انتهى الحراك و القادم أكثر جدية
قد يستغرب القارئ الكريم عندما يقرأ العنوان فيما هو يرى الجمعة تلو الأخرى آلافا من الجزائريين يجوبون الشوارع مطالبين بالتغيير، لكني أريد التنبيه إلى أن هناك علامات على انتهاء الحراك رغم بقاء المسيرات التي يرجح أن تخبو بعد فترة للأسباب التالية:
- أن الإنسان العادي يعني عمو و طاطا و خالتي و خالو أي الجزائري العادي أضحوا في المظاهرات أقل منهم في الجمع الأولى.
- أن الطلبة و المثقفين و النقابات و ممثلي بعض الأحزاب هم أكثر من يسير في الجمعات الأخيرة.
- أن وسائل الإعلام العمومية لم تعد تنقل أخبار الحراك كما سبق.
- أن بقاء بن صالح رئيسا للدولة رغم عدم دستوريته لم يولد فورة شعبية كالتي أسقطت بوتفليقة..
- أن الحراك لم يتفق أقل شيء على رجل واحد يمثله.
- أن سجن المتورطين في الفساد و كل من كان مكروها في العقل الجمعي للجزائريين قد ساهم في تهدئة غضب الشارع.
- أن مقترحات الخروج من الأزمة التي اقترحتها أحزاب المعارضة و وجوه من الحراك برئاسة الوزير السابق عبد العزيز رحابي، قد تحولت إلى مهاترات بين القوم تتهم فيها رحابي بمحاولة فرض نفسه رئيسا على الجميع و هو ينفي و هذا دليل على نهاية الفورة الشعبية.
ما يعني أننا دخلنا في مرحلة سكون أو هدوء تماما كالتي حدثت في دول شرق أوربا تسعينات القرن الماضي عندما انتفضت شعوبها ضد الوجود السفياتي، و نفس حركة الهدوء التي عرفتها ثورة الياسمين في تونس بعد إسقاط بن علي، و بذا فإننا سائرون نحو انتخابات رئاسية بشكل طبيعي و لكن..
هل يمكن للجزائريين أن يقبلوا برئيس يفرض عليهم؟ أظن نعم، لكن لماذا؟
لأن ما تبقى من المشوار ينبغي أن يتكفل به مثقفون و رجال و نساء واعون ينيرون الشعب بما عليه من مسؤولية في اختيار رجل المرحلة القادمة، و العجيب أن ما اقترحه بن صالح من تشكيل هيئة مستقلة من قبل أهل الحراك و من يرغب في الانضمام لم تلق آذانا صاغية أو على الأقل فرضت شروطا بعضها ممكن التحقيق و آخر لا.
أقول هذا الكلام لأنه و بعد بعض الجمع سقط بوتفليقة، و بعد أخرى بدأت الحملة ضد أهل الفساد، ثم ذهب بلعيز و تلاه بوشوارب فيما بقي بدوي و بن صالح، و لا أرى شخصيا من الحماس الشعبي ما يمكنه تحييدهما.
هنا نصل إلى حقيقة الأمر الواقع الذي لا يمكن لأحد تجاوزه لأنه لا أحد يرغب في العنف، لقد وصلنا إلى مرحلة حساسة من تاريخ الجزائر، و لا نرغب في أن يحل مكان بوتفليقة و أنصاره فريق آخر يشبههما، و هذا يقتضي عملا سياسيا و توعية متواصلة.
أما الأمر الإيجابي، فهو أن الجزائر قد دخلت مرحلة جديدة من التسيير الحكومي للشأن العام، هدفها النظري هو التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و لعلم القارئ الكريم أن هذا كان موضوع مقترحات أمنية قدمت عام 2017 كانت فحواها اختصارا، تبديل الأحزاب و الوجوه السياسية القديمة بأخرى جديدة، و الانتقال إلى تسيير اقتصادي هدفه الإنتاج و الوفرة مرورا بإنهاء الدعم أو تحجيمه ، و أخيرا تعويم الدينار الجزائري و تقريب سعره من سعر السوق السوداء كما حدث في تونس و المغرب و مصر و السودان.
هيثم رباني