بوغالي: ”الجزائر تطرح ملف الذاكرة من باب الوفاء لتضحيات الشعب الجزائري لا كورقة ضغط“

قال رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي، اليوم الأحد، خلال إشرافه على تنصيب لجنة خاصة تتولى صياغة مقترح قانون تجريم الاستعمار، أن  مسألة الذاكرة بالنسبة للجزائر لا تُطرح، كما يُروَّج له، كورقة للضغط والمساومة وإنما من باب الوفاء لتضحيات الشعب الجزائري برمته وكواجب أخلاقي وتاريخي، ولإظهار حقيقة الجرائم التي طالت الإنسان والبيئة والعمران، “وهي الجرائم التي قيدها مرتكبوها، بكل وقاحة ودون وخز الضمير، في مذكراتهم وتناولتها الصحافة الأوروبية في حينها وانتقدت بشاعتها”، يضيف بوغالي.

شرف الدين عبد النور

النصّ الكامل لكلمة رئيس المجلس الشعبي الوطني، إبراهيم بوغالي خلال تنصيب لجنة خاصة تتولى صياغة مقترح قانون تجريم الاستعمار

“بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام

على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام

الحضور الأفاضل،

نلتقي اليوم في رحاب مجلسنا الموقر أين دأب نواب الشعب على مواكبة الأحداث الوطنية التاريخية منها والمعاصرة وتلك التي تستأثر باهتمام الرأي العام الوطني بنخبه السياسية والثقافية والفكرية،

نلتقي في يوم من أيام الجزائر الخالدة التي تروي جوانب من الذاكرة الجماعية للشعب الجزائري بآلامها العميقة وأمجادها السامقة إنه شهر الشهداء والنصر،

في مثل هذا اليوم من عام 1957 اقترف الاستعمار الفرنسي جريمة الاغتيال

في حق أحد أبناء الجزائر البررة الافذاذ الذين امتهنوا المحاماة للمرافعة لإنصاف المقهورين والمظلومين والدفاع عن الحق، ولكن منظومة

الاحتلال كانت قائمة على التنكر للحقوق ومصادرتها وإسكات المدافعين عن تلك الحقوق وإبعادهم بل واغتيالهم دون رقيب أو حسيب.

نستعيد اليوم ذكرى الشهيد الصحفي والمحامي علي بومنجل ابن غليزان الذي ولد بها في 24 مايو 1919 ليكون أحد رموز الثورة التحريرية المجيدة الذين غيبت حقيقة ظروف استشهادهم لأكثر من ستة عقود حيث اكتفت الرواية الاستعمارية آنذك على إعلان خبر انتحاره قبل أن تعترف فرنسا رسمياً

في 2 مارس 2021 ” علي بومنجل لم ينتحر … نعم فقد عذِّب وقتل” ويعتبر من بين آلاف الجزائريين الذين افتقدوا خلال الليل الاستعماري ولم تتمكن عائلاتهم من تأبينهم ودفنهم بكرامة.

إنها صفحة أخرى من سجل الجرائم النكراء التي اقترفت في بلادنا لثني شعبنا عن التطلع أو المطالبة بالحرية والكرامة والاستقلال ولكن المستعمر لم يكن يدرك أن إرادة الشعوب وحركة التاريخ صنوان ومن العبث والسفه المراهنة على القهر والهمجية لوأد روح المقاومة واستدامة استعباد البشر،

إن أهمية التاريخ لا تكمن في استحضار الأحداث فحسب وإنما في الاعتبار منها وتفادي تمجيد ما لا يمجد والأصح والأصوب هو أن يجرَّم ولا يمكن أن يوصف بما هو أقل من التجريم ومنها على سبيل الذكر وليس الحصر محرقة الظهرة 1845، جريمة الاغواط التي استعمل فيها الاحتلال الأسلحة البيولوجية سنة 1852، مجازر 1945، التجارب الكيماوية في واد الناموس والتفجيرات النووية برقان وإن إكر وزرع الالغام المضادة للأفراد وإقامة المحتشدات والمعتقلات وحجز رفات الشهداء في مخازن المتاحف وغيرها كثير.

إن مسألة الذاكرة بالنسبة لبلادنا لا تطرح، كما يُروَّج له، كورقة للضغط والمساومة وإنما من باب الوفاء للتضحيات الجسام التي كابدها الشعب الجزائري برمته وكواجب أخلاقي وتاريخي كذلك لإظهار الحقيقة وافتكاك الاعتراف بما اقترف من جرائم طالت الإنسان والبيئة والعمران وهي الجرائم التي قيدها مرتكبوها، بكل وقاحة ودون وخز الضمير، في مذكراتهم وتناولتها الصحافة الأوروبية في حينها وانتقدت بشاعتها،

وتحاول بعض الأقلام الحرة في فرنسا توثيق تلك الاحداث والكتابة عنها والتذكير بطابعها الاجرامي في وسائل الإعلام غير مكترثة بما تتعرض له من مضايقات لإسكاتها وحملها على إخفاء تلك الحقائق التي تأبى التبدد والطمس.

وقد كان السيد عبد المجيد تبون رئيس الجمهورية واضحًا كل الوضوح حين صرح،” أن ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أو التناسي ولا يقبل التنازل والمساومة، وسيبقى في صميم انشغالاتنا حتى تتحقق معالجته معالجة موضوعية ومنصفة للحقيقة التاريخية”

وقد حظيت مسألة تجريم الاستعمار باهتمام المشرع الجزائري على الأقل منذ الفترة التشريعية الرابعة بمجموع خمس مقترحات قانون من مختلف التشكيلات السياسية الوطنية الممثلة في المجلس الشعبي الوطني.

ولقد استأثر هذا الموضوع كذلك باهتمام كبير على المستوى القارة الأفريقية التي عانت أكثر من غيرها من الانتهاكات الاستعمارية واستباحة كرامة الإنسان فيها، لتعتمد الدورة العادية الثامنة والثلاثين لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي تصنيف الاسترقاق والترحيل والاستعمار كجرائم ضد الإنسانية وكجرائم إبادة جماعية ارتكبت في حق الشعوب الأفريقية.

ونحن في المجلس الشعبي الوطني وإذ نستحضر ذكرى المحامي الشهيد علي بومنجل رحمه الله ورحم كل شهداء الوطن، وتثمينًا لمبادرات من سبقنا من النواب أعلن رسميا عن تنصيب لجنة خاصة تتولى صياغة مقترح قانون تجريم الاستعمار وتشمل ممثلين عن كل المجموعات البرلمانية تجاوبًا مع اجماع كل التيارات السياسية حول هذا الموضوع، تكريمًا لذاكرة أسلافنا الميامين من جيل المقاومة إلى جيل الثورة التحريرية المجيدة الذين نذروا حياتهم فداءً لهذا الوطن العزيز وشعبه الأبي.

وتضم اللجنة:

عن المجموعة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني

النائب السيد جوزي مزيان وهو إبن شهيدين الأب والأم،

عن الأحرار النائب السيدة بيدة فاطمة،

عن حركة مجتمع السلم النائب السيد بلخير زكريا،

عن التجمع الوطني الديمقراطي النائب السيد إسماعيل ميرة ابن رائد جيش التحرير الوطني الشهيد عبد الرحمن ميرة،

عن جبهة المستقبل النائب السيد فاتح بريكات،

وعن البناء الوطني النائب السيد كمال بن خلوف،

وعن تكتل غير المنتمين النائب السيد قادري عبد الرحمن.

وستُمكَّن اللجنة من ضروريات العمل للقيام بمهامها على أكمل وجه ويمكنها الاستئناس بكل الكفاءات والخبراء والحقوقيين المهتمين بمسائل الذاكرة والجرائم المقترفة في حق الجزائر الإنسان والتاريخ في الحقبة التاريخية المعنية 1830-1962.

ولا يمكن أن نفوِّت السانحة دون استحضار معاناة اخواننا الفلسطينيون الذين يئنّون تحت الاحتلال الذي أطلق العنان لهمجيته التي تجاوزت

كل الحدود واستباحت حرمة شعب أعزل وفي شهر يفترض أنه مبعث للرحمة الإنسانية والتضامن مع المستضعفين، وهو ما يعزز التوجه لتجريم الاستعمار والعمل مع احرار العالم لتجنيب الإنسانية السقوط مرة أخرى في أوحال هذا الجرم مستقبلًا وتمكين البشرية من استعادة إنسانيتها وكرامتها وتحقيق السلم والأمن والتنمية لكافة الشعوب، ”فمتى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا”.

شكرًا على كرم الاصغاء وتقبل الله صيام الجميع

وبلغكم العيد السعيد وأنتم في صحة وعافية

المجد للوطن والخلود لشهدائنا الأبرار”

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى