الكاتب الصحفي هيثم رباني: “أنا قاضي تحقيق!!”

كتبها الصحافي: هيثم رباني

تمّ تعييني منذ شهرين كقاضي تحقيق في دائرة من إحدى دوائر الجزائر تضم أربع أحياء فوضوية ضخمة و مستصلحات زراعية و ثلاث مناطق صناعية و مدينة بسكانها و خدماتها و كان علي التعامل مع ما يصلني من قضايا و هذه هي قصتي كقاضي تحقيق في خمس نقاط.

  1. عندما تصلني قضايا القتل و المخدرات و استعمال السلاح الأبيض أو السرقات و قضايا الشرف فإني أودع المتهمين الحبس دون انتظار، و من ميزة هذا الصنف أنه غالبا ما يأتي من الأحياء العشوائية، و هم بطبيعة الحال متسخون و على وجوههم آثار البؤس و المخدرات.
  2. و أعترف أن صداعي كقاضي تحقيق هو من قضايا السرقات و النهب للمال العام و التزوير القادم من أصحاب المصانع في المناطق الصناعية الثلاث و لسوء حظي فقد جاءني رجل أعمال اكتشف أن شريكيه استعملا المزور للغش الضريبي و زورا سجلات تجارية و بطاقات تعريف و زورا الفواتير و تعاملا بالكاش في تسعين بالمائة من تعاملاتهم و هربا العملة الصعبة.
  3. وصلتني قضية هذا الرجل، و تعاملت معها بما وصلني من وثائق لكني لم أودع المتهمين المزورين الحبس كما أودعت غيرهم رغم علمي أنهما قد هربا مئات الملايير فشك الرجل أني أتعامل معهم و أن الأمر يتعلق بمنظومة معقدة للرشوة و التزوير، خاصة و أنه دق جميع الأبواب و لم يسمع له، و كيف لي أن أفهمه أن الإدارات التي أتصل بها لن تجيبني في أربعة أشهر لذلك لن أتصل بها كي أحصل على الأدلة، و ليرفع صاحبنا قضايا أخرى ضد شريكيه.
  4. و قد سألني الرجل المغبون لماذا لا تودع المزورين الحبس و توقف نزيف المال العام و لماذا تودع الموطنين المتسخين و لا تودع أصحاب الكوستيم ناهبي الملايير؟ و قد نغصني بهذا السؤال و عندما لم أجبه ذهب ليسأل وكيل الجمهورية الذي قال له: ” لولا أنك مغبون لوضعتك في الحبس على هذا السؤال، لأن القضاء هو الذي الذي يقرر الإيداع وليس أنت”، و أكبر ما يخيفني أن يخبط الرجل خبط عشواء من الغضب فيصيب من آذاه و من لا علاقة له بالموضوع.
  5. و أنا أفكر في وضع هذا الرجل المغبون فإذا بابنتي تقول لي: بابا من فضلك اغسل لي وجهي و أعطني الحليب، فعرفت أني كنت أحلم و بينما كنت أغسل لبنتي وجهها قالت لي: بابا حرقني الصابون في عيني فشللت لها عينها و نظرت في المرآة و شعرت بالراحة لأني فلاح بسيط و لست قاضي تحقيق و لا رجل أعمال مظلوم، لكن ما يحيرني ما معنى هذه الرؤيا؟

كتبها الصحافي: هيثم رباني

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى