الجزائر وجنوب افريقيا…شراكة استراتيجية واعدة و نضال مستمر دعما للقضايا العادلة

شكّلت زيارة الدولة التي قام بها رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا إلى أرض الثوار والأحرار الجزائر خطوة كبيرة  لتعزيز العلاقات الأخوية بين جنوب افريقيا والجزائر، زيارة مليئة بدلالات تعكس عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين.

وبالمناسبة ترأس رئيس الجمهورية الجزائرية عبد المجيد تبون، رفقة نظيره رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، مراسم توقيع مذكرات تفاهم شاملة، شملت الإعلان المشترك للشراكة الاستراتيجية بين البلدين؛ كما شهدت خطاب تاريخي لرئيس رامافوز أمام البرلمان الجزائري.

استقبال رسمي يعكس عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين

استقبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون نظيره الجنوب إفريقي في مراسم رسمية مهيبة بمقر رئاسة الجمهورية. تعكس عمق العلاقات الأخوية بين البلدين حيث بدأت المراسم بعزف النشيدين الوطنيين للجزائر وجنوب إفريقيا، وسط استعراض مميّز لفرسان الحرس الجمهوري، فيما زُينت ساحات قصر المرادية برايات البلدين احتفاءً بالزيارة.

وعقب مراسم الاستقبال، شهد الرئيسان استعراضًا عسكريًا لتحية تشكيلات من مختلف قوات الجيش الوطني الشعبي.
تشكل هذه الخطوات نقلة نوعية في مسار العلاقات الثنائية، ما يعزّز التعاون الاستراتيجي في مختلف المجالات لتحقيق المصالح المشتركة ودعم الاستقرار الإقليمي والدولي.

اتفاقيات لتعزيز التعاون الثنائي وفتح آفاق لشراكة استراتيجية

ترأس الرئيسان مراسم توقيع اتفاقيات شملت مجالات عدة، منها ما تعلق بالأمن الغذائي حيث تمّ توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز البحث الزراعي وتطوير تقنيات الزراعة المستدامة.

بالاضافة الى توقيع مذكرة للتعاون في مجال الابحاث الفضائية مما يتيح للبلدين امكانية تعزيز التعاون وتطوير الشراكات بين الوكالات الفضائية في البلدين. كما تم توقيع مذكرة تفاهم في مجال المقاولاتية والابتكار لدعم ريادة الأعمال وتعزيز الابتكار التكنولوجي.

وفيما يخص التعاون القضائي القانوني بين البلدين تمّ توقيع مذكرة تفاهم لتبادل الخبرات في المجالين القضائي والقانوني.

وتمّ توقيع اتفاقية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين تشمل على التركيز على الشراكات الاستثمارية والنهوض بالتعاون التجاري بين البلدين.

كما تمّ توقيع محضر الدورة السابعة للجنة الثنائية العليا للتعاون، وهو ما يؤكد التزام الجزائر وجنوب أفريقيا بتعميق مجالات التعاون ودفع العلاقات الثنائية إلى مستوى استراتيجي.

محادثات حول القضايا الإقليمية والدولية

ناقش قادة البلدين خلال اجتماعاتهما عدداً من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، حيث عبّرا عن توافقهما التام في وجهات النظر حول اهم القضايا الإقليمية والدولية، فالجانبان أدانا بشدّة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ولبنان، وأكدّا دعمهما لحقوق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته و العيش بسلام.

كما تطرّق الطرفان للقضية الصحراوية التي تعدّ من أهم القضايا المطروحة اليوم في القارة الأفريقية كقضية تصفية استعمار، حيث شدد الطرفان على ضرورة احترام حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وفقاً للقوانين الدولية.

وفيما يخصّ الأوضاع في القارة الأفريقية تبادل الرئيسان وجهات النظر حول الأزمات في ليبيا ومنطقة الساحل وأفريقيا الوسطى، وأكدا أهمية الحلول السياسية للأزمات بعيداً عن التدخلات الخارجية. وأبرز الطرفان على أهمية التعاون لتجاوز مختلف التحديات المطروحة اليوم على الصعيد الإقليمي والدولي خاصة ماتعلق بقضايا الأمن الغذائي، التغير المناخي، والتنمية المستدامة.

تصريحات مشتركة تؤكد الالتزام بالشراكة الاستراتيجية

في مؤتمر صحفي مشترك عقب المحادثات، أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون أن زيارة الرئيس رامافوزا تعكس الطابع الاستراتيجي للعلاقات الجزائرية-الجنوب أفريقية، التي وصفها بأنها “علاقات تاريخية تقوم على التضامن والتعاون الوثيق”. وأشار إلى أن المحادثات الثنائية كانت فرصة لتقييم العلاقات وتحديد آفاق جديدة لتعزيزها.

كما أشاد الرئيس تبون بنجاح منتدى رجال الأعمال بين البلدين، الذي اعتبره خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الاقتصادي، مؤكداً أن الاتفاقيات الموقعة ستفتح آفاقاً جديدة في مجالات حيوية.

من جانبه، وصف الرئيس سيريل رامافوزا العلاقات مع الجزائر بأنها “نموذجية”، مؤكداً أن جنوب أفريقيا تسعى إلى تعزيز التعاون مع الجزائر بما يخدم تطلّعات البلدين وشعوب القارة الأفريقية.

رؤية مشتركة بين البلدين تعكس عمق العلاقات التاريخية والاستراتيجية بينهما

خلصت الاجتماعات والمحادثات إلى توافق في الرؤى حول أهمية توسيع التعاون الثنائي والاستراتيجي، مع التركيز على تعزيز الشراكة في المجالات الحيوية، فضلاً عن التنسيق المستمر في المحافل الدولية للدفاع عن قضايا القارة الأفريقية.

الجزائر وجنوب إفريقيا شركاء في دعم قضايا التحرر وتعزيز الوحدة الإفريقية

أكد رئيس جمهورية جنوب إفريقيا، سيريل رامافوزا، في خطابه أمام البرلمان الجزائري بغرفتيه، خلال جلسة غير عادية في قصر الأمم بنادي الصنوبر، على عمق العلاقات الثنائية بين الجزائر وجنوب إفريقيا، مشيدًا بالتزام البلدين في دعم قضايا التحرر ودعم حق الشعوب المستعمرة في تقرير المصير، وعلى رأسها قضية الشعب الصحراوي.

تاريخ مشترك ونضال مستمر

استهل رامافوزا خطابه، مشيدا بطبيعة العلاقات التاريخية بين الجزائر و جنوب افريقيا، ومبرزا موقع الجزائر بالنسبة للقارة الافريقية وصفا الجزائر بـ”البلد الاستراتيجي وبوابة إفريقيا”.

كما اعتبر أن الجزائر وجنوب افريقيا يتشابهان في الكثير من الأمور، حيث عانى كلاهما من الاستعمار والاضطهاد.
وقال: “شرف لي أن أتحدث في برلمان الجزائر واقفًا أمامكم احترامًا لهذا البلد الذي تجمعنا به علاقات قوية.”

وأشار رامافوزا إلى أن الجزائر وجنوب إفريقيا لعبتا دورًا بارزًا في دعم حركات التحرر الإفريقي، مشيدًا بدور الجزائر في توفير الدعم السياسي واللوجستي لدول القارة خلال حقبة النضال ضد الاستعمار، بما في ذلك دعم جنوب إفريقيا في نضالها ضد نظام الفصل العنصري .

التزام بدعم تقرير المصير للصحراء الغربية

وفي خطابه جدّد رامافوزا التأكيد على التزام الجزائر وجنوب إفريقيا بالدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، مذكرًا المجتمع الدولي بضرورة احترام المواثيق الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي تكفل للشعب الصحراوي حقه في الحرية والاستقلال.

وأكد أن البلدين يواصلان الالتزام بمبادئ العدالة والشرعية الدولية في دعم الشعوب المستعمرة.

مواقف الجزائر مشرفة في المحافل الدولية

أشاد الرئيس الجنوب إفريقي بالمواقف “المشرفة” التي تبنتها الجزائر خلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي، معتبرًا أنها تعكس التزامها بدعم القضايا العادلة والسعي نحو تعزيز السلام والاستقرار في العالم.

كما دعا إلى ضرورة إصلاح مجلس الأمن ليصبح أكثر تمثيلًا وعدالة، مشيرًا إلى أن الجزائر وجنوب إفريقيا يمكنهما لعب دور محوري في تحقيق هذا الهدف.

تعزيز التعاون الاقتصادي والوحدة الإفريقية

دعا رامافوزا الدول الإفريقية إلى تعزيز الوحدة والعمل المشترك لتحقيق التنمية المستدامة والتطور الاقتصادي الدائم، معتبرًا أن التعاون الإقليمي يشكل السبيل الأمثل لمواجهة التحديات التي تواجه القارة. وأضاف أن العلاقات الثنائية بين الجزائر وجنوب إفريقيا تمثل نموذجًا للشراكات الاستراتيجية التي تخدم مصالح القارة الإفريقية.

ويمكن أن نعتبر هذه الزيارة الرسمية خطوة نحو تعزيز التعاون الاستراتيجي على مختلف المستويات، مع الالتزام بالدفاع عن القضايا العادلة والعمل المشترك لتحقيق التنمية المستدامة والاستقرار الإقليمي في القارة الأفريقية.

مهدي الباز

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى