آثار التصنيع على العلاقات الاجتماعية بوادي ميزاب

 

تعرف منطقة وادي ميزاب بالنشاط التجاري المحترف و الهام لإخواننا الإباضية، و التقاليد التجارية في وادي ميزاب تعود لأكثر من اثني عشر قرنا، و هذا رصيد لا يستهان به في بلد كالجزائر لأن الحرفية التجارية و الصدق التجاري الميزابي كان و لا يزال هو المثل الذي يعتز به كل الجزائريين.
لكن و من خلال هذه السانحة أحاول تقديم خبرتي و استنتاجاتي على ما شهدته في السنوات العشرين الأخيرة من خلال علاقاتي الكثيرة بإخواننا في غرداية و خاصة بعد تحول الكثير منهم من المجال التجاري إلى المجال الصناعي و شمل هذا التحول كل المجالات الصناعية و الزراعية التحويلية.
لاشك أن التحول إلى التصنيع أو الصناعات التحويلية الزراعية، معناه ثروة أكثر و رقيا أكثر، لكنه اصطدم في غرداية بمشاكل هيكلية جدية سببها مشكلة جزائرية تتعلق بالعلاقة ما بين تجار الجملة و المصانع.
فتجار الجملة يريدون سلعا يدفعون مقابلها لاحقا، لأن تجار التجزأة لا يدفعون في غالبيتهم نقدا إلا لاحقا، و الحقيقة أن الميزابيين ما كانوا ليقعوا في هذه المشكلة لو بقوا على حالهم تجارا كما كانوا منذ مئات السنين.
لكن اقتحامهم للتصنيع أوجد تحديات أثرت بشكل سلبي على الأقل في الوقت الحالي على العلاقات الاجتماعية، سببها أن المصانع في الوقت الحالي لا تريد البيع بالقرض إلا من كان يملك فائضا هائلا في السيولة و هم قلة، أو من هدفهم تبييض أموال وسخة.
و شهدت بعيني كيف أفسد هذا الوضع علاقات اجتماعية كانت ممتازة منذ مئات السنين، لدرجة أن الخطاب الذي يكرره الكثير من الصناعيين الجزائريين خطأ مثل قولهم:”يخدم بدراهمي”، أو قول تجار الجملة: ” كيف يمكنني الدفع نقدا في كل مرة في حين أن السوق لا تتعامل إلا بالقرض و نحتاج إلى وقت معقول للدفع”.
هنا برزت مشكلتان: أولهما جديدة تماما في قواميس إخواننا الإباضية و هي التنافر و التخوين و فشل الحوار، و ثانيها طبيبعة هي بروز طائفة تجار الجملة ممن يملكون المال سلفا أي يمكنهم دفع قيمة السلعة من دون حاجة إلى قرض من المصنع، و هؤلاء أقلية في الجزائر، أي أننا نعاني من الطبقية في كل التشكيلات الاجتماعية الجزائرية ميزابية و غيرها.
إن قطار التصنيع ماض في الجزائر و قد ركبه أهل غرداية من دون انتظار لكنه لم يكيف مع الحقائق التربوية و الاجتماعية للإباضية و هذا خسارة للجزائر بأكملها لأنه يعني زوال المثل الحسن.
و هذا ليس جديدا من الناحية التاريخية، فكل بلاد العالم التي اتجهت إلى التصنيع قد تأثر نسيجها الاجتماعي إما سلبا أو إيجابا، و بالجملة فإن ما يحدث ما بين الصناعيين و التجار ما هي إلا مهاترات لا ينبغي أن ترقى إلى خصومات و معارك و اتهامات، ما علينا كجزائريين إلا إيجاد طرق للدفع و التنظيم التجاري ككل بلاد العالم.
و أخطر ما في الأمر أن التصنيع قد يؤدي في حال أصبح رافدا سلبيا إلى اختفاء طبقات اجتماعية بكاملها أو صراع بين مكونات المجتمع ذاته : ” و إن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ” .

هيثم رباني

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى