زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى الجزائر: محطة استراتيجية تتجاوز الرمزية
مهدي الباز

شكّلت زيارة الرئيس اللبناني، جوزيف عون، إلى الجزائر محطةً بالغة الأهمية في مسار العلاقات بين البلدين الشقيقين، إذ تُعدّ الأولى من نوعها لرئيس لبناني منتخب يزور “أرض الشهداء والأبطال” منذ ربع قرن، وتحديدًا منذ آخر زيارة رسمية قام بها الرئيس السابق إميل لحود في عام 2002.
وتحمل هذه الزيارة في طياتها العديد من الدلالات السياسية والجيوسياسية، التي تعكس توجهًا متجددًا في مسار العلاقات الثنائية، وتفتح المجال أمام قراءة معمّقة لأبعادها الرمزية والعملية، في ظل مستجدات عربية وإقليمية حساسة.
زيارة رسمية تتجاوز الدلالة الرمزية
رغم أن زيارة الرئيس اللبناني جوزيف عون إلى الجزائر تحمل طابعًا رسميًا وبروتوكوليًا، إلا أنها لا تقتصر على البعد الرمزي فقط، بل تتجاوز ذلك لتلامس تحوّلات حقيقية في توجّه البلدين نحو بناء شراكة استراتيجية وثيقة.
فالمتابع للعلاقات الثنائية بين البلدين يدرك جيدًا حجم الجمود الذي طالها لسنوات، وهو ما يجعل من هذه الزيارة مؤشرًا إيجابيًا يعكس رغبة صادقة في فتح صفحة جديدة، قائمة على المصالح المشتركة وإقامة علاقات استراتيجية قائمة على الثقة والتفاهم.
كما أن الطابع الرسمي للزيارة – من حيث الاستقبال، واللقاءات مع كبار المسؤولين الجزائريين، وتناول ملفات حساسة – يؤكد أن الطرفين يتعاملان مع الحدث كفرصة لإعادة بناء شراكة فعلية، في سياق إقليمي يفرض على الدول العربية التنسيق والعمل الجماعي لمواجهة التحدّيات المشتركة، وعلى رأسها ملف الأمن الإقليمي العربي.
التعاون في العديد من الملفات ذات الاهتمام المشترك
أكد اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، بالرئيس اللبناني جوزيف عون، أهمية تعزيز التعاون والتنسيق بين الجزائر ولبنان في مختلف المجالات.
وقد حُظي ملف إعادة الإعمار والتعاون في مجال الطاقة بحيز واسع من المحادثات بين الجانبين، ما يعكس إرادة واضحة لبناء شراكة تنموية تسهم في دعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان.
وفي هذا الإطار، شدّد الرئيس عبد المجيد تبون على ضرورة الإسراع في عقد الدورة الأولى للجنة المشتركة الجزائرية–اللبنانية، لتكون منطلقًا فعليًا ودافعًا قويًا نحو تعاون مثمر ومستدام يخدم مصالح الشعبين.
الأبعاد الجيوسياسية للزيارة
تشهد المنطقة العربية حالة من التوتّر وعدم الاستقرار نتيجة الاستقطابات الجيوسياسية الحادة بين القوى الفاعلة في النظام الدولي، الأمر الذي انعكس سلبًا على العديد من الدول، وفي مقدمتها لبنان، الذي يواجه أزمات داخلية معقدة وضغوطًا خارجية متزايدة.
ومن خلال هذه الزيارة، يبدو أن لبنان يسعى إلى إعادة التموضع خارج ثنائية المحاور والاصطفافات التي هيمنت على المشهد العربي خلال العقدين الأخيرين. وقد جاء اختيار الجزائر – المعروفة بسياساتها الخارجية المتّزنة، ورفضها التدخلات، وحرصها على مبادئ السيادة الوطنية – كمؤشر واضح على توجه لبناني نحو إعادة الانفتاح على قوى تمتلك مصداقية إقليمية ودولية، دون أن ترتبط بأجندات ضاغطة أو تدخلية.
مهدي الباز

