جيوبوليتيك “الشوكولاتة”… الجزائر منافس قوي لفرنسا في مجال صناعة الشوكولاتة
يبدو مفهوم “جيبوليتيك الشوكولاتة للوهلة الأولى مفهوما غامضًا ومبهمًا، لكنه يستند إلى أسس ومقومات علمية تُثبتها النتائج على أرض الواقع. فالعالم اليوم، من منظور جيوبوليتيكي، ليس سوى ساحة تنافس وصراع بين الدول والكيانات السياسية وغير السياسية على المصالح المتعددة، وأبرزها المصالح الاقتصادية.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول إن أحد أبرز أشكال الصراع الحالي يتمثل في القطاع الصناعي. فالصناعات المختلفة، من الثقيلة إلى الغذائية، أصبحت محددًا رئيسيًا للصراع والتنافس الاقتصادي بين مختلف الكيانات السياسية والاقتصادية الدولية. لذا، من الضروري دراسة جميع أشكال الصراع والتنافس بشكل أفقي، مع التركيز على الصناعات الأكثر رواجًا اليوم، ومنها الصناعة الغذائية.
وتُعد صناعة الشوكولاتة مثالًا بارزًا على ذلك، إذ تحوّلت إلى أحد أوجه التنافس الاقتصادي والدبلوماسي، بل وأصبحت أداة للقوة الناعمة ووسيلة ضغط تمارسها الدول على بعضها البعض. ما قامت به “شوكولاتة المرجان” الجزائرية و”شوكولاتة دبي” الإماراتية خير دليل على ذلك.
صناعة الشوكولاتة: من العالم الجديد إلى العالم القديم
تعود صناعة الشوكولاتة إلى آلاف السنين، إذ ارتبطت باكتشاف الكاكاو، وهي مادة أصلها من أمريكا الوسطى. انتقلت هذه المادة إلى أوروبا بعد اكتشاف العالم الجديد على يد المستكشف البرتغالي كريستوف كولومبس في القرن السادس عشر. وبدأ إنتاج الكاكاو لأول مرة في إسبانيا، حيث أُدخلت حبوب الكاكاو إلى البلاط الملكي الإسباني. وفقًا للروايات، تم كسر المذاق المر للكاكاو بإضافة السكر والعسل، ليظهر لأول مرة كمشروب جديد امتزج فيه الكاكاو مع السكر والعسل.
من إسبانيا، انتقلت صناعة الشوكولاتة إلى بقية أوروبا، لتصل إلى سويسرا، التي تُعد اليوم الرائدة عالميًا في هذا المجال. ومنذ القرن السابع عشر، بدأت سويسرا إنتاج الشوكولاتة بشكلها الحديث والعصري. ومن بين الدول الأوروبية الأخرى التي تشتهر بصناعة الشوكولاتة، بلجيكا، التي تُعدّ من أكبر الدول إنتاجًا واستهلاكًا للشوكولاتة، حيث تنتج أكثر من 1700 طن سنويًا. كذلك، تشتهر كل من فرنسا وألمانيا بهذا المجال، وتُعد وجهة لعشاق الشوكولاتة عالميًا.
صراع الشوكولاتة بين الجزائر وفرنسا
شهدت نهاية عام 2024 اندلاع صراع اقتصادي بين الجزائر وفرنسا حول منتج “شوكولاتة المرجان”. جاء هذا الصراع نتيجة النجاح الكبير الذي حقّقته هذه الشوكولاتة الجزائرية في الأسواق الفرنسية، مما ألحق خسائر فادحة بالمنتجات الفرنسية التقليدية، مثل “نوتيلا”.
حاولت فرنسا مواجهة هذا المنتج الجزائري بممارسات تنافسية غير أخلاقية، مثل حجز كميات كبيرة من المنتج في نقاط التفتيش الحدودية، وصولًا إلى حظره نهائيًا تحت ذرائع قانونية غير منطقية تتعلّق بلوائح الاتحاد الأوروبي.
رؤية الجزائر للصناعة الغذائية
تولي الجزائر اهتمامًا كبيرًا بقطاع الصناعة الغذائية باعتباره أحد ركائز الاقتصاد الوطني بعد قطاع المحروقات. بفضل السياسة الحكيمة للرئيس عبد المجيد تبون، ارتكزت الجهود خلال السنوات الأخيرة على تشجيع الإنتاج الوطني والحد من الاستيراد العشوائي.
وأسهمت هذه السياسات في تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المواد واسعة الاستهلاك، وارتفاع احتياطي النقد الأجنبي إلى أكثر من 70 مليار دولار.
شوكولاتة “المرجان”… قصة نجاح جزائرية
تأسّست شركة “شوكولاتة المرجان” بفكرة طموحة ترتكز على تقديم منتج محلي بجودة عالمية تستطيع ان تنافس نظيرتها من العلامات التجارية الكبرى في مختلف الاسواق الدولية.
فالشركة الخاصة استطاعت ان تستثمر في مجال صناعة الشيكولاتة بالاعتماد على كوادر جزائرية مختصة في المجال و باعتماد على تكنولوجيات حديثة في الانتاج من أجل تقديم منتوج مميّز في الاسواق.
كما اعتمدت “شيكولاتة المرجان” على مواد خام ذات جودة عالية، مع التركيز على استخدام الكاكاو المستورد من أفضل المناطق المنتجة في إفريقيا. كما تبّنت الشركة معايير مطابقة للمعاير الدولية في الانتاج كل هذا سمح للمنتوج بان يظهر بهذا الشكل و الصدى وينال اعجاب وثقة المستهلك.
كما ان الشركة تبّنت سياسة تسويقية حديثة ومتميّزة بعد ان خلق المنتوج ضجّة عبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي و ذلك من خلال الاستثمار في مجال التسويق و تتبع استراتيجية فعالة لترويج للمنتوج من خلال صورة المنتوج التي تعكس ثقافة الجزائر ومورثه الاصيل.
هذه الضجة الاعلامية سمحت ايضا للشركة بان تدخل معارض دولية بكل ارتياحة لتقديم منتوجها الذي أصبح مطلوبا بشكل كبير من قبل العديد من الدول.
الفرص الجيوبوليتيكية للجزائر في صناعة الشوكولاتة
تمتلك الجزائر فرصًا واعدة في مجال صناعة الشوكولاتة بفضل موقعها الجغرافي الاستراتيجي بالقرب من الدول الإفريقية المنتجة للكاكاو. يمكن للجزائر استيراد المادة الخام بأسعار تنافسية واستغلال قربها الجغرافي لتقليل تكاليف النقل، مما يمنحها ميزة تنافسية كبيرة مقارنة بالدول الأوروبية.
علاوة على ذلك، تمثل الأسواق المحلية والإقليمية فرصة كبيرة لتطوير صناعة الشوكولاتة، نظرًا للطلب المتزايد على هذا المنتج في إفريقيا والشرق الأوسط.
وتُعد “شوكولاتة المرجان” مثالًا حيًا على نجاح السياسات الاقتصادية الجزائرية في تعزيز الإنتاج المحلي ودخول الأسواق العالمية. هذا النجاح لا يعكس فقط قدرة الجزائر على المنافسة، بل يعيد تشكيل قواعد التنافس الاقتصادي في مجال صناعة الشوكولاتة عالميًا.
مهدي الباز