برحيل فوزي صايشي …تُطوى صفحة من صفحات الفن و الإبداع الجزائري

تودّع الساحة الفنية الجزائرية أحد ابرز اعمدتها في مجال الفن و السينما، بفقدانها للمثل القدير فوزي صايشي، المعروف باسم “رميمز”، بعد مسيرة فنية كبيرة و مميزة، امتدت لأكثر من خمسة عقود، شكّل خلالها وجدان أجيال كاملة من الجمهور الجزائري، وترك بصمة مميّزة في المشهد الثقافي الوطني والاقليمي.
الراحل توفي في مستشفى سان دونيز بالعاصمة الفرنسية باريس، بعد أيام من إصابته بجلطة دماغية، دخل على إثرها في غيبوبة، قبل أن يسلّم الروح مساء أمس الاثنين ، عن عمر ناهز 74 عاماً.
من عين الصفرة إلى قلوب محبي الفن
ولد فوزي صايشي سنة 1951 في مدينة عين الصفرة، وبدأ التمثيل في سن مبكرة عبر المسرح الإذاعي، قبل أن ينتقل إلى خشبة المسرح، ثم إلى الشاشة الصغيرة والكبيرة. عُرف عنه منذ بداياته امتلاكه لملكة الأداء التلقائي، وحسّه الكوميدي والدرامي في آن واحد، وقدرته على التجسيد العميق للشخصيات، وهو ما أهّله لأن يصبح أحد أبرز وجوه الفن الجزائري منذ سبعينيات القرن الماضي.
كانت انطلاقته الفعلية في مجال السينمائي من خلال فيلم “ليلى والآخرون” للمخرج سيد علي مازيف، بدور ثانوي، إلا أنه استطاع أن يلفت الأنظار بموهبته، ليتألق لاحقاً في فيلم “سقف وعائلة” للمخرج رابح لعراجي، في دور رئيسي كُتب خصيصاً له من طرف السيناريست رشيد بن علال. وقد فاز حينها بجائزة “أفضل ممثل” في مهرجان قرطاج السينمائي الدولي عام 1982، متفوقاً على أسماء مرموقة في السينما العربية، من بينها الممثل المصري الكبير نور الشريف.
اعمال خالدة على خشبة المصرح و شاشة التلفزيون
على متن خشبة المسرح، شارك الراحل في أعمال خالدة مثل “البوابون”، “الثانية الثالثة هذا اليوم”، و”البخيل” التي مثّلها في فرنسا. أما في التلفزيون، فقد لمع نجمه في أعمال شعبية بقيت راسخة في ذاكرة المشاهد الجزائري، أبرزها مسلسل “رميمز” الذي أخرجه جمال بن ددوش، وجمعه بالفنانة الراحلة وردية، والذي حمل منه لقبه الذي لازمه حتى وفاته.
كما شارك في سلسلة “قابسة شمّة”، و سلسلة “ناس ملاح سيتي”، و”جمعي فاميلي” للمخرج الكبير جعفر قاسم، وهي أعمال بقيت خالدة في ذاكرة المشاهد الجزائري حيث رسمت البسمة على وجوههم، رغم إنتاجها في ظروف تقنية بسيطة، لكنها كانت غنية بمضمونها والذي حمل رسائل انسانية و اجتماعية عميقة.
فوزي صايشي والفن السابع
استطاع فوزي صايشي ان يترك بصمة خالدة في مجال الفن السابع محليا واقليميا، حيث نجد له ادوار بارزة على غرار فيلم “الطاكسي المخفي” لبن عمر بختي، “من هوليوود إلى تمنراست” لمحمود زموري، “شاب”، “شرف عائلتي” لرشيد بوشارب، و”مييستا”، وغيرها من الأعمال التي عكست هموم الإنسان الجزائري، ولامست قضاياه بلغة بصرية صادقة و راقية.
كان الراحل معروفاً بثقافته الواسعة وتواضعه، وبقدرته على المزج بين الطرافة والجدية، بين العمق والبساطة، ما جعله محبوباً لدى زملائه والجمهور على حد سواء. وقد كان من الممكن أن يصبح محامياً، لولا أن اختار طريق الفن، مؤمناً أنه الوسيلة الأصدق للتعبير عن الإنسان والمجتمع.
وداعاً رميمز..
برحيل فوزي صايشي، تُطوى صفحة من صفحات الإبداع الجزائري. فنان لم يسعَ للشهرة، بل الشهرة من اختارته.
فوزي او “رميمز” كيفما احب جمهوره ان يناديه ترك خلفه إرثاً فنياً غنياً، سيبقى شاهداً على زمن كانت فيه الكلمة تُقال بصدق، والصورة تُلتقط بعين القلب لا بعدسة الكاميرا فقط.
مهدي الباز
