قانون التعبئة العامة: الجزائر نحو تموضع أمني جديد؟
الخبير الدولي في الشؤون العسكرية والدفاع الدكتور توفيق هامل

تبنّي قانون التعبئة العامة في الجزائر: نحو تموضع أمني جديد؟ / الدكتور توفيق هامل
يفتح تبنّي الجزائر مؤخرًا لقانون التعبئة العامة فصلًا جديدًا في سياستها للدفاع الوطني. ففي بيئة إقليمية متوترّة، تثير هذه الخطوة العديد من التساؤلات: هل هي مجرد إجراء احترازي قانوني، أم أنها إشارة إنذار استراتيجية تنذر بتحوّل محتمل نحو وضعية حرب؟
1- ما هي التعبئة العامة؟
التعبئة العامة هي قرار سيادي تتخذه الدولة في أوقات الأزمات الخطيرة أو التهديدات العسكرية الوشيكة، وتشمل:
- استدعاء الاحتياطيين.
- إعادة توجيه الاقتصاد الوطني نحو مجهود حربي.
- تحويل البنى التحتية المدنية إلى منظومات لوجستية.
- إعداد الرأي العام لحالة طوارئ أو نزاع.
وتأتي مصادقة مجلس الوزراء على مشروع قانون يتعلق بالتعبئة العامة، الذي يحمل دلالات رمزية قوية، لتكريس إمكانية تفعيل آلية تعبئة وطنية في حال وجود تهديد خطير، ويهدف القانون إلى:
- تحديد الإطار القانوني لإعلان التعبئة الشاملة أو الجزئية،
- تنظيم استدعاء الاحتياطيين وتعبئة الموارد المدنية، وتفعيل التواصل في الأزمات مع السكان،
- إرساء اقتصاد حربي في حال وجود تهديد كبير،
- تعزيز التكامل بين المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية لمواجهة أوضاع استثنائية.
ويمنح هذا القانون لرئيس الجمهورية، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني، صلاحية تفعيل كافة أدوات الدفاع الوطني، بعد التشاور مع المجلس الأعلى للأمن.
2- الإطار القانوني والدستوري في الجزائر
ينصّ الدستور الجزائري بوضوح على شروط إعلان التعبئة العامة. فالمادة 99 من الدستور تمنح لرئيس الجمهورية – بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة – صلاحية إعلان التعبئة العامة، بعد مداولات مجلس الوزراء واستشارة المجلس الأعلى للأمن، مع إشعار البرلمان إذا ما استمر وضع التأهّب.
ويضع التشريع الجزائري ضوابط صارمة لهذا الإجراء، الذي لا يُفعّل إلا في حالات الضرورة الاستراتيجية القصوى. وتنصّ المادة 99 من الدستور المعدل عام 2020 على ما يلي: يُقرّر رئيس الجمهورية التعبئة العامة في مجلس الوزراء بعد الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن واستشارة رئيس مجلس الأمة ورئيس المجلس الشعبي الوطني.
وهذا يعني أن:
- رئيس الجمهورية هو الجهة الوحيدة المخوّلة بإعلان التعبئة،
- عليه التشاور أولًا مع الهيئات الأمنية الوطنية،
- يتّخذ القرار في أعلى مستويات السلطة التنفيذية ضمن إطار مؤسساتي جماعي.
كما تندرج التعبئة العامة ضمن العقيدة الدفاعية الشاملة للجزائر، التي تقوم على:
- حماية السيادة الوطنية،
- الدفاع عن وحدة وسلامة التراب الوطني،
- احترام مبدأ عدم التدخل وعدم الاعتداء، مع التأكيد على حقّ الرّد المشروع.
ولا تُعدّ التعبئة العامة إعلانًا للحرب، بل تمثّل غالبًا تمهيدًا تكتيكيًا ونفسيًا لها، حيث تعبّر عن إدراك الدولة لخطورة الوضع واستعدادها لتسخير كل مواردها العسكرية والاقتصادية والبشرية.
ورغم ما يبدو من خطورتها، فإن هذا القانون لا يشكّل إعلانًا للحرب بل هو أداة قانونية تمكّن الدولة من الاستعداد لأيّ سيناريو تصعيد. وهو أيضًا رسالة ردعية: الجزائر تؤكد استعدادها للدفاع عن سيادتها، قانونيًا، دبلوماسيًا، وإذا لزم الأمر، بالقوة.
3- السياق الجيوسياسي الحالي
لا يمكن فهم هذا القانون إلا في ضوء السياق الجيوسياسي:
- القطيعة والتوتّرات مع المغرب: قطع العلاقات منذ 2021، قضية الصحراء الغربية، والتقارب العسكري المغربي مع إسرائيل.
- عدم الاستقرار الأمني في الساحل: نشاط الجماعات الإرهابية في شمال مالي والنيجر وبوركينا فاسو.
- الأزمة الليبية: تنافس استراتيجي ووجود عسكري أجنبي، يُراقب من الجزائر عن كثب.
- سباق التسلّح: تحديث القدرات الدفاعية الجزائرية، خاصة الدفاع الجوي والبحري والتقنيات الاستراتيجية.
إذاً، فإن هذا القانون يحمل رسالة سياسية قوية، موجهة للداخل والخارج:
- داخليًا: تعزيز السيادة المؤسساتية في الأمن القومي.
- خارجيًا: تأكيد استعداد الجزائر وعدم خضوعها لأي تهديد.
4- تعبئة نفسية واستراتيجية: تحوّل استراتيجي مدروس
يمثّل تبنّي هذا القانون تحوّلًا في التفكير الاستراتيجي الجزائري، ويأتي في سياق إعادة تأكيد الدولة لسيادتها. ويمكن اعتباره:
- فعل سيادي استباقي لتعزيز قدرة الردع،
- أداة لتوحيد الجبهة الداخلية وسط اضطرابات إقليمية،
- إطارًا قانونيًا لاستباق أزمات عسكرية أو هجينة.
ومن المهم التأكيد أن تبنّي هذا القانون لا يعني تعبئة فورية أو إعلانًا للحرب، بل هو أداة ردعية قانونية تتيح للدولة التصرف في حالات الطوارئ الوطنية.
وهو يندرج ضمن منطق التحضير الاستراتيجي وبناء قدرات دفاعية، وتبدو الجزائر من خلاله وكأنها تتهيّأ لعقيدة أمنية جديدة.
خاتمة: إجراء استثنائي لا يجب التقليل من أهميته
رغم عدم إعلان تعبئة عامة رسمية، فإن مؤشرات ميدانية (مناورات، خطابات سيادية، تموضع دبلوماسي) توحي بأن الجزائر تستعد لسياق إقليمي عدائي محتمل.
وإذا ما أُعلنت التعبئة العامة، فإنها ستكون نقطة تحوّل في العقيدة الاستراتيجية الجزائرية، تعبّر عن أقصى درجات الاستعداد للمواجهة كخيار أخير.
إن إعداد الجزائر لقانون التعبئة العامة يمثّل مرحلة أساسية تعكس تطوّر عقيدتها العسكرية، ويتماشى مع ممارسات القوى الكبرى.