الخبير الأمني والاستراتيجي أحمد ميزاب لشرشال نيوز: “التنشئة الأمنية في البيئة الرقمية درع المجتمع لمواجهة مختلف التحدّيات الأمنية”

يجب تعزير دور الأسرة في تعليم الأبناء المسؤولية الرقمية وقيّم المواطنة والسلوك الرقمي

في ظل التطوّر المتسارع الذي يشهده العالم في مجال التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، أصبحت التهديدات الأمنية اللاتماثلية واحدة من أبرز التحديات التي تواجه الأفراد والمجتمعات على حد سواء. ففي عصر التكنولوجيا الرقمية، لم تعد الأخطار الأمنية تقتصر على الدول فقط، بل باتت تلاحق الأفراد في حياتهم اليومية من خلال الجرائم الإلكترونية، والاختراقات السيبرانية، والمخاطر المرتبطة بالبيانات الشخصية. علاوة على ذلك، ظهرت تهديدات أعمق تمسّ هوية الأفراد والمجتمعات، وتهدّد الدولة الوطنية عبر استغلال أفراد المجتمع ضد المصالح الوطنية لبلدانهم.

هذا التحوّل الكبير يفرض ضرورة ملحّة لفهم طبيعة الظواهر الأمنية الناجمة عن التطور التكنولوجي، وما يترتب عليها من تداعيات اجتماعية. ومن هنا، تبرز أهمية “التنشئة الأمنية” كجزء أساسي من منظومة التنشئة الشاملة، حيث لم تعد مجرد خيار، بل أصبحت ضرورة حتمية لضمان الأمن الشامل ورفاهية المواطن، في مواجهة تحديات أمنية متزايدة التعقيد يوماً بعد يوم.

إن الوقت الراهن بلا شك يتطلّب منا إيلاء أهمية كبرى للتنشئة الأمنية، باعتبارها درعًا واقيًا يمنح المواطن المناعة ضد مختلف التهديدات والمخاطر المحدقة به. ويتمّ ذلك من خلال تزويده بجملة من القيّم الوطنية، والأعراف، والتقاليد المتأصّلة في المجتمع، لتعزيز هويته وحمايته. كما تسهم هذه التنشئة في تحصينه ضد التهديدات القادمة من البيئة الخارجية، والتي تفاقمت بشكل ملحوظ بفعل الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي وتزايد تأثيرها على الأفراد والمجتمعات.

ولتعميق الفهم حول الموضوع، أجرت “شرشال نيوز” حواراً خاصاً مع الأستاذ الدكتور أحمد ميزاب، الخبير في القضايا الأمنية والاستراتيجية، حيث قدّم رؤية شاملة من خلال إجاباته على عدد من الأسئلة المرتبطة بالموضوع.

-شرشال نيوز: أولاً، نرحب بكم الأستاذ و الخبير الأمني و الاستراتيجي أحمد ميزاب في هذا الحوار الخاص. هل يمكنكم تقديم تعريف شامل لمفهوم التنشئة الأمنية؟

-الخبير الأمني أحمد ميزاب: شكراً لكم على الاستضافة، تعتبر التنشئة الأمنية عملية تثقيف وتوعية الأفراد و الجماعات بهدف تعزيز ثقافة “الأمن” بمفهومه الشامل. بمعنى أنه يشمل “الأمن الاجتماعي، السيبراني، الوطني، الإنساني”. وبالتالي تهدف الى بناء إدراك واعي بالمخاطر والتهديدات التي تواجه الأفراد و المجتمعات، وتحفيز السلوكيات التي تسهم في التصدي لها.

وتركّز التنشئة الأمنية على غرس قيّم المسؤولية، الانضباط والثقة المتبادلة بين الفرد و الدولة، وبالتالي هذا الذي يشكل لنا بشكل هام مفهوم “التنشئة الأمنية”.

