الدكتور محمد لعقاب للجزائر اليوم: ” التهديد بالعصيان المدني اعتراف بانهزام الأفكار الهدامة ويضع الجزائر في خانة الدول الفاشلة لفرض التدخل الأجنبي”
أجرت “الجزائر اليوم ” حوارا مركزا مع الدكتور محمد لعقاب، الذي تفاعل بأفكاره منذ انطلاق الحراك، وأثبتت الأيام صدق تحليلاته وقراءته وتوقعاته لمسار الأحداث منذ الجمعة الأولى .
والدكتور محمد لعقاب، كان من أوائل من دعا إلى التمسك بالحلول الدستورية، منتقدا دعاة الحلول غير الدستورية والتي اعتبرها في وقت مبكر بأنها ستفتح باب جهنم على الجزائر.
في هذا الحوار، الذي يعيد الملحق الوطني لشرشال نيوز بنشره لقرائه بعد إذن من إدارة الجزائر اليوم، يواصل الدكتور محمد لعقاب تقديم قراءته للمشهد الجزائري واقعا ومستقبلا.
1 – “الجزائر اليوم”: منذ أسبوع شرعت لجنة الوساطة والحوار في استقبال العديد من الشخصيات وممثلين عن المجتمع المدني، ماهي قراءتكم كمتابع للوضع السياسي في البلد لهذه اللجنة وعملها منذ تنصيبها؟
** الدكتور محمد لعقاب: من حيث المبدأ، لا بد أن نثمن تشكُل لجنة الحوار والوساطة، ونحيي أعضائها الذين تحملوا مسؤولية تاريخية، فبفضل هذين العنصرين تحطم الحاجز النفسي الرافض لكل المبادرات التي ترمي إلى إعادة الجزائر إلى سكة الانتخابات.
وبتحطم هذا الحاجز النفسي وشروع اللجنة في عملها وبناء على تصريحات عدد من أعضاءها يمكن القول أن الحل الدستوري للأزمة الجزائرية قد انتصر على الحلول غير الدستورية التي كانت تسعى إلى تعيين هيئة رئاسية وإنشاء مجلس تأسيسي وانتهاج الحكم الفدرالي وغيرها من الخيارات الخطيرة على كيان الدولة الجزائرية ووحدتها وسيادتها.
لكن من حيث تركيبة اللجنة يبدو لي أنها ليست متجانسة بدليل أن هناك تصريحات متضاربة بين أعضاها وتولد لدينا شعورا أن بعض التصريحات تصحح تصريحات أخرى، وهذا قد يدل على وجود ارتباك في خريطة الطريق لهذه اللجنة.
الشيء الثاني يبدو أن اللجنة لا تضم شخصية محورية تتمتع بصفات القيادة للجماعة يعود إليها أعضاء الفريق في كل كبيرة وصغيرة، وهذا بدوره يؤثر على التجانس وترسل إشارات غير مطمئنة للرأي العام.
2 -أين يكمن هذا الارتباك؟
** نلاحظ هذا الارتباك من خلال تضارب التصريحات فمثلا رئيس اللجنة كريم يونس، لا يرغب في أن يكون هنالك دور لبعض الأحزاب على غرار جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي، بينما يرى رئيس اللجنة السياسية (عمار بلحيمر) عكس ذلك ويرفض الإقصاء ولا يحمل المناضلين أخطاء قيادات هذه الأحزاب الموجودة أصلا اليوم في سجن الحراش.
الارتباك البارز الثاني، هو قول اللجنة أن تنظيم الانتخابات في أقرب الآجال هي أولوية مطلقة وأن سبب وجود اللجنة هو العودة إلى المسار الانتخابي بتوفير الشروط التي تمكن من تنظيم رئاسيات ذات مصداقية عالية، ولكن طريقة العمل قد تأخر الرئاسيات إلى غاية 2030، لأن أصل العمل كان يتطلب أن يكون هناك هذه اللجنة القائدة للحوار تقوم بتكوين أمانة للجنة التي تقوم بتحرير تقرير بناء على كل الأفكار والمبادرات والاقتراحات التي تتلقاها وتستمع إليها اللجنة. أما تشكيل عدة لجان فقد يؤدي إلى تشتيت الجهود وإطالة عمر الحوار وتأخير الرئاسيات ولو إلى عام 2020 على حد تعبير أحد أعضاء اللجنة. بينما زاد منسوب الخوف على مستقبل الجزائر في أوساط الرأي العام الذي أصبح ينتظر تنظيم الانتخابات قبل نهاية السنة بفارغ الصبر.
من جهة أخرى يبدو أن اللجنة ليست مدركة تماما لمهامها الأساسية، فمن جهة تقول أن دورها هو تحضير الانتخابات، ولكن بعض تصريحاتهم تترك الانطباع لدى المتتبعين أن هناك رغبة للسطو على الدستور وعلى البرلمان بغرفتيه.
3 – هذه خلاصة خطيرة جدا، على ماذا استندتم في الوصول إليها؟
** بالمختصر استندت إلى تصريحات إعلامية لأعضائها فقانون الانتخابات مثلا، يتضمن تعهدا مكتوبا للمترشح يلتزم بموجبه بمجموعة من المبادئ التي تعتبر بمثابة ميثاق شرف فلماذا يتجاوز ذلك وتعلن اللجنة أنها بصدد وضع ميثاق شرف يوقع عليه المترشح، فهل هذا من صلاحيتها؟
النقطة الثانية، حسب بعض المعلومات المتداولة، التي تقول أن اللجنة تلزم الرئيس القادم بعهدة واحدة هي عهدة انتقالية، وتلزمه بخريطة طريق، أي برنامج سياسي. فمن أعطى اللجنة هذه الصلاحيات بينما وظيفتها هي الاستماع للآراء والأفكار وإعداد تقرير نهائي.
من جهة أخرى، فإن هذا يعدّ بدوره سطوا على الإرادة الشعبية، فالشعب هو الذي يختار الرئيس الذي يريد وليست هذه اللجنة. وهو تعد أيضا على المادة 7 و8 التي يطالب بها الشعب.
وثالثا، بعض التصريحات ترى أن مخرجات هذه اللجنة تطبق بشكل مباشر بدون أن يصادق عليها البرلمان، فمن أين تستمد مخرجات اللجنة قوتها القانونية. وإذا سارت الأمور بهذه الطريقة فيعني إننا دخلنا عن طريق هذه اللجنة مرحلة انتقالية غير دستورية.
4 – ماهو المطلوب في نظركم؟
** المطلوب هو تركيز الجهود على نقطتين أساستين:
النقطة الأولى هي الاستماع لوجهات نظر الفاعلين السياسيين بخصوص إنشاء لجنة تنظيم الانتخابات، بحيث تكون في شكل حكومة مستقلة كليا مهمتها فقط تنظيم الانتخابات، ويصب التفكير والاقتراحات حول عدد أعضائها وهويتهم، وسيادة اللجنة واستقلاليتها المالية وعلاقتها بالحكومة.
أما الشق الثاني، فيتعلق بالسند القانوني لهذه اللجنة الذي يتطلب بالضرورة تعديل قانون الانتخابات وبدرجة أقل المادة 194 من الدستور لجعلها متطابقة مع مخرجات الحوار في هذا الشأن.
وأيضا يمكن تعديل بعض المواد المتعلقة بشروط الترشح للرئاسيات مثل المادة 145 من قانون الانتخابات التي تنص على جمع المترشح 60000 توقيع من 25 ولاية على الأقل، إذ يمكن تخفيها إلى 48000 توقيع في 48 ولاية، وتخفيف 600 توقيع من المنتخبين إلى 200 توقيع مثلا ()، وهذه الإجراءات سوف تجعل الانتخابات تنافسية ومفتوحة، وسيرتفع عدد المترشحين وسيغلق الباب أمام شراء الذمم، لجمع التوقيعات ويؤدي إلى ارتفاع نسبة المشاركة.
وبعد هذه التعديلات لابد أن يصادق عليها البرلمان حتى تكتسب قوتها القانونية وهذا العملية كلها لا يمكن أن تتعدى 15 يوما.
“الإسلاميون أكلوا رصيدهم الإيديولوجي والسياسي والشعبي” |
5– لا حظنا أنه لحد الآن لم يتم الالتقاء بالمعارضة، بماذا تفسرون ذلك وخاصة ما يسمى بالتيار الإسلامي؟
** أولا لا ينبغي أن نتعجل الأمور، فلجنة الحوار قالت أنها ستستقبل كل الأطياف السياسية بما في ذلك المناضلين من أحزاب الموالاة.
ولكن هناك نقطة وجب أن نشير إليها، أن لا يجب على اللجنة أن تهدر وقتها في إرضاء الأحزاب من أجل المشاركة في الحوار. لأن الأحزاب لديها أفكارها الجاهزة بقي فقط أن تسلمها إلى اللجنة. أما العمل على استرضاء الأحزاب فقد يؤدي إلى نتيجة عكسية، لان الجزائر في أزمة، والأزمة تتعمق والحوار يجب أن يكون بمن حضر. وكل من يرفض الحوار والذهاب إلى الرئاسيات يتحمل مسؤوليته التاريخية.
أما التيار الإسلامي الذي أشرت إليه، فقد بات واضحا من البداية انه كان مدافعا عن الحلول غير الدستورية، فجاب الله كان من أنصار القيادة الجماعية، وحمس من أنصار رجل الإجماع. وعندما مالت الكفة لصالح الحوار والانتخابات لاحظنا عدم تحمس التيار الإسلامي، بل أنهم أطلقوا تصريحات مفادها أنهم بحاجة لبعض الوقت لاتخاذ الموقف النهائي رغم انه شرعا في مثل هذه الظروف ينبغي الاحتكام لحديث السفينة الذي يفقهه الإسلاميون جيدا.
وبهذا فإن الإسلاميين أكلوا من رصيدهم الإيديولوجي ومن رصيدهم السياسي ومن رصيدهم الشعبي.
“التيار الديمقراطي من المهد إلى اللحد” |
6 – وهل ينطبق نفس التوصيف عما يسمى بالتيار الديمقراطي؟
** التيار الديمقراطي منذ البداية كان تيارا ديمقراطيا مزيفا، لأن أصل الديمقراطية هو الاختلاف في الرأي والاحتكام إلى الصندوق والدفاع عن الحرية بما فيها حرية الآخرين. لكن التيار الديمقراطي الجزائري لا يؤمن بالديمقراطية إلا إذا كانت في صالحه، ولا يؤمن بحرية الرأي إلا لأنصاره، ويرفض فتح منابره للأفكار الأخرى، بل يشنّ أنصاره هجوما إعلاميا على الأفكار التي تعارضه، يصل إلى درجة القذف تجاه المختلفين مع رؤيته وأفكاره. أما تمسكهم بفكرة تعيين المسؤولين من رئاسة الجمهورية إلى أسفلها فهذا دليلهم على رفض الانتخابات التي تعتبر أهم وسيلة للوصول إلى السلطة والخروج منها في الأنظمة الديمقراطية.
ووصل بهم الأمر إلى تبرير رفضهم للانتخابات بكونها تقصي الأقلية بينما في الأنظمة الديمقراطية الأغلبية تحكم وحقوق الأقلية السياسية محفوظة ولها الحق في مواصلة النضال.
7 – هل تعتبر أن انطلاق هذا الحوار انتصار للحراك أم فشل له كما يدعيه البعض؟
** إن الحوار بالمفهوم الذي شرحته لك سابقا الذي يؤدي إلى العودة السريعة للانتخابات قبل نهاية السنة، هو انتصار كبير للحراك، وتتويج للمكاسب التي تحققت، ذلك أن تبنّي الجيش لمطالب الحراك الشعبي أدى إلى تحقيق كل مطالب الحراك التي رفعت في الجمعات الأولى وتحديدا قبل الجمعة العاشرة. لم يبقى فقط سوى تتويج هذه المطالب بانتخاب شرعي في انتخابات تنافسية حرة وديمقراطية. أما الحوار الذي يغرق في التفاصيل فإنه يؤثر على المكتسبات الحراك وقد يعصف بها كليا.
8 – وماذا عن أحزاب الموالاة؟
إن أحزاب الموالاة، وخاصة جبهة التحرير الوطني، هي ضحية السطو من العصابة، وكان الكثير من المناضلين الشرفاء قد أسسوا حركات تصحيحية لاسترجاع الحزب لكنهم فشلوا بسبب العصابة. أما اليوم فإننا أمام وضع جديد حيث يوجد مسؤولي الحزب رهن الحبس. وعلى المناضلين أن يثبتوا وجودهم في العمل السياسي.
من جهة أخرى كل الأحزاب بشكل أو بأخر ، شاركت الرئيس بوتفليقة الحكم من البلدية إلى الحكومة. مثل التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية وحركة وحركة مجتمع السلم وحزب العمال وحركة النهضة والإصلاح. وعندما خرج التجمع من اجل الثقافة والديمقراطية من الحكومة ترك أذرعه عن طريق خليدة تومي وحزب عمارة بن يونس، وهذا التوصيف يصلح على الجميع تقريبا. لذلك لا ينبغى أن ينطلق بناء الجزائر على الإقصاء، لأن الجميع شارك بوتفليقة الحكم والجميع تضرر منه.
“الحراك المضاد هو الذي يرفع شعارات مضادة للحوار والانتخابات” |
9– كيف ذلك، وهناك من يرى أن استمرار الحراك هو ضمانة للضغط لتحقيق المطالب؟
** بالفعل، ولكن كلما طال أمد الحوار وتشعبت محاوره، دخلنا مرحلة انتقالية غير دستورية وقد يفرض حينها إطلاق سراح العصابة وعودتها إلى الساحة السياسة بشكل مباشر أو غير مباشر. أما قولك بأن الحراك يجب أن يبقى للضغط فهذا صحيح إذا كنت تقصد الحراك الحقيقي الذي حقق كل المكاسب بقي فقط الانتخابات الرئاسية، ويتعين عليه اليوم أن يواصل ضغطه لكي تكون حرة ونزيهة. لكن هناك نوع آخر من الحراك وهو الحراك المضاد المخترق من طرف العصابة والذي يرفع شعارات تشوّش على الحوار وتقذف في أعضاء اللجنة وتهدد استقرار الدولة من التهديد بالعصيان المدني حتى وصل الأمر بجمعية ” راج” التي تنتمي إلى التيار الديمقراطي الذي تحدثنا عنه سابقا، إلى اقتحام مقر لجنة الحوار والوساطة. ولو كانت هذه الجمعية إسلامية مثلا لاتهمت بالإرهاب وتحركت كل قنوات العالم ضدها بما فيها التيار الديمقراطي المزعوم.
” التهديد بالعصيان المدني اعتراف بانهزام الأفكار الهدامة ويضع الجزائر في خانة الدول الفاشلة لفرض التدخل الأجنبي” |
10– أشرتم قبل قليل إلى تهديد “الحراك المضاد” بالعصيان المدني، ماهي قراءتكم لذلك؟
** اعتقد أن كل من يدعو إلى التطرف بأي شكل من الأشكال فهو ضعيف من الناحية الفكرية وحجته ضعيفة. وهذا يقودنا إلى القول أنه بعد أن فشل دعاة الحلول غير الدستورية في تعيين قيادة جماعية أو قيادة ثلاثية أو رجل الإجماع، وفشل التوجه نحو المجلس التأسيسي أو الحكم الفدرالي، ومع تبني المؤسسة العسكرية للحلول الدستورية وانطلاق الحوار من أجل العودة إلى الرئاسيات في أقرب وقت، يكون دعاة الحلول غير الدستورية قد انهزموا فكريا فعمدوا إلى التهديد بالعصيان المدني الذي في نهايته يسعى إلى تعفين الوضع سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. وحتى نعود إلى الوضع الطبيعي فإن فكرة إطلاق سراح الموقوفين التي تعني العصابة قد تفرض نفسها كشرط من شروط الحوار أو التفاوض.
وبالنسبة إلى الرأي العام، خاصة المشارك في الحراك الذي لا يعرف معنى العصيان المدني، فإنه يختلف عن الإضراب العام المحدد في الزمان ولديه قضية محددة زمنيا ومعروفة وبالطرق السلمية، أما العصيان المدني فهو تمرد على الدولة والقوانين والدستور والتشريعات وأعوان الدولة ومن آلياته عدم الذهاب إلى العمل إغلاق الطرقات عدم دفع الضرائب عدم تسديد الفواتير والتصعيد في المسيرات والإعتصامات مما يؤدي إلى تعطيل الحياة العامة وخلق وضع جديد يؤدي إلى مواجهات بين أبناء الشعب والى تدخل قويى خارجية لفرض حلول أجنبية. وقد جربنا جزءا منه عندما دعت الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى عصيان مدني في جوان 1991 وكانت نتائجه كارثية وانتهى بأنهار من الدماء، والغريب أن الذين عارضوا العصيان المدني عام 1991 هم دعاته اليوم.
11 – لوحظ خلال الجمعات الأخيرة، تغيّرا جذريا في شعارات الحراك مقارنة بالجمعات الأولى. كيف تقرؤون ذلك؟
** في الحقيقة من الطبيعي أن تتغير الشعارات، لأن الشعارات التي رفعها المواطنون في الجمعات الأولى قد تحقّقت جلّ مطالبها، من إلغاء العهدة الخامسة، وتوقيف العصابة، ومحاربة الفساد المالي والسياسي، وما إلى ذلك، وكان من المفروض أن يركز الحراك الحقيقي على الإسراع بالعودة إلى الانتخابات، لكن الحاصل أن الذين خسروا من الحراك ولم تتحقق أهدافهم المبنية على المرحلة الانتقالية خارج الدستور، هم الذين فرخوا شعارات جديدة تهدف إلى قطع الطريق على الحراك الحقيقي من تتويج مكاسبه بانتخابات رئاسية .
وعلى هذا الأساس شاهدنا كثيرا من الشعارات الدعائية بعضها تبدوا حقا لكن يراد بها باطل.
“مؤسسة الجيش هي العروة الوثقى لمستقبل الجزائر” |
12 -هل من توضيح لهذه الفكرة؟
** نعم، فمثلا شعار “دولة مدنية وليست عسكرية” هذا شعار صحيح في أصله. فلا أحد يرضى في الوقت المعاصر بدولة يحكمها الجيش. لأن الجيش مجرد مؤسسة من مؤسسات الدولة تأتمر بأوامر السلطة السياسة . لكن جوهر الشعار يفيد أن الجيش الجزائري استولى على السلطة وهذا غير صحيح إطلاقا، بدليل أن الجيش هو الذي حرص منذ اليوم الأول على التمسك بالدستور، وعدم الخروج عنه والاحتكام إلى الانتخابات كوسيلة لممارسة السلطة والإسراع إلى تنظيم انتخابات رئاسية وتسليم الحكم للرئيس الجديد، فضلا عن إعلانه في كل مناسبة انه غير مهتم بالحكم، أنه استبعد تكرار النموذج المصري في الجزائر.
كذلك، لو أصبحت الجزائر ثكنة كما يروّج له، لكانت الشوارع كلها مليئة بالدبابات ولكان المسؤولون اليوم كلهم عسكريون ولا جمد العمل بالدستور والمؤسسات المدنية، ولكن لاشيء من هذا قد حصل. وبالتالي يحق لنا التساؤل عما إذا كان أصحاب هذا الشعار يستعطفون القوى الأجنبية للتدخل في الشأن الداخلي للجزائر.
الشعار الآخر، الذي يرفعه الحراك المضاد، هو رحيل قائد الأركان، وهذا يمكن النظر إليه بأنه ليس بريئا، لأن رحيله حاليا يزعزع استقرار وتماسك المؤسسة العسكرية وهي “العروة الوثقى” بالنسبة للوحدة الوطنية والسيادة والاستقرار وبقاء الدولة.
أما الشعار الثالث، والمتمثل في رفض الانتخابات لوجود العصابات، فهذا من حيث المبدأ صحيح، لا يمكن إجراء انتخابات في ظل وجود عصابات، لكن واقعيا، العصابة موجودة رهن الحبس المؤقت، تنتظر المحاكمة، وبالتالي فإن عرقلة الانتخابات ليس سوى خدمة للعصابات.
13- ماذا تتوقعون في ظل هذا التجاذبات الحاصلة؟
** في الحقيقة ليست لدي توقعات ولكن ما يمكن قوله هو أن الإسراع بتنظيم الانتخابات هو إسراع في بناء جزائر جديدة التي ينشدها جميع الجزائريين، والقائمة على الديمقراطية الحقة وحرية الرأي والتفكير والحريات الفردية والجماعية واستقلالية الإعلام والقضاء وقوة السلطة المضادة وحق التعايش للجميع وتساوي المواطنين جميعا أمام القانون.
أما التماطل وخلق المطبات بحجج واهية على طريق الاحتكام إلى الصناديق سوف يؤدي حتما إلى الإضرار بالدولة الجزائرية من كل الجوانب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ويجعلها في دائرة الشعارات الدعائية الغربية التي تصفنا بالدولة الفاشلة وحينها يصبح التدخل الأجنبي مبررا لحماية أمنهم القومي.