المحلل السياسي رابح لعروسي لشرشال نيوز: “مجازر 17 أكتوبر… جريمة ضد الإنسانية وصراع ذاكرة لا يزال مفتوحا
مهدي الباز

بمناسبة إحياء الجزائر للذكرى الرابعة والستون لمجازر 17 أكتوبر 1961، تلك الليلة التي استباحت فيها سلطات الجمهورية الفرنسية في عهد شارل ديغول دماء الجالية الجزائرية التي خرجت في مظاهرات سلمية بشوارع باريس، للمطالبة بما تراه حقًا مشروعًا في المساواة والكرامة ورفض التمييز والعنصرية، لتبقى شاهدًا خالدًا على بشاعة الاستعمار ووحشيته.
وفي هذا السياق، تُسلّط “شرشال نيوز” الضوء على هذا الحدث التاريخي الذي ما زال حاضرًا في الذاكرة الوطنية كرمزٍ للتضحية والوفاء، ودليلًا على عمق نضال الشعب الجزائري وإيمانه الراسخ بحقه في الحرية والاستقلال.
وفي هذا الإطار، نستضيف البروفيسور رابح لعروسي، المحلل السياسي والأستاذ المختص في العلوم السياسية، ليقدّم لنا قراءة تحليلية حول خلفيات مظاهرات 17 أكتوبر وأبعادها و دلالتها.
استهل البروفيسور رابح لعروسي مداخلته لشرشال نيوز بالتركيز على السياق القانوني والسياسي للاحداث قائلا:
بعيدًا عن السياق التاريخي لمظاهرات الجزائريين في باريس والرد الوحشي الذي واجهت به السلطات الفرنسية تلك المسيرات السلمية، وبغضّ النظر عن التعتيم الإعلامي والسياسي والتكتم التام على المجزرة في الصحافة الفرنسية الرسمية، وعدم الاعتراف بالمسؤولية لسنوات طويلة، حيث لم يُفتح تحقيق رسمي جاد إلا بعد عدة عقود.
وأوضح أن قراءة الحدث تقتضي التوقف عند زاويتين أساسيتين: قانونية وسياسية، لما تحمله كل واحدة منهما من دلالات عميقة.
أولًا: من الزاوية القانونية
اعتبر البروفيسور رابح لعروسي أن ما حدث في 17 أكتوبر 1961 يُجسّد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان، من خلال قمع مظاهرات سلمية وقتل متظاهرين عُزّل خرجوا فقط للتعبير عن موقفهم وحقهم في المساواة والكرامة، وهو ما يُعدّ جريمة ضد الإنسانية بكل المقاييس القانونية والأخلاقية.
وأضاف أن الحدث كشف عن عنصرية قانونية ممنهجة، حيث فرضت السلطات الفرنسية حينها حظر تجوّل يستهدف الجزائريين فقط، في خرقٍ واضحٍ لمبدأ المساواة أمام القانون الذي تتغنّى به فرنسا.
وأشار إلى أن الإفلات من العقاب شكّل أحد أبرز مظاهر الظلم في هذه القضية، إذ لم يُحاسَب المسؤولون عن المجزرة، وعلى رأسهم موريس بابون، محافظ الشرطة آنذاك. كما أن عدم الاعتراف الرسمي بالجرائم وعدم تقديم اعتذار صريح من الدولة الفرنسية، يبقي الباب مفتوحًا أمام تساؤلات قانونية وأخلاقية حول مسؤولية الدولة في الجرائم التاريخية التي ارتُكبت ضد الإنسانية.
ثانيًا: من الزاوية السياسية
يرى البروفيسور لعروسي أن ما جرى لم يكن مجرد حادث معزول، بل قمع سياسي متعمّد، ورسالة من الدولة الفرنسية إلى الجالية الجزائرية في المهجر لثنيها عن دعم الثورة التحريرية في الداخل.
وأوضح أن السلطات الفرنسية استخدمت جهاز الشرطة كأداة استعمارية حتى داخل التراب الفرنسي، في استمرارٍ لنهج السيطرة والقمع الذي مارسته في الجزائر نفسها.
كما أكد أن صراع الذاكرة ما زال قائمًا إلى اليوم، لأن الدولة الفرنسية لا تزال تتجنب الاعتراف الكامل بالمجزرة، رغم مرور أكثر من ستين عامًا، وهو ما يعكس أزمة داخلية في مواجهة تاريخها الاستعماري.
وأشار إلى أن المظاهرات أبرزت رمزية النضال لدى الجزائريين في الخارج، إذ أثبتت الجالية الجزائرية أن الثورة لم تكن محصورة داخل الوطن فحسب، بل امتدت إلى أرض المهجر دعمًا لقضية التحرير والاستقلال.
دلالات الحدث وأبعاده
خلص لعروسي في مداخلته إلى أن دلالات مظاهرات 17 أكتوبر 1961، يمكن تلخيصها في كونها كشفت زيف أسطورة الديمقراطية الفرنسية التي تتهاوى عندما يتعلق الأمر بالاستعمار، كما عرّت عمق العنصرية والتمييز الممارس ضد الجزائريين حتى في قلب العاصمة الفرنسية.
وأكد أن المظاهرات جسّدت استمرار النضال الوطني خارج الوطن في سبيل دعم الثورة التحريرية، مشددًا في الوقت نفسه على أهمية التوثيق التاريخي للحفاظ على الذاكرة الوطنية ومواجهة كل محاولات النسيان أو التزييف التي يسعى البعض إلى تمريرها عبر الزمن.
وختم البروفيسور لعروسي مداخلته بالتأكيد على أن إحياء ذكرى 17 أكتوبر ليس مجرد حدث تاريخي، بل هو واجب وطني وأخلاقي تجاه الشهداء الذين سقطوا في تلك الليلة الدامية.
كما دعا إلى مواصلة الجهود الرسمية والأكاديمية لتوثيق هذه الجرائم الاستعمارية، واسترجاع الأرشيف الوطني كاملاً باعتباره جزءًا لا يتجزأ من السيادة والهوية الوطنية.