-ما هي أبرز التهديدات الأمنية التي تواجه الأفراد والمجتمعات اليوم في ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي؟

-الخبير الأمني أحمد ميزاب : للحديث عن أبرز التهديدات الأمنية في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن نحصرها في بعض النقاط مثل: انتشار الأخبار الكاذبة و المضلّلة”FAKE News”، والتي تأثر على استقرار المجتمع. أيضا التطرّف الفكري، والدعاية الإرهابية التي تستغل منصّات التواصل الاجتماعي لنشر الأفكار المتطرفة. رأينا في السنوات الماضية خاصة في ظل بروز ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، كيف كانت هذه الوسائط هي أحد المنصات في اطار عملية التجنيد وفي اطار عملية بناء التطرّف، وحتى كذلك في حشد التمويل للتنظيمات الإرهابية. كذلك لدينا ما يعرف بالابتزاز الإلكتروني كأحد التهديدات و تحديات الأمن السيبراني ، فهو يؤثر على الأفراد و المؤسسات باعتبار أن فيه سطوة على الخصوصية والمعلومات والبيانات، وبالتالي يمارس الابتزاز الالكتروني من أجل تحصيل الأموال مقابل عدم تسريب ونشر المعلومات.

بالإضافة الى التجسّس وجمع البيانات، حيث تستخدم البيانات الشخصية لأغراض غير مشروعة، فقد لحظنا تنامي لهذه الأخطار بنسب متفاوتة خاصة في السنوات الأخيرة، وستزداد بشكل كبير جدا.

كذلك من بين التهديدات الأمنية في ظل تنامي وسائل التواصل الاجتماعي، استمرار الإدمان الرقمي الذي يؤثّر على الصحة النفسية والعلاقات الاجتماعية،  ولدينا كذلك ما يسمى بالعنف السيبراني مثل التنمّر الالكتروني والتحرّش وكذلك التهجّم عبر الوسائط الالكترونية. و بالتالي يمكن أن نقسم هذه التهديدات الى مستويين أو ثلاث، المستوى الأول؛ متعلّق بحروب الجيل الرابع و الجيل الخامس. المستوى الثاني متعلّق بالتطرف والإرهاب. المستوى الثالث متعلّق بالأمن السيبراني أو تهديدات الأمن السيبراني.

– ما أهمية التنشئة الأمنية في مواجهة المخاطر والتهديدات المتزايدة الناجمة عن البيئة الرقمية؟

-الخبير الأمني أحمد ميزاب: أولا في اعتقادي لما نتكلم على التنشئة الأمنية في البيئة الرقمية، هي مسألة مهمة جدا باعتبار أنها تساهم بشكل أساسي في زيادة الوعي الرقمي، باعتبار أنها تساعد الأفراد على التحقّق من المعلومات و تجنّب الوقوع كضحايا الاختراق، فبتالي الوعي الرقمي مهم جدا في ضمان وتحصين و تأمين العقول، وكذلك السلوكيات الرقمية.

من ناحية ثانية تحصين المجتمع والمجتمعات ضد التطرف، باعتبار أنها تمنع استغلال الشباب في أنشطة إرهابية أو كذلك أنشطة غير قانونية وبالتي تدخل في اطار ما يسمى بالأمن الفكري. كذلك تعزيز الأمن السيبراني من خلال تقليل أثار الهجمات السيبرانية عبر تدريب الأفراد والمؤسسات على التصرّف الصحيح. وبالتالي أهمية التنشئة الأمنية في البيئة الرقمية يكمن من خلال ثلاثة زواية وهي الوعي الرقمي؛ تحصين المجتمع ضد التطرف؛ تعزيز الأمن السيبراني.

-في ظل الانتشار الواسع للأفكار الهادمة للمجتمعات، نحن اليوم بدون شك بحاجة ماسة الى بناء وترسيخ منطق التنشئة الأمنية لضمان أمن الأفراد والمجتمع ، كيف ذلك؟

-الخبير الأمني أحمد ميزاب: لكي نصل الى ترسيخ أو الى بناء وترسيخ منطق التنشئة الأمنية لضمان أمن الأفراد و المجتمع يمكن أن نعتمد على مسألة التعليم كمسألة أساسية في اطار مفاهيم الأمن في المناهج الدراسية على جميع المستويات وهذا يدخل في اطار ما سميناه في وقت سابق بـ”الوعي”، “صناعة الوعي”. الأمر الآخر كذلك هو الاعلام الذي يلعب دورا مهما جدا لأنه حيوي في تخصيص برامج توعوية، ورشات تسلّط الضوء على المخاطر الأمنية وآليات مواجهتها، وهذا كذلك يساهم في اطار ما نسميه “بصناعة الوعي الاجتماعي”. المستوى الأخر كذلك هو التدريب المجتمعي، في اطار تنظيم ورش عمل لتثقيف الأفراد حول التحديات الأمنية وهذا يسهم في ما نسميه بـ”الوعي الوطني”.

والأمر الآخر والمهم والذي يدعم كل هذه المستويات، هو مسألة التشريعات، يجب وضع قوانين صارمة لمعاقبة الجرائم الالكترونية، وهذا مهم كذلك في اطار “الردع”، في اطار الرقابة، وفي اطار الحماية.

وتعزير دور الأسرة في تعليم الأبناء المسؤولية الرقمية وقيّم المواطنة و السلوك الرقمي. كما أن للتكنولوجيا كذلك دور في اطار استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لرصد المحتوى الهدام ومحاصرته، وهكذا يمكن أن نؤسس ونبني ونرسّخ منطق التنشئة الأمنية لضمان أمن الأفراد والمجتمع من مخاطر وتهديدات الفضاء الرقمي.

-كيف يمكننا أن نصوغ سياسيات و استراتيجيات وبرامج فعالة لتعزيز التنشئة الأمنية على المستوى الوطني؟

-الخبير الأمني أحمد ميزاب: لما نتكلم على صياغة السياسات والاستراتيجيات وتعزيز التنشئة الأمنية نتكلم عن تطوير استراتيجيات وطنية شاملة، تشمل جميع قطاعات المجتمع، وهذا يحتاج تفاعل كل المستويات و المجالات، لأن صناعة استراتيجية في هذا المجال هي ليست حكرا على التقني، بقدر أنه يجب اشراك كل التخصّصات وكل المجالات، علم الاجتماع النفس..، المسؤوليات الأمنية، الثقافية، السياسية…، حتى نستطيع أن نطوّر استراتيجية وطنية شاملة، كذلك تعزيز التعاون بين المؤسسات كافة، وتوظيف وسائل الاعلام في حملات التوعية…

 كيف تتوقّعون أن يتطور مفهوم التنشئة الأمنية في ظل التقدّم المستمر في تقنيات الذكاء الاصطناعي؟

-الخبير الأمني أحمد ميزاب: صحيح نحن نتكلم على تأثير الذكاء الاصطناعي على التنشئة الأمنية من حيث تحصين الرصد و الوقاية، لأن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يحلّل الأنماط ويرصد التهديدات بشكل مبكّر، ولذا أصبح التوصية على مسألة التحكّم في تقنيات الذكاء الاصطناعي واستخدمها على مستويات معينة مع الأخذ بالحيطة والحذر مسألة اعتقد بأنها مهمة، وكذلك تحصيص المحتوى التعليمي ليوفّر برامج تدريبية مخصصة على الأقل حسب احتياجات الأفراد خاصة بالنسبة لأطفال المدارس، وأعتقد بأنه يجب العمل بشكل كبير في هذا المجال ، وان كنا ربما نحتاج لتوعية أكبر.

كما أنّه لإدارة المخاطر من خلال بناء نماذج للتنبّؤ بالأزمات الأمنية، والاستجابة لها بفعالية، وبالتالي أعتقد في هذا المجال يمكن ان نقول بأن مع الذكاء الاصطناعي،  اكيد نحن نتكلم على تطور في مفهوم التنشئة الأمنية، لانه يساعد بشكل كبير جدا، ولكن يبقى العامل البشري هو العامل الذي يستطيع أن يدير و يوجّه وأن يصنع الأدوات التي يمكن من خلالها تحصين المجتمعات والمساهمة في التنشئة الفعلية والحقيقية.

أجرى الحوار: مهدي الباز

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى