الجزائر-جنوب أفريقيا…علاقات استراتيجية ضاربة في عمق التاريخ

تتسم العلاقات الجزائرية الجنوب أفريقية بكونها من بين أهم العلاقات الثنائية في القارة الإفريقية، والتي تتجلى من خلال التعاون في العديد من المجالات الاستراتيجية، حيث أن هذه العلاقات التاريخية التي يسودها الاحترام المتبادل تعود لعقود من الزمن وتتميز بعمق سياسي وتاريخي كبير، يعود إلى فترة النضال ضد الاستعمار في القارة الإفريقية.
ويتجلى عمق العلاقات الثنائية بين البلدين في، أولا، دعم الجزائر لنضال جنوب إفريقيا ضد الفصل العنصري “الأبارتايد”. حيث ساندت الجزائر منذ استقلالها سنة 1962، حركة “المؤتمر الوطني الإفريقي” بقيادة نيلسون مانديلا وكل القوى التحررية في جنوب إفريقيا، من خلال تقديم دعم سياسي ودبلوماسي ومادي لحركات التحرير في جنوب إفريقيا.
كما لعبت الجزائر دورًا محوريًا في منظمة الوحدة الإفريقية (التي تأسست في عام 1963) التي كانت تهدف إلى دعم حركات التحرر في القارة الإفريقية، بما في ذلك دعم جنوب إفريقيا في نضالها ضد نظام الأبارتايد، حيث كانت الجزائر من الدول الإفريقية المؤيدة لقضية جنوب إفريقيا على المستوى الدولي.
العلاقات الجزائرية الجنوب أفريقية بعد نهاية الأبارتايد
واستمرت العلاقات الجزائرية الجنوب أفريقية بعد نهاية نظام الأبارتايد في جنوب إفريقيا عام 1994 وتولي نيلسون مانديلا رئاسة البلاد، وبدأت في التطور من خلال التعاون في عدة مجالات على غرار السياسة، الاقتصاد، والرياضة. كما واصلت الجزائر دعم جنوب إفريقيا لاستعادة مكانتها الدولية، من خلال تبادل الزيارات الدبلوماسية في العديد من مناسبات.
وتدعمت العلاقات بين الجزائر وجنوب إفريقيا في مجالات مثل التعليم، التكنولوجيا، الثقافة، والتجارة، والتعاون في الشؤون الأمنية من خلال تبادل الخبرات في مكافحة الإرهاب والتطرف في القارة الإفريقية، كما يشترك البلدان في تعزيز التعاون الاقتصادي بينهما، بالتركيز على الاستثمارات في المجالات المختلفة مثل الطاقة والتعدين والبنية التحتية، وتعزيز التبادل التجاري البيني مع التركيز على سلع مثل النفط والغاز، بالإضافة إلى التكنولوجيا والبنية التحتية، بالإضافة إلى العمل على تعزيز التعاون في مجال التعليم العالي من خلال تبادل الطلاب والخبراء بين الجامعات والمؤسسات التعليمية.
وبالحديث عن العلاقات السياسية بين الجزائر وجنوب أفريقيا، فيمكن القول بأنها تصب في اتجاه واحد من خلال تبني موقف موحد، يتمثل في دعم حقوق الشعوب الإفريقية والدولية في تقرير مصيرها، على غرار النزاع في الصحراء الغربية وقضايا السلام والأمن في القارة، والقضية الفلسطينية.
ويمكن القول في الأخير بأن العلاقات بين الجزائر وجنوب إفريقيا إستراتيجية ذات امتداد تاريخي كبير، باعتبار البلدين قوة مؤثرة في القارة الإفريقية، وصوتا مسموعا في الهيئات الدولية، ومدرسة في التحرر من قيود الاستعمار والاستبداد، كما يمكن وصف هذه العلاقات بالمحورية في العديد من المجالات وهو ما تجلى في زيارة دولة التي قام بها رئيس جمهورية جنوب افريقيا سيريل رامافوزا إلى الجزائر هذا الأسبوع، والتي أكد الرئيس تبون على أنها زيارة تعبر عن خصوصية العلاقات التاريخية القائمة على التعاون الوثيق وتؤكد الطابع الاستراتيجي للعلاقات بين البلدين.
شرف الدين عبد النور