آخر الأخبار

اليابان تفتح خزائنها لترامب: تحالف اقتصادي جديد يغيّر ميزان القوة في آسيا

شرف الدين عبد النور

شهدت طوكيو يوماً سياسياً استثنائياً مع زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولقائه أول رئيسة وزراء في تاريخ اليابان، ساناي تاكايتشي، التي تولت المنصب قبل أسبوع فقط، لتعلن منذ أولى خطواتها على المسرح الدولي عن توجه واضح نحو تعزيز التحالف مع واشنطن وتسريع وتيرة التسلح الياباني.

وأشاد ترامب، الذي لطالما اعتبر اليابان حليفاً محورياً في استراتيجيته الآسيوية، بالزعيمة الجديدة قائلاً إنها ستكون “إحدى أعظم رؤساء الوزراء”، في إشارة إلى إرثها السياسي ورئيس الوزراء الراحل شينزو آبي، الذي اغتيل عام 2022 وكان من أقرب أصدقائه الشخصيين.

وفي أجواء رمزية حملت الكثير من الدلالات، حرصت تاكايتشي على تكريم العلاقة التي جمعت بين آبي وترامب عبر الهدايا والتصريحات الودية، مؤكدة التزامها بمواصلة النهج الذي أسّس له سلفها، لا سيما في مجال تعزيز القدرات الدفاعية ومواجهة النفوذ الصيني المتنامي في شرق آسيا.

صفقات اقتصادية وعسكرية بمئات المليارات

اللقاء لم يكن بروتوكولياً فحسب، بل شهد توقيع اتفاقيات كبرى في مجالات التجارة والطاقة والمعادن النادرة، إلى جانب خطط استثمارية ضخمة تُقدّر بنحو 400 مليار دولار ستضخها الشركات اليابانية في الولايات المتحدة. كما تعهدت طوكيو بتخصيص 550 مليار دولار في شكل استثمارات وقروض وضمانات استراتيجية لتعزيز التعاون الثنائي.

هذه الخطوات تأتي، بحسب مراقبين، في إطار مسعى ياباني لامتصاص الضغوط الأميركية المحتملة بشأن زيادة الإنفاق الدفاعي، خاصة مع تعهّد تاكايتشي برفع ميزانية الدفاع إلى 2% من الناتج المحلي الإجمالي، في إشارة واضحة إلى استعدادها لتحمّل مسؤولية أكبر ضمن الشراكة الأمنية.

تحالف قائم على المصالح والمجاملات السياسية

في مشهد يُعيد للأذهان دبلوماسية “الصفقات” التي ميّزت عهد ترامب، امتدح الأخير الخطوات اليابانية قائلاً إن بلاده ستكافئ طوكيو على “التزاماتها الصادقة”، مؤكداً أن العلاقات بين البلدين “لم تكن يوماً أقوى مما هي عليه اليوم”.

وخلال مأدبة غداء جمعت الزعيمين في قصر أكاساكا بالعاصمة اليابانية، قُدّمت أطباق من الأرز واللحم الأميركي إلى جانب خضروات من مسقط رأس تاكايتشي في نارا، في إشارة رمزية لتكامل المصالح بين البلدين. وقدّمت رئيسة الوزراء خريطة تُظهر مواقع الاستثمارات اليابانية في الولايات المتحدة منذ زيارة ترامب الأخيرة عام 2019.

كما أعلن ترامب أن شركة تويوتا ستفتتح مصانع جديدة للسيارات في أميركا بقيمة 10 مليارات دولار، وأن اليابان تخطط لشراء شاحنات فورد F-150 الشهيرة، وهو ما اعتُبر مؤشراً على مدى استعداد طوكيو لتقديم تنازلات اقتصادية لكسب ودّ واشنطن.

بُعد جيوسياسي أعمق من الاقتصاد

ورغم الطابع الاقتصادي الظاهر للزيارة، فإن المراقبين يرون أن البعد الجيوسياسي هو المحرك الحقيقي لهذا التقارب الجديد. فاليابان، التي تسعى لتأكيد حضورها كقوة آسيوية قادرة على الدفاع عن مصالحها، تجد في ترامب حليفاً واقعياً يدعم نزعتها نحو التسلّح والانفتاح الاستراتيجي.

أما بالنسبة لترامب، فإن إعادة ترسيخ العلاقات مع طوكيو تمثل خطوة ضمن مشروعه الأوسع لإعادة التوازن في آسيا، في مواجهة الصين وكوريا الشمالية، ولإظهار أن “أميركا أولاً” لا تعني العزلة، بل إعادة صياغة التحالفات بما يخدم المصالح الأميركية المباشرة.

في نهاية اللقاء، بدا أن الطرفين يسعيان إلى إعادة بناء تحالفٍ كلاسيكي بروح جديدة، تحالفٍ يجمع بين الاقتصاد، والدفاع، والسياسة، والمجاملات الدبلوماسية، في وقت تتغير فيه موازين القوى الدولية بوتيرة غير مسبوقة.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى