آخر الأخبار

أزمة الوقود في مالي.. مرآة لفشل الطغمة العسكرية في إدارة الدولة

مهدي الباز

وصل الحال بدولة مالي، في ظل طغمة عسكرية تحكم البلاد، إلى البحث عن برميل من البنزين أو الديزل لتوفيره للمواطنين الذين يقفون في طوابير تمتد أمتارًا أمام محطات وقود فارغة.
ووفقًا لتقارير إعلامية إفريقية ولوكالة شينخوا، فإن إمدادات الوقود انخفضت بشكل حاد في عموم البلاد منذ مطلع أكتوبر الماضي، ما أدى إلى توقف آلاف المركبات عن العمل وارتفاع تكاليف المعيشة، فيما تعطلت الدراسة في معظم المدارس بسبب صعوبة تنقل الطلاب والمعلمين، في مشهد يعكس عمق الأزمة التي حلت بالعاصمة باماكو.

أزمة حقيقية تُعالج بطرق إكراهية

اختارت السلطات العسكرية المالية مواجهة النقص الحاد بفرض قيود على توزيع الوقود، حيث حُددت الكمية المسموح بشرائها لكل مركبة بما يعادل 17.75 دولارًا يوميًا فقط.
وهو إجراء اعتبره مراقبون تكريسًا للأزمة بدل البحث عن حل واقعي، نظرًا لغياب رؤية اقتصادية شاملة قادرة على التعامل مع تداعيات الوضع.
وتشير تقارير محلية إلى أن انقطاع الكهرباء الناتج عن نقص الديزل المستخدم في تشغيل المولدات أجبر العديد من المصانع والمكاتب على تقليص أعمالها أو إغلاقها مؤقتًا، بينما تشهد الأسواق ارتفاعًا متسارعًا في أسعار السلع الأساسية بفعل تكاليف النقل الباهظة.

أمننة قضية الوقود بدل معالجتها

بدل التوجه نحو معالجة واقعية للأزمة، لجأت الطغمة العسكرية إلى أمننة قضية الوقود، معتبرة أن النقص الحاصل ناجم عن هجمات متكررة تشنها جماعات معارضة على قوافل الإمداد القادمة من السنغال وساحل العاج، وهما الشريانان الرئيسيان لتزويد البلاد بالمحروقات.
غير أن هذا التبرير، وفق محللين، لا يعدو أن يكون محاولة للتنصل من المسؤولية السياسية عن أزمة تفاقمت بسبب سوء الإدارة وغياب استراتيجية واضحة لتأمين الطاقة وتوزيعها.

عواقب نقض اتفاق السلام بالجزائر

ويرى مراقبون أن الاضطراب الأمني المستمر منذ سنوات، خصوصًا بعد نقض اتفاق السلام الموقّع في الجزائر، جعل من خطوط النقل البرية هدفًا سهلًا للجماعات المتمردة، ما أدى إلى شلّ سلاسل الإمداد الحيوية وتصاعد المخاوف من انهيار شامل لمنظومة الطاقة في البلاد.
وفي مواجهة هذا الوضع، أعلنت الحكومة في باماكو عن خطة طوارئ وطنية تتضمن إجراءات أمنية مشددة، من بينها مرافقة عسكرية لقوافل الوقود، وإنشاء احتياطيات استراتيجية، وتسهيل إجراءات الاستيراد وخفض الضرائب على شركات الطاقة.
لكن، ورغم هذه التدابير، تبدو الأزمة مرشحة للتفاقم، خصوصًا في ظل تدهور القدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الغذائية وتراجع الإنتاجين الصناعي والزراعي، ما يجعل البلاد في مواجهة مباشرة مع خطر ركود اقتصادي حاد.

مالي على حافة الانهيار

يحذر خبراء اقتصاديون من أن استمرار الأزمة قد يدفع مالي إلى شلل اقتصادي واجتماعي شامل، يزيد من معدلات البطالة والفقر، في بلد يعاني أصلًا من هشاشة مزمنة منذ الانقلاب العسكري عام 2021.
وبين تبريرات الطغمة العسكرية ومعاناة الشارع، تبدو مالي اليوم أمام اختبار حقيقي لقدرة الطغمة العسكرية على البقاء، في ظل أزمة لم تعد مجرد نقص في الوقود، بل انعكاسًا لفشل بنيوي في إدارة الدولة وتسيير مواردها الحيوية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى