عطاف: ”تمادي الاحتلال الإسرائيلي في إِجْهَازِهِ على القضية الفلسطينية لَنْ يَزِيدَها إلا توهّجا كأعدلِ قضيةٍ على وجه المعمورة“

أكد وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، أحمد عطاف، اليوم، في كلمته خلال اجتماع رفيع المستوى لمجلس الأمن حول القضية الفلسطينية،  والذي انعُقد بطلب من الجزائر، أن تمادي الاحتلال الإسرائيلي في إِجْهَازِهِ على القضية الفلسطينية، لَنْ يَزِيدَها إلا تَوَهُّجاً وَبُروزاً كأعدلِ قضيةٍ على وجه المعمورة.

وأضاف عطاف في ذات السياق، أن إجهاز الاحتلال الإسرائيلي على القضية لَنْ يَزِيدَ الشعبَ الفلسطيني إلا عزماً وإصراراً على استرجاع حقوقِه الوطنية المسلوبة، وَلَنْ يَزِيدَ المجموعةَ الدولية إلا إيماناً ويقيناً بأحقية وحتمية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والسيدة، كَحَلٍّ عادلٍ ودائمٍ ونهائي للصراع العربي-الإسرائيلي.

 

شرف الدين عبد النور

 

النص الكامل لكلمة وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أحمد عطاف خلال اجتماع رفيع المستوى لمجلس الأمن حول القضية الفلسطينية الذي انعُقد بطلب من الجزائر

 

“بسم الله الرحمن الرحيم

شكراً لكم، السيد الرئيس، على استجابتكم الكريمة لِطلبِنا بِعقد هذا الاجتماع، والشكرُ موصولٌ كذلك للسيد الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، على إحاطَتِه الدقيقة والمُعبرة حول الملف الذي يَشْغَلُنا اليوم.

لقد بادر وفد بلادي بطلب تنظيم اجتِماعنا هذا، لتسليط الضوء مرة أخرى على المسؤولية المُلقاة على عاتق مجلس الأمن تُجاه ما تَشْهَدُهُ غزة من إبادة جماعية مُتواصلة منذ ما يَقْرُب العام كاملاً، وتُجاه ما تَشْهَدُهُ منطقة الشرق الأوسط راهناً من تصعيدٍ إسرائيلي خطير يُنْذِرُ بنشوب حرب إقليمية شاملة قد تعصف بأمنِ واستقرارِ الجميع.

إنها مسؤوليةٌ قانونية، وسياسية، وأخلاقية، وإنسانية لمجلسنا، أمام هَوْلِ الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين وبقية شعوبِ ودولِ المنطقة،

وإنها أيضاً مسؤوليةٌ راسخة لمجلسنا، لا تَقْبَلُ التبرير لعدم الالتزام بها تحت أي ظرفٍ من الظروف، ولا تَقْبَلُ التملص منها تحت أي ذريعة من الذرائع ،

وإنها أخيراً مسؤوليةٌ ثابتة لمجلسنا، لا تتقادم ولا تسقط في ظل العجز الذي أصابَ الهيئةَ المركزيةَ هذه، وشلَّ من قُدْرَتِها على الاهتداءِ إلى سُبُلِ إنصاف الشعب الفلسطيني وإحقاق حقوقه.

لقد اِلْتَأَمَ مجلُسنا هذا عشراتِ المرات منذ بدء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة، وقد أسفرت هذه الاجتماعات بعد طُولِ مُداولاتِها وَتَعَسُّرِ مُفاوضاتِها إلى اعتمادِ قَرَارَيْنِ وَحِيدَيْنِ يُطالبان بوقف إطلاق النار في هذه الأرض الفلسطينية الجريحة.

وَهُمَا القراران اللَّذان لم يُعِرْ لهُما الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني أي اعتبار ولا أدنى تقدير ولا أَقَلَّ احتِرَامْ، بل على العكس من ذلك تماماً، رَاحَ يُمْعِنُ في جرائِمه الشنعاء وانتهاكاتِه الصارخة وممارساتِه اللاإنسانية، دُونَ أن يَلْقَى أي ردعٍ حاسم، أو أي إدانةٍ صريحة، أو حتى أَبْسَطِ لومٍ أو انتقادٍ من لدن مجلِسِنا هذا.

وها نحن نقف اليوم على التداعيات الكارثية الناتجة عن إطلاقِ العَنَانِ للاحتلال الإسرائيلي والتساهلِ مع ممارساته الإجرامية وصرفِ الأنظار عن مُخططاتِه التوسعية والتدميرية والتخريبية.

فَبَعْدَ أن كُنَّا نَرْقُبُ تطوراتِ حرب الإبادة في النطاق المحدود لقطاع غزة، أصبحنا لا ندري أين نُوَجِّهَ اهتِمامَنا في المرحلة الراهنة، بين امتداد هذه الحرب إلى الضفة الغربية، وبين التصعيد الإسرائيلي في المنطقة بأكملها: من اليمن، إلى سوريا، إلى إيران، وصولاً إلى لبنان أين ارتفعت جرائم الاحتلال منازِلَ ودرجاتْ.

وبالفعل، فَإِنَّ مَا تَمَّ اقترافُهُ من جرائمَ في غزة منذ عام، وفي لبنان راهناً، يَصْعُبُ نَعْتُهُ دبلوماسياً أو سياسياً أو قانونياً. فهمجيةُ هذه الجرائم وصلت إلى حدود ما هو لا حضاري، ولا أخلاقي، ولا إنساني.

لقد أقام مجلسُ الأمن الدُّنيا وأقعدَها في مواقفَ سابقة لا ترقى أن تُشكل قَطْرَةً من بحر الانتهاكات الإسرائيلية لكافة الأعراف والمواثيق الدولية. ولقد لَجَأَ مجلسُنا هذا إلى الفصل السابع من الميثاق لفرض الحظر والعقوبات في حالاتٍ أَقَلُّ بكثير مِمَّا يحدثُ في غزة وفي لبنان وفي سائر الجوار الفلسطيني فَداحةً وخُطورةً وجَسامة. ولقد كان مجلسُنا هذا وَرَاءَ تَحريكِ الهيئاتِ القضائيةِ الدولية وتَأْلِيبِها في مَواضِعَ لا تُقارَنُ البتة مع هَوْلِ وهمجيةِ ما شَهِدناه ولا نزالُ نَشْهَدُهُ من جَرَائِمِ الاحتلال الإسرائيلي.

إِنَّنَا وإذ نستعرض تجارِبَ المجلس السابقة في التعامل الحازم والصارم مع عدم احترام قراراتِه المُلزمة، نَجِدُ أنفسَنا أمام جملة من التساؤلات التي تَطْرَحُ نَفْسَهَا بكل إصرار وإلحاح:

إلى متى يبقى الاحتلال الإسرائيلي الاستيطاني يحظى بنظامٍ خاص من اللامساءلة واللامحاسبة واللامعاقبة، نظامٌ ينطبقُ عليه دون سواه؟

إلى متى يبقى هذا الاحتلال مُحَرَّرَ اليدين وَمُطْلَقَ السَّرَاحْ يُمْعِنُ في الإجرام مِثلما يشاء، ويدوسُ الشرعيةَ الدولية أينما شاء، ويَعْبَثُ بأمنِ واستقرار المنطقة كيفما شاء، دون أن يَتَحَمَّلَ أو يُحَمَّلَ تَبِعَاتِ أفعالِه وعواقبَ ممارساته؟

وإلى متى يبقى هذا الاحتلال يتمادى في طغيانه وتسلطه وكأنه يملكُ بِيَدَيْه مصيرَ ومستقبلَ الفلسطينيين، بل مصيرَ ومستقبلَ المنطقة برمتها، دون أن يتم وضعُ حدٍّ لهذا التجبر ولهذا الغرور؟

إننا نعتقدُ جازمينَ ومُخلصين أَنَّ الإبقاءَ على وضعٍ كهذا يعني الرهانَ على الأسوأ، الرهانَ على تشجيعِ وترسيخِ هيمنةِ المحتلِّ، والرهانَ على تكريسِ واقع الاحتلال والتوسع بالقوة، والرهانَ على تعبيد الطريق واسعاً أمام المخطط الإسرائيلي الذي سيدفع لامحالة بالفلسطينيين وبجميع دول المنطقة نحو مصيرٍ لا يَصْعُبُ البتة التنبأُ بِمآلاتِه وتداعياته الكارثية على الجميع.

إن خُطورةَ هذه التطورات لا تَدَعُ أَيَّ مجالٍ لتماطلِ أو تقاعسِ مجلِسنا هذا في العمل على إعلاء المسؤوليةِ الملقاةِ على عاتِقِهِ. فَالفَلَسْطِينِيُونْ، وَمعَهُمْ اللُّبْنَانِيُّونْ وكافة دُوَلِ وَشُعُوبِ المنطقة، لا يَطْلُبُونَ المُستحيلَ أو المُحالْ.

إنهم يَطْلُبُونَ تَحَرُّكَ مجلِسِنا هذا لوقفِ ما يَطالُهم من تقتيلٍ وتنكيلٍ وخرابٍ وتدمير، وإنهم يَطْلُبُونَ تحركَ مجلسِنا هذا لفرضِ احترامِ مَا اعتمدَهُ من قراراتٍ مُلزمة، وإنهم يَطْلُبُونَ تحركَ مجلسِنا هذا لتغليبِ ما يقره القانون الدولي من قواعد وضوابط وأحكام يتساوى الجميعُ في وَاجِبِ احترامِها والامتثالِ والاحتكامِ إليها.

وَقَنَاعَتُنا تبقى راسخة مِنْ أَنَّ تمادي الاحتلال الإسرائيلي في إِجْهَازِهِ على القضية الفلسطينية، لَنْ يَزِيدَ هذه القضيةَ إلا تَوَهُّجاً وَبُروزاً كأعدلِ قضيةٍ على وجه المعمورة، وَلَنْ يَزِيدَ الشعبَ الفلسطيني إلا عزماً وإصراراً على استرجاع حقوقِه الوطنية المسلوبة، وَلَنْ يَزِيدَ المجموعةَ الدولية إلا إيماناً ويقيناً بأحقية وحتمية إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة والسيدة، كَحَلٍّ عادلٍ ودائمٍ ونهائي للصراع العربي-الإسرائيلي، وكشرطٍ لا غِنًى عنه لاستعادة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط قاطبةً.

وشكراً سيادة الرئيس”.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى