالمي المؤسف، مع المرافعة عن القواعد والمبادئ التي تشكل الأساس المتين للنظام الدولي المعاصر.
إذ أن هناك حاجة ماسة ومستعجلة إلى إسماع صوت منظمتنا وضمان مساهمتها بشكل نشط وحيوي.
وبالفعل، لا يمكن للاتحاد الأفريقي أن يبقى مكتوف الأيادي في مواجهة التحديات التي لا تزال تتكشف بلا هوادة في قارتنا نتيجة الاستقطابات المستمرة والانقسامات المتزايدة في جميع أنحاء العالم. فالتهديدات المتصاعدة للتدخلات الخارجية ذات الأبعاد المتعددة، وتهديدات الإرهاب والجرائم العابرة للحدود بجميع أنواعها، وكذلك التهديدات المتعلقة بعدم الاستقرار السياسي والعجز الاقتصادي المزمن، كلها تطورات مقلقة تستحق من منظمتنا التفاني الثابت والاهتمام البالغ والعمل الحاسم.
وبذات القدر، لا يمكن للاتحاد الأفريقي أن يتهرب من الفرص العديدة المتاحة أمامه لتأكيد مكانته الصحيحة على الساحة العالمية. فقد حققت أفريقيا في الآونة الأخيرة اختراقات كبيرة يجب تعزيزها ومتابعتها وإحاطتها بالرعاية اللازمة خدمة لأجندتنا التنموية الجماعية، الأجندة 2063، على نحو أفضل.
وأقصد، في هذا الصدد، ما أحبّذ أن أسميه”المساعي الجماعية الاستراتيجية“ التي يتعين على منظمتنا أن تتعامل معها بجدية في الفترة المقبلة، والتي تتمثل فيما يلي:
المسعى الجماعي الاستراتيجي الأول هو قبول الاتحاد الأفريقي كعضو دائم في مجموعة العشرين. فهذه العضوية ليست غاية في حد ذاتها وينبغي ألا تكون كذلك. فبالنظر إلى المستقبل، سيتعين على أفريقيا أن تكسب رهان التحضير المناسب للاستفادة الكاملة من تلك العضوية في تعزيز أولوياتها وطموحاتها وتطلعاتها.
أما المسعى الجماعي الاستراتيجي الثاني فيتمثل في تكريس “الملكية الإفريقية” لجهود حفظ وبناء السلام في قارتنا عقب اعتماد قرار مجلس الأمن 2719 في العام الماضي بشأن تمويل عمليات السلام التي يقودها الاتحاد الأفريقي. وينبغي أن تتوجه جهودنا في المستقبل القريب نحو ترجمة هذا المكسب الدبلوماسي إلى تدابير ملموسة على أرض الواقع.
ويتعلق المسعى الجماعي الاستراتيجي الثالث بالدعم المتزايد لمشروعية المطالب الأفريقية فيما يتعلق بإصلاح مجلس الأمن الأممي. ومن واجبنا في المستقبل اغتنام هذه الديناميكية الإيجابية والبناء عليها لضمان مراعاة التطلعات الجماعية لدولنا الأعضاء الـ 55 على النحو الواجب، وضمان التعاطي معها بجدية كأولوية في عملية الإصلاح الجارية.
أما المسعى الجماعي الاستراتيجي الرابع والأخير فيتعلق بإصلاح المؤسسات المالية الدولية.
وهنا أيضا ينبغي أن ننوه بأنّ النداءات التي ما فتئنا نطلقها باستمرار لإنهاء تهميش أفريقيا قد أضحت تؤخذ في الحسبان أكثر فأكثر، مما يجعل من الضروري أن نخرج برؤية واضحة وعملية بشأن كيفية المضي قدما بهذا المسعى.
أصحاب المعالي والسعادة،
السيدات والسادة،
إنّ تجاوز التحديات المعقدة التي ذكرتها آنفاً واستغلال الفرص الواعدة التي أشرت إليها للتو، يتطلب أن تتوفر منظمتنا على مفوضية قوية وفعالة ومحترفة، يقودها فريق عمل على مستوى عالٍ من الكفاءة والتفاني والالتزام، فريق قادر على تعزيز المكاسب المحققة، وصياغة آفاق جديدة للقارة ودولها الأعضاء وشعوبها.
إنني أؤمن إيمانًا راسخًا بأن المرشحين الأكثر تأهيلاً وخبرةً، والذين يُظهرون أعلى معايير النزاهة الأخلاقية والمهارات المهنية والدبلوماسية، فضلاً عن المعرفة والفهم العميقين للمنظمة، هم فقط من يجب أن تُتاح لهم الفرصة للعمل في المناصب القيادية في مفوضية الاتحاد الأفريقي.
ومن هذا المنظور، وانطلاقًا من التزامها طويل الأمد الذي لم تتخل عنه يوما تجاه الوحدة الأفريقية، قررت الحكومة الجزائرية أن تتقدم رسميًا بترشيح واحدة من أكثر بناتها نزاهةً وكفاءةً من حيث الانتماء الإفريقي، لمنصب نائب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، في شخص السفيرة سلمة مليكة حدادي.
إن السفيرة حدادي، التي عُينت مؤخرا سفيرة لدى إثيوبيا وممثلة دائمة لدى الاتحاد الأفريقي ولدى لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، هي خبيرة قانونية متمكنة ودبلوماسية محنكة. كما أنها أخت وزميلة لكم تعرفونها تمام المعرفة، سواء في لجنة الممثلين الدائمين أو في مفوضية الاتحاد الأفريقي.
وتتجلى خبرتها الكبيرة والغنية في الشؤون الإفريقية والدولية من خلال تجربتها القيمة والثرية في مختلف المناصب التي شغلتها سواء في الجزائر كمديرة عامة للشؤون الإفريقية، أو في مختلف البعثات الدبلوماسية في إفريقيا، بما في ذلك في كينيا وهنا في أديس أبابا، وكذلك في مراكز دبلوماسية أخرى متعددة الأطراف مثل مكتب الأمم المتحدة بجنيف.
وكما أثبتت جدارتها باقتدار في المناصب السابقة التي تولتها، كونوا على يقين بأنّ السفيرة سلمة مليكة حدادي لن تدخر جهدا، في حال انتخابها، لضمان أن تسير مفوضية منظمتنا القارية وفق أسمى معايير المناجمنت من حيث الموارد البشرية والمالية. وبفضل ثقتكم ودعمكم، فإنها ستجلب للمفوضية الطاقة الضرورية والديناميكية المطلوبة والكفاءة المنشودة لإدارة أكثر نجاعة وفعالية بغية إطلاق العنان للإمكانات الهائلة لأفريقيا التي نريدها وأفريقيا التي نعتز بها.
هناك قول مأثور ظهر أثناء مقاومة نظام الفصل العنصري بجنوب أفريقيا يتحدث عن مساهمة المرأة في الكفاح ضد الاضطهاد. ويترجم هذا القول المأثور على النحو التالي:”أن تضرب امرأة؛ فإنك تضرب صخرة“. وأستطيع أن أؤكد لكم أن السفيرة سلمة مليكة حدادي ستكون، في حال انتخابها، صخرة في هيكل إدارة الاتحاد الأفريقي:
صخرة تعزز وحدة منظمتنا،
وصخرة تعزز صمود العمل الأفريقي المشترك،
وصخرة تبني تماسك الفريق القيادي الجديد لمفوضية الاتحاد الأفريقي.
فكونوا على اطمئنان بأن مرشحة الجزائر ستكون اليد الأمينة التي يمكن أن يعهد إليها بهذه المسؤولية الثقيلة، فالسفيرة حدادي على أتم الاستعداد للخدمة، وعلى أتم الاستعداد للقيادة، وعلى أتم الاستعداد كذلك للوفاء بالثقة التي نأمل أن تنالها في فبراير المقبل.
واسمحوا لي أن أختتم كلمتي بأن أقول بوضوح:
أنّ ترشيح الجزائر ليس بحثا عبثيا عن الوجاهة والزعامة،
وأنّ ترشيح الجزائر ليس بحثاً عديم الجدوى عن النفوذ،
وأنّ ترشيح الجزائر ليس سعيًا وراء الأمجاد،
كما أنّ ترشيح الجزائر ليس نابعًا من رغبة مفاجأة في تسجيل نقاط سياسية.
فترشيح الجزائر ليس له علاقة بكل هذا إطلاقا، وإنما:
هو ينبع من عزيمة قوية ترمي إلى خدمة اتحادنا الإفريقي بكل جدّ وإخلاص،
وهو ينبع من إيمان قوي بأن ترشيحها جاء في سياقه المناسب بكل ما يكتنفه من تحدياته وتطلعات على مستوى الفضاء القاري الجديد،
وأخيرا، فإن هذا الترشيح قد تأتّى من منطلق إحساس داخلي عميق بالواجب الإفريقي الذي نحرص على الوفاء به مع كل الأخوات والإخوة في أفريقيا ممن يتسمون بالالتزام والإيمان والوفاء والنية الحسنة.
وشكرا لكم جميعا على كرم الإصغاء.
عاشت إفريقيا
عاش الاتحاد الأفريقي
وعاشت الوحدة الإفريقية”