تصريحات الرئيس اللبناني جوزيف عون… سياسة خارجية متوازنة لبناء الاستقرار الداخلي والتمكين الخارجي
إن التصريحات الأخيرة للرئيس اللبناني جوزيف عون، عقب انتخابه رئيسًا للبنان، والتي أعلن فيها عزمه على إقامة “أفضل العلاقات مع الدول العربية” والانفتاح على “الشرق والغرب”، تحمل في طياتها رسائل سياسية عميقة تهدف إلى معالجة العديد من الإشكاليات التي تشهدها الساحة اللبنانية. هذه التصريحات تعكس إدراكًا دقيقًا للمشهد السياسي اللبناني المعقد، الذي تأثر بشكل كبير بالتدخلات الخارجية المتواصلة التي فاقمت الأزمة الداخلية وأثرت سلبًا على السيادة الوطنية للبنان. التدخلات الخارجية غير المبررة، سواء من دول إقليمية أو قوى دولية، لطالما أضافت تعقيدًا إلى المشهد اللبناني، مما جعل البلد يعاني من اختلالات في توازن القوى المحلية، وهو ما يعكس انتهاكًا للقانون الدولي وفقًا للأعراف التي أقرها المجتمع الدولي.
رغم أن الإرادة السياسية اللبنانية الجديدة قد تكون نتاجًا لتفاهمات دولية وإقليمية تحت إشراف الولايات المتحدة الامريكية راعي السلام الخادم لمصالحها طبعا، فإن تصريحات الرئيس الجديد للبنان، تكشف عن رغبة لبنانية حقيقية في إعادة ضبط العلاقات الخارجية بما يعزز استقرار البلاد ويقلل من التأثيرات السلبية للتدخلات الأجنبية. هذا التوجه يشير إلى تبني القيادة الجديدة استراتيجية تهدف إلى بناء سياسة خارجية متوازنة تسهم في خلق مناخ سياسي داخلي يحد من الانقسامات التي جعلت لبنان دمية في أيدي قوى خارجية عاجزة عن تسير شؤونها الداخلية بعيدا عن الإملاءات الخارجية، ويضع لبنان على الطريق الصحيح لتحقيق التنمية والاستقرار بعيدًا عن التداعيات السلبية للتجاذبات السياسية والصراعات الإيديولوجية.
إعادة بناء العلاقات مع الدول العربية
تسعى القيادة السياسية الجديدة و المتمثلة في الرئيس المنتخب الجديد جوزيف عون تعزيز العلاقات مع الدول العربية بهدف إعادة لبنان الى الحاضنة العربية بعد أن تم اختطافه منها، ورغبة قوية منه في عودة لبنان إلى محيطها الطبيعي العربي، وتعزيز التعاون الأمني والاقتصادي في ضوء الأزمات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط. فالتعاون مع الدول العربية يعتبر أمرًا حيويًا بالنسبة للبنان بالنظر إلى الروابط التاريخية والجغرافية التي تجمعه بهذه الدول، حيث تعد هذه العلاقات أساسًا لتحقيق استقرار أمني واقتصادي مستدام.
الانفتاح على القوى الكبرى و الفاعلة في النظام الدولي
من جهة أخرى، إن الانفتاح على القوى الإقليمية بشكل متوازن، يشكل خطوة استراتيجية لتحسين الوضع السياسي والاقتصادي للبنان. في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية التي يعاني منها منذ سنوات بداية من أزمة الدواء الى أزمة الوقود الأخيرة، فإن تأمين الدعم الدولي من خلال هذه العلاقات يصبح أمرًا ضروريًا. وقد يتخذ شكل مساعدات مالية، برامج تنموية، واستثمارات ضرورية لتحفيز الاقتصاد اللبناني، الذي يعاني من انهيار حاد.
التحديات والفرص المتاحة
إلا أن هذه السياسة الخارجية المتوازنة تواجه العديد من التحديات. أولًا، يجب على لبنان أن يوازن بين المصالح المختلفة للقوى الفاعلة في المعادلة الإقليمية بالشرق الأوسط، مما يتطلب مهارات دبلوماسية عالية. ثانيًا، يجب أن تترافق هذه السياسة مع إصلاحات داخلية جذرية تضمن إعادة بناء المؤسسات اللبنانية واستعادة ثقة المواطنين في النظام السياسي. إذ لا يمكن تحقيق استقرار دائم بدون إصلاحات اقتصادية وسياسية تعيد الحيوية إلى المؤسسات الحكومية وتمنح الشعب اللبناني الأمل في مستقبل أفضل.
في الأخير يتّضح أن تصريحات الرئيس اللبناني جوزيف عون تشير إلى إرادة سياسية قوية تهدف إلى إرساء علاقات متوازنة بين لبنان ومحيطه الإقليمي والدولي. من خلال تعزيز التعاون مع الدول العربية والانفتاح على القوى الكبرى في المنظومة الدولية، يسعى من خلالها لبنان إلى ضمان استقراره الداخلي وتمكينه اقتصاديًا.
مهدي الباز