الصناعة السينمائية في قلب استراتيجية الجزائر لتعزيز قوتها الناعمة

الناقد السينمائي جمال محمدي "السينما أحد أبرز أسلحة الثورة الجزائرية في مواجهة الاستعمار الفرنسي"

يعتبر القطاع الثقافي من أهم القطاعات السيادية لأية دولة، فهو قوّتها الناعمة والأداة التي تعبّر بها عن هويتها الثقافية وتروج لها من خلالها. كما يساهم في تعزيز الهوية الوطنية وأمنها الثقافي، في ظل تنامي الحروب الناعمة. إضافة إلى مساهمته الكبيرة في تحقيق التنمية الاقتصادية وتعزيز الاقتصاد الوطني.

لذلك، أصبحت الجزائر في السنوات الأخيرة تولي اهتمامًا كبيرًا بهذا القطاع الحيوي. فمنذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون قيادة البلاد، شهد القطاع ديناميكية ملحوظة تعكس رغبة الدولة في النهوض به، من خلال الاستثمار في قطاع الصناعة الثقافية، لاسيما في الصناعة السينمائية التي تعدّ أحد أهم عناصر ومكونات الصناعة الثقافية، وجزءًا أساسيًا من الثقافة الوطنية، فهي المرآة العاكسة للهوية الوطنية والقوة الثقافية للدولة.

وكانت السينما الجزائرية فيما مضى سلاح في يد جبهة التحرير الوطني و جيش التحرير الوطني في مواجهة و مقاومة الاستعمار الفرنسي الذي أراد أن يطمس هوية الشعب الجزائري من خلال استخدام كل الوسائل، كما عرفت الصناعة السينمائية في الجزائر مراحل متعدّدة بذلت الدولة جهودا في جعلها أداة من أدوات تبني الجزائر مشروع سياسة القوة الناعمة.

الرئيس تبون..”الجزائر انطلقت في حركة تنموية رائدة وآن الآوان لتكون الثقافة تاج هذه الحيوية”

إن اهتمام الدولة الجزائرية بهذا القطاع الحيوي ينبع من إرادة سياسية حقيقية، وهو ما ظهر جليًا في خطاب رئيس الجمهورية أمام أسرة السينما الجزائرية وأهل الثقافة والإعلام، خلال إشرافه على افتتاح الجلسات الوطنية للسينما،بالمركز الدولي للمؤتمرات “عبد اللطيف رحال” بالعاصمة، الأسبوع المنصرم. في مستهل كلمته، عبّر الرئيس تبون عن الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة للثقافة، وللنشاط السمعي البصري كأحد أهم روافدها، مشدّدًا على التزام الدولة بالاستجابة لطموحات المبدعين والمثقفين، لا سيما في مجال الصناعة السينماتوغرافية، وهذا من خلال استعداد الدولة لتقديم الدعم الكافي للمشاريع السينمائية الكبرى، حيث عبّر قائلا ” أُطمئن أهل السينما بحل إشكال التمويل لمشاريعكم الفنية سواء بالعملة الصعبة أو الوطنية”. وأضاف “لكم الحرية المطلقة في إبداعاتكم الفنية إلا ما يستهدف الجزائر”.

كلمات قوية توحي بإرساء عهد جديد للصناعة الثقافية بالجزائر بشكل عام وللصناعة السينمائية بشكل خاص، وبالتالي هي بداية حقيقية للاستثمار في هذا القطاع الذي يمثل القوة الناعمة للجزائر، وتعكس الرؤية الاستراتيجية للدولة في جعل الثقافة محورا أساسيا في معركة الحفاظ على الدولة الوطنية.

الناقد السينمائي الجزائري جمال محمدي فترة السبعينات والثمانينات كانت العصر الذهبي للسينما الجزائرية

تعود بدايات الصناعة السينمائية في الجزائر إلى فترة ما قبل الاستقلال، وتحديدًا منتصف الخمسينيات من القرن الماضي. في هذا السياق، أوضح الناقد السينمائي الجزائري جمال محمدي، في تصريح لـ”شرشال نيوز”، أن إرهاصات السينما الجزائرية الأولى بدأت مع فيلم “غطاسين الصحراء” للمخرج الجزائري طاهر حناش سنة 1952. ومع ذلك، كانت الولادة الحقيقية للسينما الجزائرية ثورية بامتياز، حيث أصبحت الصورة وحرب الصورة أحد الخيارات الاستراتيجية التي اعتمدها جيش وجبهة التحرير الوطني لإيصال صوت الثورة الجزائرية الفتية.

كان الهدف من هذه الخطوة نشر الوعي العام، محليًا ودوليًا، وتسليط الضوء على حجم التضحيات والمعاناة التي كان يعيشها الشعب الجزائري جراء بطش الاستعمار الفرنسي. وبناءً على توصيات مؤتمر الصومام عام 1956، بذلت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية جهودًا كبيرة لخلق جبهة جديدة يكون سلاحها الصورة وبندقيتها الكاميرا، ما أدى إلى ميلاد السينما الجزائرية كجزء لا يتجزأ من النضال الوطني.

وأوضح فيما يتعلق بميلاد ونشاط الخلية السينماتوغرافية التي انبثقت من رحم الثورة الجزائرية، أن هذه الخلية كانت سلاحًا جديدًا استخدمته جبهة التحرير الوطني في حربها ضد الاستعمار الفرنسي، حيث كان لها تأثير بالغ في إيصال الصوت الحقيقي للثورة وإظهار وجهها بعيون جزائرية. كما أشار إلى الدور الكبير الذي لعبه أصدقاء الثورة الجزائرية في تأسيس هذه الصناعة، مثل “روني فوتيه”، “بيار كليمون” (Pierre Clément)، “ستيفان لابيدوفيتش” (Stevan Labidovic)، “بيار شولي” (Pierre Chaulet)، “يان لوماسون وزوجته أولغا لوماسون” (Yann le Masson & Olga Le Masson)، و”سيسيل ديكوغيس” (Cécile Decugis)، وغيرهم من “سينمائيي الحرية” (Cinéastes de la liberté)، كما أصبح يُطلق عليهم بعد الاستقلال.

محطات هامة في تاريخ السينما الجزائرية…”من أفلام الكفاح المسلح إلى الميلاد الجديد للسينما الروائية”

وفيما يتعلق بالإنتاج السمعي البصري الجزائري، يشير الناقد محمدي إلى أن بداياته تعود إلى عام 1956، مع فيلم “المبعدون” أو “اللاجئون” (Les Réfugiés) للمخرجة سيسيل ديكوجيس (Cécile Decugis). وقد تمّ تصوير هذا الفيلم على الحدود الجزائرية التونسية، وكان الهدف من إنتاجه هو عرضه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لتسليط الضوء على حجم المعاناة والاضطهاد الذي تعرض له الشعب الجزائري جراء ممارسات جيش الاحتلال الفرنسي.

كما أشار الناقد محمدي إلى الدور المهم الذي اضطلعت به مدرسة التكوين السينمائي الجزائري، التي بدأت نشاطها الفعلي عام 1957. وقد ساهمت المدرسة في تأهيل وتدريب مصورين عملوا على إنتاج ثلاث أشرطة وثائقية، وهي شريط يوثّق نشاط مدرسة التكوين السينمائي، بالإضافة الى شريط آخر يتناول موضوع الممرضات في جيش وجبهة التحرير الوطني ودورهن البطولي خلال الثورة. وشريط ثالث يصور هجومًا نفّذه المجاهدون على منجم الونزة، كجزء من العمليات العسكرية ضد الاحتلال الفرنسي.

وذكر الناقد محمدي أن البداية الحقيقية لإنتاج فيلم وثائقي متكامل كانت في عام 1958، من خلال فيلم “الجزائر تلتهب” (L’Algérie en flammes)، وهو فيلم وثائقي بالألوان على شريط 16 ملم أخرجه وأشرف على إنتاجه مؤطر السينما الجزائرية في الجبال، روني فوتيه (René Vautier). وأشار إلى أن الفيلم تمّ إنتاجه وتحميضه في ألمانيا الشرقية، وقد صُوّر بشكل سري داخل الأراضي الجزائرية.

وأوضح الناقد محمدي أن هذا الفيلم جاء كردّ فعل على الدعاية الفرنسية التي كانت تزعم أن “الجزائر فرنسية”، حيث سعى إلى تفنيد هذه المزاعم عبر توثيق الواقع المأساوي للشعب الجزائري تحت الاحتلال.

وأضاف الناقد أن العام نفسه شهد إنتاج أفلام وثائقية أخرى وثّقت الأحداث الدامية والجرائم التي ارتكبتها فرنسا خلال تلك الفترة. ومن بين تلك الأفلام، أشار إلى شريط “ساقية سيدي يوسف” الذي أخرجه بيار كليمون (Pierre Clément)، والذي سلّط الضوء على المجازر الفرنسية التي وقعت في تلك المنطقة الحدودية.

وفي سياق حديثه عن الإنتاج السينمائي الجزائري خلال مرحلة الحكومة المؤقتة، أبرز الناقد محمدي الجهود الكبيرة التي بذلها كل من الدكتور بيار شولي (Docteur Chaulet)، جمال شندرلي (Djamel Chanderli)، ومحمد لخضر حمينة (Mohammed Lakhdar Hamina) في إنتاج فيلم “جزائرنا” (Djazairouna)، الذي استند إلى صور حقيقية للكفاح المسلح، ليجسد نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي.

وأشار أيضًا إلى إنتاجات سينمائية أخرى صدرت عام 1961، من بينها فيلم “كان عمري ثمان سنوات” (J’avais huit ans)، الذي أخرجه يان (Yann) وزوجته أولغا لو ماسون (Olga Le Masson) بالتعاون مع روني فوتيه (René Vautier). هذا الفيلم وثق شهادات الأطفال الجزائريين الذين عايشوا ويلات الاستعمار.

كما ذكر الناقد محمدي فيلم “صوت الشعب” (La Voix du peuple)، الذي أخرجه الجزائريان جمال شندرلي ومحمد لخضر حمينة، وهو عمل آخر جسّد نضال الشعب الجزائري وأبرز صوته في مواجهة الاحتلال.

انتهى وجود فرنسا في الجزائر سنة 1962، بفضل كفاح الشعب الجزائري وتضحياته الجسيمة، لتدخل الجزائر عهداً جديداً في كنف الحرية والاستقلال. عهد لإعادة البناء و تأسيس مؤسسات جزائرية تابعة لدولة الجزائرية المستقلة، فكانت سنة 1962 بداية لإرساء معالم الصناعة السينمائية الجزائرية تعكس هوية الجزائر الثقافية وتاريخها التحرري. فكان تأسيس شركة الإنتاج السينمائي الجزائرية (ONCIC) عام 1963 خطوة أساسية في هذا الاتجاه. في هذه الفترة، سعى المخرجون الجزائريون إلى إنتاج أفلام تروي تاريخ الثورة الجزائرية وتجسد المعاناة والآمال الوطنية.

وفي هذا الشأن ذكر الناقد محمدي، عدد من الأشرطة الوثائقية التي تمّ انتاجها، في عهد الاستقلال على غرار الشريط الوثائقي “فجر المعذبين ” L’Aube des damnés للمخرج احمد راشدي إلى “الليل يخاف الشمس” La Nuit a peur du Solei للمخرج مصطفى بديع، هذا الفيلم الذي تمّ إنتاجه بالإشتراك بين الإذاعة والتلفزة الجزائرية، والمركز الوطني للسينما.

هذا واعتبر الناقد محمدي بأن سنة 1965 كانت نهاية مرحلة الأفلام والأشرطة الوثائقية التي تجسّد روح المقاومة في السينما الجزائرية الناشئة. لتدخل السينما الجزائرية مرحلة جديدة بداية من سنة 1966، والتي عرفت جرأة السينمائيين الجزائريين، في اقتحام عالم السينما بكل عناصره ومكوناته التقنية والفنية، بإنتاج أولى الأفلام الروائية الخيالية الطويلة، “ريح لأوراس” (Le Vent des Aurès) للمخرج محمد لخضر حمينة سنة 1966 .

وفي تقدير العديد من النقاد و المتتابعين للشأن الثقافي و السينمائي بالجزائر، تعدّ فترة السبعينات والثمانينات، عهد ازدهار و هوج السينما الجزائرية ، حيث وصف الناقد محمدي هذه الفترة بالعصر الذهبي”، واعتبرها فترة انتاج سينمائي بامتياز، قبل أن تتخلى الدولة على هذا القطاع في ما بعد، مستذكرا الإنجازات المحقّقة مثل “معركة الجزائر” La Bataille d’Alger و ‘ وأولاد نوفمبر” (1975)، ووصول السينما الجزائرية إلى جوائز الأوسكار العالمية من خلال إنتا ج فيلم “z” العام 1969للمخرج كوستا غافراس، والتتويج بالسعفة الذهبية بمهرجان كان سنة 1975 بفضل فيلم ” وقائع سنين الجمر” (Chroniques des Anneés de Braise) وإنتاج أفلام أخرى كبيرة لا تقل أهمية مثل “ريح الجنوب” (Le Vend du Sud) و “والطاكسي المخفي ” (Le Clandestin) و” ملحمة بوعمامة” (l’époupé de Bouamama ) .

إلى نهاية الثمانينات، وهو العهد الذهبي للسينما الجزائرية وهي كذلك الفترة التي عرفت إنتاج أفلام ذات مرجعية أساسية في مسار السينما الجزائرية، قبل أن تتخلى الدولة على هذا القطاع الذي يعتبر كغيره من القطاعات مصدر صناعة واستثمار، حيث عرفت السينما الجزائرية أجمل فتراتها من حيث غزارة الانتاج وعدد التتويجات وخير دليل على ذلك أفلام مثل “معركة الجزائر” La Bataille d’Alger و ‘ وأولاد نوفمبر” ووصول السينما الجزائرية إلى جوائز الأوسكار العالمية من خلال إنتا ج فيلم “z” العام 1969للمخرج كوستا غافراس، والتتويج بالسعفة الذهبية بمهرجان كان سنة 1975 بفضل فيلم ” وقائع سنين الجمر” (Chroniques des Anneés de Braise) وإنتاج أفلام أخرى كبيرة لا تقل أهمية مثل “ريح الجنوب” (Le Vend du Sud) و “والطاكسي المخفي ” (Le Clandestin) و” ملحمة بوعمامة” (l’époupé de Bouamama ) .

تحديات السينما الجزائرية منذ الاستقلال

وفيما يخص التحديات التي عرفتها السينما الجزائرية منذ الاستقلال، أوضح محمدي قائلا” نتكلم هنا على كل الانتاجات السينمائية والبرامج التلفزيونية التي رصدت لها الدولة الإعانات المالية، لكن في غياب الشفافية والمحاسبة والمتابعة المطلوبة في هذا المجال، من طرف الهيئة وخاصة صندوق الدعم “فداتيك“(FDATIC) الذي كان آلية مهمة من آليات تموين المشاريع السينمائية في الجزائر رغم عيوبه الكثيرة، وإلى الآن لم يعاد النظر في كيفيات وضوابط منح هذه المساعدات، من حيث الحرص على تطبيق روح القانون التي تعني المنافسة الشريفة والاستشارة الموسعة والشفافية الكاملة التي تعطي الجميع فرصة إنتاج أفلامهم على قدم المساواة، في غياب الحد الأدنى من شبكة القاعات السينمائية الضرورية لتمكين الجمهور من مشاهدة الأفلام والحكم عليىها”.

وأضاف،مهما يكن فإنه ومنذ 2020 تحاول الدولة ايجاد الحلول المناسبة لتطوير السينما الجزائرية، ضمن السياسية العامة بهدف خلق صناعة سينماتوغرافية تنافسية، بدءا بالجلسات الأولى للسينما، استصدار قانون الفنان، وقانون السينما، وغيرها من الإجراءات.

القانون الأساسي للفنان وللصناعة السينمائية… حجز الزاوية في تعزيز القطاع الثقافي

شكّل صدور القانون الأساسي للفنان حجر الزاوية في مسار دعم قطاع الثقافة في الجزائر، حيث يُعد إنجازًا تاريخيًا يعكس التزام الدولة بتكريس حقوق الفنانين وحمايتهم.

كما تمّ اصادر قانون الصناعة السينماتوغرافية، بهدف تأطير ممارسة مختلف النشاطات المتعلقة بالصناعة السينماتوغرافية، متضمن جملة من الإجراءات والتدابير لدعم الصناعة السينماتوغرافية من خلال تشجيع وترقية الاستثمار والشراكة في الصناعة السينماتوغرافية، على غرار إمكانية استفادة المستثمرين في هذا المجال من الأملاك الخاصة للدولة وأملاك الجماعات المحلية من أجل إنجاز مدن سينمائية ومركبات العرض السينمائي.

وفي هذا الشأن يرى الدكتور والمهتم بالشأن الثقافي والسينمائي خالد بن طوبال في تصريحه لـ شرشال نيوز”، أنه من الجيد أن تسنّ الدولة الجزائرية قانونًا خاصًا بالفنان الجزائري بعد سنوات طويلة من التردي الفني، سواء من حيث الإنتاج أو حقوق الفنان. وأوضح أن هذا القانون قد يكون خطوة أولى نحو تأسيس نقابة للمهن الفنية بكل فروعها.

وأشار بن طوبال إلى أن العديد من التجارب العالمية قد سبقت في تأطير الواقع الفني، وأكد أن القانون الجديد يساهم في تحصين الفنان اجتماعيًا، مما يتيح له أن يسهم في إثراء المشهد الثقافي بشكل أكثر احترافية.

وأضاف أن المجلس الوطني للفنون والآداب كان له دور في إصدار هذا المرسوم في العام الماضي، مما يساعد على تحديث مختلف المهن الفنية التي يشملها القانون الجديد، والذي يعد جزءًا من اهتمامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
وبموجب هذا القانون، يستفيد الفنان الجزائري، بالإضافة إلى التقنيين والإداريين، من بطاقة فنان، ويضمن له ممارسة النشاط الفني بحرية في إطار التشريعات المعمول بها، وكذلك الحصول على عقود فنية، مقابلات مالية عن الأنشطة الفنية، الضمان الاجتماعي والتقاعد، فضلاً عن تأمين تكميلي يغطي المخاطر الاستثنائية التي قد يتعرض لها أثناء ممارسة عمله الفني.

ويعكس هذا القانون التزامًا حقيقيًا من قبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تجاه القطاع الثقافي والفني، إلى جانب التزامات أخرى تهدف إلى تعزيز الإنتاج الفكري والثقافي لدعم النمو الاقتصادي. يشمل ذلك تطوير الصناعة السينمائية والثقافية، تشجيع الخبرات الوطنية لتقليل الاعتماد على الخدمات المستوردة، وتوفير حوافز لإنشاء استوديوهات ومنشآت ثقافية.

نحو تأسيس جيل جديد من الفنانين والمبدعين القادرين على قيادة المشهد الثقافي مستقبلاً

أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في خطابه، أمام الفاعليين في عالم السينما، أن هذه المرحلة الجديدة من دعم السينما الجزائرية ليست وليدة اللحظة، بل تأتي كتتويج لمسار متدرج يهدف إلى بناء أسس صلبة لصناعة سينمائية وطنية حقيقية.

وأوضح أن البداية كانت مع إدراج التعليم الفني ضمن المنظومة التربوية، من خلال استحداث “البكالوريا الفنية”، وهي خطوة نوعية تهدف إلى اكتشاف وصقل المواهب الشابة في سنّ مبكّرة، عبر مناهج تعليمية متخصصة تدمج بين الفنون النظرية والمهارات التطبيقية. هذا الإدماج يمهّد الطريق لتأسيس جيل جديد من الفنانين والمبدعين القادرين على قيادة المشهد الثقافي مستقبلاً.

وتماشياً مع هذه الرؤية الاستراتيجية، تم إنشاء ثانوية الفنون، وهي المؤسسة الأولى من نوعها منذ الاستقلال تهدف إلى تقديم تكوين شامل في مختلف الفنون، بما في ذلك السينما. كما أنها تشكل البداية أو المحطة الأولى من مسار التكوين الفني لطلاب ، ليكونوا مستعدين فيما بعد لمتابعة مسارهم الفني والأكاديمي على أعلى مستوى.

وفي إطار استكمال هذا المسار، جاء إنشاء “المعهد العالي للسينما” كخطوة أساسية تهدف إلى رفع مستوى التكوين السينمائي في الجزائر، ليواكب المعايير الدولية. هذا المعهد يوفّر تكويناً أكاديمياً وتقنياً شاملاً، ويساهم بشكل متكامل في تأهيل كفاءات وطنية قادرة على النهوض بالصناعة السينمائية، سواء في الإخراج، كتابة السيناريو، التصوير، أو تقنيات الإنتاج الحديثة.

وأشار الرئيس تبون إلى أن هذه الجهود لا تقتصر على الجانب التعليمي فقط، بل تتكامل مع خطوات أخرى تهدف إلى تعزيز البنية التحتية السينمائية، مثل إنشاء استوديوهات حديثة ودور عرض متطورة، بالإضافة إلى توفير حوافز تشجيعية لدعم الإنتاج المحلي وجذب الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي. بهذا، تسعى الجزائر إلى بناء صناعة سينمائية تكون أحد أهم عناصر قوتها الناعمة.

الجلسات الوطنية للسينما.. خارطة طريق عملياتية ملموسة

تندرج فعاليات “الجلسات الوطنية للسينما” ضمن إطار رؤية استراتيجية شاملة تهدف إلى مواجهة تحديات القطاع السينمائي المعاصر. وتسعى هذه المبادرة إلى وضع خارطة طريق عملية تسهم في تحقيق تقدم ملموس نحو تأسيس صناعة سينمائية حديثة وقادرة على المنافسة في الساحة الإقليمية والدولية، حيث اعتبر الناقد السينمائي جمال محمدي أن هذه الجلسات ستشكل دفعة قوية للمشهد السينمائي الجزائري وللصناعة السينماتوغرافية التي عانت من تعثرات على مدى سنوات.

وأوضح الناقد محمدي أن ما يميّز هذه الجلسات هو انعقادها تحت رعاية رئيس الجمهورية، مما يعكس أهمية القطاع السينمائي ضمن الرهانات الاستراتيجية للدولة الجزائرية. وأعرب عن تفاؤله بأن تؤدي هذه الجلسات إلى توجه جاد نحو تطوير الصناعة السينمائية، مع منحها الأولوية اللازمة لتعزيز مكانتها وتحقيق قفزة نوعية في هذا المجال.

هذا وأعتبر أن هذه الجلسات حول السينما تعدّ الثانية من نوعها بعد الأولى التي تمّت سنة 2023 حول سياسة الصناعة السينماتوغرافية في الجزائر الهادفة إلى مناقشة وإثراء قانون الصناعة السينماتوغرافية، وحضرها عدد من السينمائيين والمهنيين والنقاد والمهتمين بقطاع الصناع السينماتوغرافية.

وأوضح محمدي أن الدولة تهدف من خلال هذه الجلسات إلى إشراك الفاعلين الأساسيين في مجال السينما ضمن الرؤى الجديدة للجزائر، وذلك بهدف النهوض بالصناعة السينماتوغرافية. ويشمل ذلك تقديم المقترحات ومناقشتها في مختلف الجوانب العملية السينمائية، فضلاً عن إشراك عدد من القطاعات التي يمكن أن تسهم في دعم هذه الصناعة بشكل مباشر وغير مباشر.

مهدي الباز

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى