الإعلام الوطني بين تجاوزات الضمير وسلطة التأثير

أصبح الإعلام الوطني بصفة عامة مصدر جدل واسع بين أوساط الجمهور المتلقي، حيث أصبحنا نشاهد في السنوات الأخيرة تجاوزات كثيرة وصلت لحدود خلق الفتنة فيما بين أبناء الوطن الواحد، ونشر أفكار دخيلة على المجتمع، من خلال برامج و حصص “ترفيهية” تُبثّ على شاشات التلفزيون تتطرق لمواضيع لا تسمن ولا تغني من جوع، دون تقديم أي رسالة أو فائدة للمتلقي، ما يطرح السؤال حول ما مدى التسيّب الذي وصلت إليه الساحة الإعلامية الوطنية.

إجتماعيا

ولأن الإعلام له تأثير مباشر على الجمهور خاصة من الجانب الفكري للمتلقي، يُرجع البعض أنه الفاعل الرئيسي في تغيير سلوكات الجمهور، فمثلا عندما تكثر الحصص و البرامج الإجتماعية حول ظاهرة ما، نأخذ على سبيل المثال “ظاهرة الطلاق”، فإذا تناول الإعلام هذه الظاهرة الإجتماعية بطريقة خاطئة، من خلال دعوة أشخاص بصفة دورية يحملون أفكارا مختلفة تماما عن محيط و ثقافة الجمهور، فإنه يؤدي إلى جعل المتلقي يُسائل نفسه حول ما إذا كانت “أفكاره قديمة أو متشدّدة أو متخلفة” مثلما أصبح يروّج له البعض حاليا، ما يؤدي كذلك لخلق بلبلة و تضارب فكري داخل المجتمع، حيث يمكن أن يؤول الأمر لاستسهال هذه الظاهرة و جعلها حلا سهلا و سريعا في الأوساط الأسرية و بالتالي تنامي ظاهرة الطلاق في المجتمع، و خلق تمزق في النسيج الأسري نتيجة نشر أفكار غربية دخيلة على القيّم المجتمعية للجمهور المتلقي سببها أشخاص ذوي أفكار “جديدة”، قاموا بطرحها خلال حصص أو برامج موجّهة لشريحة كبيرة من المجتمع، دون رقابة أو محاسبة للرسالة الإعلامية التي تمّ تقيدمها.

رياضيا

وبخصوص الإعلام في شقّه الرياضي، و الذي أصبح تحت الأضواء مؤخرا، خاصة بعد إقصاء المنتخب الوطني لكرة القدم من الدور الأول لنهائيات كأس أمم أفريقيا التي جرت وقائعها بكوت ديفوار، فإن تأثيره بالغ الأهمية في المجتمع و خاصة وسط البيئة الشبابية كونها الفئة المهتمة بهذا المجال، بحيث شهدنا مؤخرا تجاوزات عديدة ليست وليدة اليوم بالطبع، بل تعود لفترة من الزمن، ولكنها طفت إلى السطح هذه المرة، بعد خروج بعض مهنيي القطاع عن المسار المحدد و المنظم للمارسة الإعلامية، الأمر الذي أدّى إلى خلق انقسامات داخل القطاع و حتى بين الجمهور وصل لحد زعزعة استقرار الأمن القومي مثلما صرح به وزير الإتصال، محمد لعقاب، خلال لقاء عقده مع صحفيي الإعلام الرياضي، حيث قال أن هناك انفلاتا في الإعلام الرياضي من حيث الممارسة، الأمر الذي يمكن أن يخلق   “توتر اجتماعي” وحتى ” مشكل ديبلوماسي”، و بالحديث عن المشاكل الديبلوماسية، كلنا نستذكر قضية مباراة الجزائر و مصر بالقاهرة، و الأحداث التي انجرّت عنها، و التراشقات الإعلامية وصلت لحد خلق الفتنة بين البلدين الشقيقين، بسبب مباراة في كرة القدم، و هذا ما يبرز لنا قوة الإعلام من حيث التأثير و خطورته، إذا خرج عن مهامه الرئيسية.

و بالعودة إلى الحاضر و إلى قضية الساعة، فيمكننا التأكيد على ما صرّح به الوزير لعقاب بأن المماسة الإعلامية خرجت بالفعل عن مسارها، بسبب بعض مهنيي القطاع الذين تنازلوا عن القيّم و المبادئ التي تحدّد و تنظّم المهنة، ربما من أجل مصالح شخصية ضيقة أو لإرضاء طرف على حساب آخر، بعدما تجاوزوا الموضوعية و تخلوا عن مسؤولياتهم، من أجل “الدراما الإعلامية”، و صل لحد التهريج و خلق الفوضى داخل القنوات الإعلامية التي وجب عليها انتقاء المواضيع و تمحيصها جيدا، وحتى انتقاء الضيوف و المحلّلين، و حسن اختيار العنصر الأهم و هو “الكلمة”، لكننا وجدنا أنفسنا مؤخرا عالقين بين تراشقات و حرب كلامية داخل البلاطوهات حول مستقبل المدرب الوطني جمال بلماضي، و عن مسؤوليته و امتيازاته، و سعي كل طرف للبحث عن الإثارة و إقناع الجمهور بأنه على صواب و امتلاكه لعلم اليقين حول ما حدث و ما سيحدث، و تحوّل الصحفي إلى محلل و مدرب و قاض في آن واحد، الأمر الذي خلق انقسامات داخل أوساط الجماهير، و جعل إقصاء المنتخب الوطني من لعبة، كأنها نهاية العالم، بالرغم من أن الأمر البديهي هو أن كل اللاعبين و المدربين سيغادرون و لكن المنتخب الوطني و الجزائر بصفة عامة ستبقى، ولن تزول أو تتضرّر بمجرد إقصاء من بطولة أو إخفاق مدرب في لعبة ترفيهية.

كل هذا يعيدنا للحديث عن الرقابة و المرافقة، التي وجب على سلطة ضبط السمعي البصري ممارستها، و الالتزام بمهامها في الرقابة بكل الوسائل المناسبة على المواضيع و المضامين التي يتمّ معالجتها، كما لا يجب تحميل المسؤولية كاملة لهذه السلطة، بل هي مسؤولية مشتركة مع الإعلامي الذي هو أيضا مسؤول عما يقول أو ينشر، بل يمكن تحميله مسؤولية زائدة بالنظر للتكوين الذي تلقاه في هذا المجال، كونه على دراية  بالنصوص المنظّمة للمهنة و ما قد ينجرّ عنه إذا تجاوز المسار المخصّص له، فلا بد عليه بالالتزام باحترام أخلاقيات المهنة للارتقاء بمستوى الأداء الإعلامي و تقديم محتوى راقي يليق بالجمهور المتلقي، لخلق بيئة يسود فيها التأثير و التأثر بشكل إيجابي يعود بالمنفعة على الجانبين.

 

شرف الدين عبد النور

 

 

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى