آخر الأخبار

تدوير أنور مالك لن يُقوِّي افتراء المخزن

 في استعراض مثير للسخرية، في الرباط، عاصمة المغرب وعش المخابرات الإسرائيلية، قدّم المخزن دليلا على فشل اطروحته الرامية إلى ربط البوليساريو بالإرهاب؛ قدّم ” كتابا” لانور مالك ” يقوي به ملفه” الذي يعمل عليه منذ سنوات وهو تصنيف أمريكا للبوليساريو كحركة “إرهابية”، أو بعبارة أخرى يقنع به مزاج ترامب المتقلب كي يكتب “تويتا آخرا” مثل “تويت” اعترافه بالحكم الذاتي سنة 2020م.  الكتاب بعنوان: البوليساريو وإيران: “أسرار الإرهاب من طهران إلى تندوف”، وهو عبارة عن تدوير لمعلومات تشبه محاولة تحلية مياه الصرف الصحي لتصبح صالحة للشرب. الكتاب عبارة عن سردية تجمع بين الخيال والكذب والابتذال، وقبل أن نتحدث عنه-الكتاب-، والذي نعرف، جميعا، محتواه وسياق وظرفية إنجازه، لا بأس من أن نتتبع الحياة والمواقف المتناقضة لكاتبه المزيف.

ينتمي انور مالك إلى صنف من الكائنات لا يمت للبشر بِصلة لإنه بلا ضمير، فهو يعيش في عالم وهمي،  ويسبح في هالة من التناقضات لا يجاريه فيها أحد؛ فلا يصحو من سكرة إلا ودخل في أخرى، مباشرة، بدون وقت مستقطع أو فاصل زمني أو استراحة قصيرة. من يتتبع تناقضاته فيما يخص تناوله لقضية الصحراء الغربية، يعرف أنه مصاب بانفصام خطير في شخصيته، وأنه مصاب بمرض لا يمكن تشخيصه أو علاجه، وهذا المرض يدفع الناس إلى  وضعه في خانة الذين رُفع عنهم القلم.

أولا، إفلات انور مالك من فخ المخزن سنة 2010م

في سنة 2010م، حين كان المخزن مصابا بهاجس تصنيف البوليساريو “حركة إرهابية”، ومحاولة ربطها بتنظيم القاعدة في الساحل، اكتشف جهاز المخابرات المغربي(DST) شخصا جزائريا مصابا بمرض انفصام الأنا، اسمه انور مالك، يحيط نفسه بهالة من البطولات الخيالية الدونكيشوتية، فمرة يصف نفسه بالضابط المنشق والمعارض للنظام الجزائري،  ومرة أنه صحفي يتقصى القضايا الأمنية والمخابراتية المعقدة، ومرة أنه رئيس معهد للدراسات في واشنطن أو في المريخ. هذا النوع من الكائنات المصاب بانفصام في الأنا وفي الشخصية، الذي يعيش في الوهم بدل الواقع، هو الاسهل استدراجا، وهو المفضل بالنسبة للمخابرات، خاصة المختصة منها في غسيل الدماغ وفي المهام السرية، لتنفذ به مهامها القذرة.  تم استدراج انور مالك إلى المغرب، وتم إيهامه بالمشاركة في ملتقى في مدينة الداخلة المحتلة، وحين وصل اكتشف أن الملتقى هو من أجل إقناع العالم بالحكم الذاتي في الصحراء الغربية، ومن أجل ربط البوليساريو بالإرهاب، وأنه هو-انور- بما أنه جزائري، هو الأداة المناسبة لتبييض تلك الاطروحة الزائفة وإضفاء عليها الشرعية. وبقدرة قادر صحا ضمير انور مالك، وقال الحقيقة-قد تكون المرة الوحيدة التي قال فيها الحقيقة- وشن هجوما على المخزن، وكتب تحقيقا مطولا عن تلك الزيارة إلى مدينة الداخلة عَنونه ب”ثلاثة أيام في ”الداخلة ” مع شعب لا يؤمن إلا بتقرير المصير”، وتم نشر التحقيق بتاريخ 2 غشت 2010م في جريدة الشروق الجزائرية الشهيرة. وراح انور مالك ينشر غسيل المخزن الوسِخ، وصرح يوم 22 غشت 2010 لجريدة الشروق الجزائرية قائلا عن استدراج المخزن له: “طبعا كان يُراد من الملتقى (في الداخلة)كالعادة ـ وحسب البرنامج الذي تمّ توزيعه ـ توجيه وتثبيت الاتهامات المباشرة لجبهة البوليساريو، من أنها على علاقة بالإرهاب الدولي، عن طريق ما يسمى “تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي”، وهذا الذي كذّبته وأنا على المنصّة (أثناء التدخل)(..). لم أصرح يوما بما يفيد أن الصحراء “مغربية”، وأتحدّى أيا كان، أن يقدم دليلا واحدا غير مفبرك أو مركب أو متلاعب فيه، يكون بالصوت والصورة”. استيقظ المخزن على غسيله القذر منشورا من طرف انور مالك، فهاجمه بكل ما يمتلك من وسائل إعلامية ومن دعاية، وأصبح رأسه مطلوبا في الرباط، وتم تخصيص مبالغ مالية للإيقاع بع. وصعَّد انور مالك من معركته ضد المخزن، وأصدر كتابا عنوانه “المخابرات المغربية وحروبها السرية ضد الجزائر”، وفيه كشف بالحقائق والوثائق كل المناورات المغربية التي تستهدف الجزائر منذ الاستقلال، فتحول الرجل إلى بطل في الجزائر يدافع عن الحق بشرف وإباء.

ثانيا، النكوص وظرفية نشر كتاب “البوليساريو وإيران: أسرار الإرهاب من طهران إلى تندوف”

ورغم الحملة الكبيرة التي كان يشنها الإعلام المخزني ضد انور مالك، إلا أن جهاز المخابرات المغربية، كان يتابعه، وكان يعرف أنه ضعيف ومريض نفسيا، وأنه لن يصمد أمام الاغراءات، وأنه بلا شخصية وبلا عقيدة وبلا انتماء لأي وطن وهذا يسهّل اصطياده. فعلا، سقط أنور مالك على أنفه، وعاد ذليلا إلى بيت العنكبوت وإلى النظام المغربي الذي كان يطحنه ويسحقه ويسلخه قبل سنوات. بعد عودته إلى الرباط تبرأ من كل ما قال سابقا، مزق كتابه عن حروب المخابرات المغربية وحروبها السرية ضد الجزائر، اغتسل في مستنقع الدناءة، ثم تم تدويره وتدوير أفكاره ليصبح شخصا آخرا بلا ماضي، وأكثر من ذلك فُرض عليه أن يهاجم قناعاته السابقة.

صدور كتاب انور مالك عن علاقة البوليساريو بإيران يدخل في إطار الموضوعات التي يحب انور مالك نفسه الخوض فيها، وهي موضوعات عبارة،  كلها، عن قصص مخابرات وخيال وبطولات. كل ما في الكتاب هو من نسج الخيال، وأكثر مصادره هي “الحصول على وثائق سرية من إيران أو من سوريا، أو من البوليساريو” أو مصادر كاذبة مثل “التقيت مع ضباط ايرانيين قالوا لي كذا وكذا”، أو مثل تم تصوير طائرات جزائرية تنقل اسلحة من إيران إلى تندوف، أو تم تصوير مقاتلي البوليساريو في مراكز تدريب حزب الله”. الذي لم ينتبه إليه المرتشي انور مالك، هو أن الفترة التي يقول فيها أن إيران أصبحت هي التي تتحكم في البوليساريو بدأت منذ منتصف التسعينات من القرن الماضي، لكن غاب عن ذهنه البليد أنه في تلك الفترة التي يتحدث عنها، كانت فيها العلاقات مقطوعة بين الجزائر وإيران. المشكلة الأخرى أن المخابرات المغربية كانت نشطة في نفس الفترة، وكانت تبحث عن كل حبة لتصنع منها قبة، وتخترع القصص الخيالية لتربط جبهة البوليساريو بالإرهاب، فكيف لم تستطيع أن تكتشف التغلغل الايراني في صفوف الجبهة آنذاك؟ إذن، لا يوجد في الكتاب ما يستحق الرد عليه أو حتى قراءاته، والمخزن نفسه يعرف أن ما يقوله انور مالك هو هراء. سياق نشر ” الكتاب” في هذا الظرف هو جزء من حملة مخزنية هدفها هو تهييج المتطرفين في الإدارة الامريكية لتصنف البوليساريو كحركة إرهابية، وهذه الحملة بدأها المخزن منذ عودة ترامب الى البيت الأبيض، لكنها تلاقِي استهجانا كبيرا من طرف الأمم المتحدة، ومن طرف أكبر الجمهوريين في الولايات المتحدة مثل جون بولتون.

ثالثا، رسكلة انور مالك الآن ستذهب به الى قناة الصرف الصحي

لقد نجح المخزن في رسكلة انور مالك، لكن لم ينجح في تقديم أي شيء سواء كان جديدا أو قديما يقوِّي به هذيانه حول ربط البوليساريو بالإرهاب. خيال انور مالك ليس إضافة، والمخزن يعرف هذا، ويعرف أن انور مالك يجب التخلص منه بسرعة وبهدلته قبل أن يصحو من التخدير والخمر، ويقول كلاما آخرا مغايرا لما قال الآن أو يعيد الكلام الذي قال سنة 2010م. الشيء الثاني المهم أن انور مالك بلا مصداقية ولن يصدقه أحد. فشخص مزدوج القناعة، قال سنة 2010م أمام المخزن” إن البوليساريو لا صلة لها بالإرهاب، وأن من حق الشعب الصحراوي تقرير مصيره، وكتب كتاب المخابرات المغربية وحروبها السرية ضد الجزائر”، ويقول سنة 2025م أن البوليساريو ” إرهابية” ولها علاقة بإيران،  وأن الحكم الذاتي هو الحل،  ويكتب كتابا يربط به البوليساريو بالإرهاب وبإيران”، لن يصدقه أحد، وكل ما يفعل أنه يمعن في جعل الناس يتأكدون أنه مصاب في ذهنه، وأنه مجرد كائن بلا ضمير وبلا كرامة وبلا مواقف.

السيد حمدي يحظيه

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى