الكلمة الكاملة لرئيس الجمهورية بمناسبة افتتاح فعاليات المنتدى الوطني للمجتمع المدني “حوار، مواطنة وتنمية”

ألقى الوزير الاول نذير العرباوي كلمة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بمناسبة افتتاح فعاليات المنتدى الوطني للمجتمع المدني “حوار، مواطنة وتنمية”، المنعقد اليوم السبت بالمركز الدولي للمؤتمرات “عبد اللطيف رحال” بالعاصمة، هذا نصّها الكامل:

السيد رئيس المرصد الوطني للمجتمع المدني،
السيدات والسادة أعضاء المرصد الوطني للمجتمع المدني،
السيدات والسادة رؤساء الهيئات الوطنية،
بناتي وأبنائي ممثلي المجتمع المدني،

السيدات والسادة الحضور الكريم
أودُّ في مُستهَلِ كلمتي أن أُعرِبَ لكم عن عَظِيم اِعتِزَازِي بِمُخَاطَبتِكُم في الجلسة الافتتاحية لهذَا المُنتدَى الهامّ الذِي يحمِلُ شِعَارَ “حِوار، مُوَاطَنَة وتنمية”، مُعربًا عن ارتياحِنا للحرَكِيةِ المَشهُودَة والنَّوعِيَة التي يَعرِفُهَا الـمُجتَمَعُ المدني في بلادِنا، في سِيَاق المسَارِ الذي كرَّسَهُ دستور 2020.

إنَّ النَشَاطَ المُتَوَاصِل والمُكَثَّفَ للمرصدِ الوَطَنِي للمُجتمَعِ المدني ومُختَلَفِ الفعالِيَات والنَدَوات المُنَظَمَة عبر مُختلَفِ ولايات الوَطَن وُصُولًا إلى هذَا المُنتدَى اليوم، يُمَثِل حقًّا تجسِيدًا لِرُؤْيَتِنَا الإستراتيجية الهادِفَة، ولأَوَّلِ مرةٍ في تاريخ الجزائر، إلى تكريسِ المُجتمعٍ المدنيٍّ باعتباره شريكاً فاعلاً، قادراً على تحمُّلِ المسؤولية مُشَارِكًا في المَشروع النّهضَوِي الذي اِلْتَزَمْنا بِه، من أجل تعزيزِ النَّسِيج الـمُؤَسسَاتِي لِتَقيِيم النَّشاطِ العُمُومي خِدمةِ للمُوَاطِن، إيمانًا مِنَّا بالمكانةِ الرَّاقِيةِ للمُجتمع المدنِي وبِدَوْرِهِ الحَيَوِي فيِ المُسَاهَمَة في نَشْرِ وتَعْزِيز قِيَمِ المُوَاطَنة وتعزيز العَمَلِ التَطَوُعِي للصالِح العام في جميع المجالات تحقيقًا لأَهدافِ التَّنميَةِ الوَطنِيَة.

ولا يَسَعُنِي في هذا الصدد، إلا التَأْكِيدُ مُجددًا على أنَّ الجزائرَ الجديدة التِّي جَعَلَتْ من المجتمع المدني والشّباب، الرَكِيزَةَ الأَسَاسِيَة فِي بِنَاءِها، سَتَمْضِي قُدمًا وبثباتٍ نَحوَ أَخْلَقَة الحَياةِ العامة وتَكْرِيسِ مقاربةٍ تشاركيةٍ على المُستوَيَيْن المركزِي والمحلِي فيِ كلِّ ما يتعلَقُ بمُعالجةِ الانشغالات اليومية للمُوَاطِن وتلبيةِ تَطَلُعَاتِهِ.

السيدات الفضليات، السادة الأفاضل
اعــتــرافـًـا منًّا بــالــطَــاقَــةِ الـتي يُشَكِـلُـهـا المجتمع المدني بكلِّ فَعَالِيَاتِه وفِئَاتِه فيِ رفـعِ التحدياتِ السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للبلاد، أَوْلَيْنَا اهتِمَامَا خاصًا لِترقيةِ وتَثمينِ دورِ المُجتمعِ المدني ليكونَ سدًّا منِيعًا ورافِدًا هامًا وإطارًا تفاعُلِيًا للنقاشِ العام حول مختلفِ الرِهانات والتَّحدِيَات الجماعية، وأيضًا باعتباره طَرَفًا هامًّا في مُعادلَةِ التنمية عبرَ دورِه التضامنِي والتحسيسي والرقابي.

لقد حَرَصنا انطلاقًا من هذه القناعة، على تمكِينِ المجتمع المدني من المساهمةِ في تشكيلِ العديدِ من الهيئات الوطنيةِ الهامَّة على غرارِ السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات والسُّلطة الوطنية للشفافيةِ والوقايةِ من الفساد ومُكَافَحَتِه والمجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، نظرًا لحجمِ المسؤوليةِ الـمَنُوطَةِ بهذه الهيئات والحاجةِ المُلِحةِ لاستِنَادِهَا إلى الخبرات التي تَحُوزُهَا فعالياتُ المُجتمعِ المدني عليها بكُلِّ تَوَجُهَاتِها والاِستِئْنَاسِ بِرَأيِهَا وَتَصَوُرَاتِها بحُكمِ تَوَاصُلِهَا المُبَاشِر مع الحَرَكِيَة المُجْتَمَعِيَة.

يُضَافُ إلى ذلكَ، اِلتزامُنَا الثَّابِت بِإِرسَاءِ نهجٍ جدِيد في مُعالَجَةِ السُّلطات العُمُومية لمُختلفِ الانشِغَالات اليومية للمُواطن عبر تَبَنِّي مبادِئِ الديمقراطية التَشَاركية وتكريسِ الحوار مع مُختلَف الفاعلين عند صِيَاغةِ السّياسات العمومية وتَنْفِيذِها، وخاصةً على المستوى المحلي الذِّي يَرْتَكِزُ بِشكلِ أسَاسِي على التَّفَاعُل اليَّومِي والدَائِم بين مختلف المَرَافِق العامة والمُوَاطِنين.
كما حَرَصْنَا دائمًا خلال زِيَارَات العمل والتفقُّد التي نَقُوم بها إلى ولايات الوطن، على تنظيمِ لقاءاتٍ مُباشرةٍ مع الأعيان ومُختلفِ أطيافِ المجتمع المدني من أجل التَحَاوُرِ مَعَهُم والاستِمَاع إلى اِنشغَالاتِهم والإِجابة على تَسَاؤُلَاتِهم.
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل

لقَدْ مَكَّنَت مُختلَف هذهِ التَدَابِير من إرساء ديناميكيةٍ جديدة عَكَسَها التفاعلُ الإيجابي والمستمرّ في العلاقة بين المجتمعِ المدني والسلطات العمومية. ولَيسَت الهبَّةُ التضامنية التي صنَعَتْها مُختلف أطيافِ المجتمع المدني في الظروف الصعبة التي مَرَّت بها البلاد إثر الأزمةِ الصحية العالمية أو بعضِ الأزمات الطبيعية، إلا مثالٌ حيّ على روحِ التضحية والعَطَاء والالتزَام والتَضامنِ الجديرة بالإشَادَة،يُؤَكِدُ وَجَاهَةَ مُرَاهَنَتِنَا على المُجتمَعِ المدني لِتعزيزِ الصُمُودِ وبِنَاءِ نَمُوذجٍ تَكَامُلِي بين قِوى المجتمع المدني و السلطات العمومية.

ولا يَفُوتُني بالمناسبة أن أُشِيد أيضًا بالزَّخَمِ الذِي رافق مختلفَ المُبادَرات التي أطلَقَها المرصدُ الوطني للمجتمع المدني، المتعلقةُ خاصة بخلقِ مساحاتٍ حوارية مُنْتَظَمَة عبر تنظيم “منتديات الحوار والمواطنة والتنمية المحلية” عبر كل ولايات الوطن، والمَدَى الذي بَلَغَهُ التشاوُر عبرَ المنصة الرقمية المستحدثة.

لقد سَمَحَتْ هذه الحركية بِبَعثِ نقاشٍ بنَّاء حول أُسُسِ ومُمَارسَات الديمقراطية التشاركية وبحثِ سُبُلِ مُواجهَةِ التحدياتِ المُرتبطة بمساهمةِ المُجتمع المدني في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتَحدِيدِ أفضلِ الصِيَغِ لِتلبيةِ تَطَلُعَاتِه خاصة فيما يتعلق ببناءِ القُدرات والتدريب والتمويل. كما أتَاحت هذه الحِوارَات أيضًا إجراءَ مسحٍ شامل لمُختلف الانشغالات المُعَبَّرِ عنها وتحديدِ الأولويات التي يتعين التركيزُ على التكفُّلِ بها.

كما يتعينُ التنويه عاليًا بمَسعَى المرصدِ إلى تفعيلِ مُساهمة أبناء الجالية الوطنية بالخارج في الجهد التنموي الوطني وتسهيلِ انخراطِهم فيه. لذلك، تجسيدًا لالتزاماتنا، نحْرِصُ كلَّ الحِرْص خلال الزيارات الرسمية التي نقُوم بها إلى مختلفِ الدول، وهو تقليدٌ أضحى يُمَيِّزُ هذه الزيارات، على عقدِ لقاءاتٍ مع أعضاء الجالية الوطنية بالخارج،باعتبارها جزءً لا يتجزأ من النسيج المجتمعي الوطني، ليس فقط للتكفل بانشِغَالَاتِهم والاطلاع على طُمُوحَاتِهم و آمالهم، لكن لإِشراكِهم فعليًا اعترافًا بدوْرِهِم المِحْوَرِي،في مسار التنمية الشاملة الذي باشَرَتْه الجزائر، و المساهمةِ في رسم مختلف السياسات الوطنية.
السيدات الفضليات، السادة الأفاضل

من أجل ضمانِ المُحَافَظَةِ على هذه الحَرَكِيَة وتَعزِيزِها، نَدْعُو فعالياتِ المجتمع المدني إِلى المزيد من الانخراطِ في المساعِي الراميةِ إلى جعلِ المُجتمَعِ المدني قوةَ اقتراحٍ فِعْلِيَةٍ وفَاعِلَة، مع التمسكِ بالخِيَار التشارُكِي، والالتزامِ بالعَملِ جنْبًا إلى جَنْبٍ مع السُّلطَات العمومية وفقًا لمُقتضَيَات الدُستور. كما نُهِيبُ بمُمَثِلي المجتمع المدني في كافة الهيئات الوطنية على المُسَاهَمَة بفعاليةٍ في أنشطةِ هذه الهيئات وإيصالِ مُقتَرَحَاتِ وانشِغَالَات مُختلف الشَرَائِح التي يُمَثِلُونَها من أجل إثراءِ النِقاشِ العام والحوار وإِنضاجِ السياسات العمومية، ودعم جهودِ تنفيذِها، وتعزيزِ قُدرَةِ السلطات العمومية على تقْيِّيمِها وتَقوِيمِهَا متى لَزِمَ الأمر.

من جهتها، فإنَّ الحُكومة مطالبةٌ بِمضاعفةِ الجُهود لتعزيزِ مكانةِ وإسهامِ المُجتمع المدني، سواءً على المستوى المحلي أو الوطني، في إطار المرافقةِ الدائمة له والتجاوبِ معه.

في هذا الإطار، تجدُر الإشارة إلى أن السَّعْيَ إلى ترشيدِ الجُهُود وتوحِيدِها في ظل تَنَوُّعِ المجالات التي يَشمَلُهَا نشاطُ المجتمع المدني، يُؤكِدُ أهميةَ العملِ من أجل تطويرِ أُطُر التعاون بين المرصد الوطني للمجتمع المدني وباقيِ الهيئاتِ الاستشارية والتنظيماتِ المُجتمعِيَة من أجل الانتقالِ إلى مرحلةٍ جديدة من العملِ الـمُنسجِم والـمُتكامِل، الأمرُ الذي سيُمَكِّن من تعزيزِ القدرةِ الجماعية على الاستجابةِ لمختلف التحديات ويُسَاهِم في قدر كبير في في ضَمانِ التكفُّلِ الأفضل بانشغالاتِ الكثير من فعاليات المجتمع المدني وتطويرِ قُدُرَاتِهَا وتوسِيع نطاقِ تأثيرِها.

إن الأهميةَ التي نُولِيها للمجتمع المدني ودَورِه دَفَعَتْنَا إلى إضِفَاءِ الطابع الإقليمي والعربي عليه من خلال التأكيدِ بمناسبة انعقاد القمة العربية في الجزائر يومي 1 و2 نوفمبر 2022، على توسيعِ مُشَاركَة مُكوِّناتِ المجتمع المدني وتفعيلِ أدوارِها في منظُومَةِ العمل العربي المشترك، وذلك ضمنَ سلسلةٍ من المُبادَرات الرامية إلى إعطاءِ المجتمع المدني العربي دورًا فعالًا وفقَ مُقاربةٍ تشاركية مع مختلفِ المؤسسات الرسمية للدُّوَلِ العربية.

السيدات الفضليات، السادة الأفاضل
أُعْرِبَ عن خالصِ العِرفان لكلِّ بَنَاتِنَا وأبنَائِنَا الناشِطِين الجَمْعَوِيِّين في مختلف المجَالات نَظيرَ ما يَبْذُلُونَه من جهودٍ مُقَدَرَةٍ في سبيل تكريسِ مُثُلِ التَّضامُن والتآزر، ونَشْرِ القِيَمِ الوطنيةِ النبيلة وصِيَانةِ هَوِيَتِنَا الحضَارية ومُقَوِّمَاتِنَا الثقافية.
كما أتمنى لأشغالِ مُنتدَاكُم كل التوفيق والنجاح في تعزيزِ الرؤيةِ الإستراتيجية للمرصد الوطني للمجتمع المدني، وكُلِّي ثقةٌ أنه سَيَتَمَكَّنُ من الوُصُولِ إلى توصياتٍ واقتراحاتٍ بَنَاءَةٍ تُساهِم في إثراءِ الورشات الإصلاحية الهامَّة التي نَعكِفُ على اِستِكْمَالِها. وأفضل مَا نختتِمُ به هُوَ ما سَبَقَ وأنْ أَكَدْناهُ فِي العديدِ من المناسبات “أَنَّ المَجْتَمَعَ المدني هُوَ الحَلِيفُ الأَوَّل لِتَحْقِيقِ اسْتِقَامَة الدَّولة وهو رَدِيفُ الحكومة ويَتَكَامل معها بما يُعزز الجهودَ الوطنيةَ الرامية إلى تحقيق التنمية المستدامة الشاملة بكل أبعادها”.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
شكرا على كرم الإصغاء،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى